مقالات مختارة

حديث إلى الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود

محمد صالح المسفر
1300x600
1300x600

عواصف سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية تهب على المملكة العربية السعودية من كل اتجاه، من الداخل و من الخارج على حد سواء، حلفاء الدولة السعودية لا يهمهم سوى الابتزاز والتخويف من مستقبل مظلم للنظام السياسي القائم في جزيرة العرب، وحلفاء عرب يهمهم وهْنُ الدولة السعودية وتفككها، وأهم حلفاء الابتزاز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرورا بالنظام القائم في مصر بقيادة الجنرال عبدالفتاح السيسي والقائمة تطول. بالأمس، وعلى وجه التحديد، الرئيس الأمريكي ترامب في محفل انتخابي  يهدد الدولة السعودية على وسائل الإعلام، قائلا للمرة الرابعة "إن السعودية لا تستطيع البقاء ساعة أمام إيران" يا للهول! إن كانت المملكة لا تستطيع أن تصمد ساعة أمام إيران بشهادة أقوى رئيس دولة في العالم والحليف للدولة السعودية، كما يزعم إخواننا في المملكة. لن أطيل في هذا الحديث عن "حليف الابتزاز"  والانصياع لكل طلباته، وحلفاء الأطماع في وهْن الدولة وضعفها. الرئيس ترامب إنه مثل جهنم "يوم نقول لجهنم هل امتلأتِ فتقول هل من مزيد".


(1)


خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، تعلمُ حقَّ العلم أن الأزمات التي تعتصر النظام السعودي تتوالد  توالد الصراصير الأمريكية، وأن لظى النيران من حولكم تتقد، وأنتم يا خادم الحرمين أفضل من يُخمد كل الفتن التي تحيط بكم ليس عن طريق القوة والإكراه، ولكن عن طريق الحكمة التي كنتم تتميزون بها، ولكي أذكّر مقامكم السامي  عندما انشقت الأسرة المالكة في مطلع ستينيات القرن الماضي وذهب الأمراء الخمسة أشقاؤكم (طلال وفواز وعبد المحسن وبدر وبن سعد) ولحق بهم الطياران العسكريان بطائرتيهما إلى القاهرة، وكذلك كوكبة من رجال الدولة السعودية، أذكر منهم الشيخ عبدالله الطريقي، أول وزير للبترول والثروة المعدنية، نصيف وزير الصحة، وغيرهم من كبار موظفي الدولة، أذكر منهم ضحيان بن عبدالعزيز العيسى والصفواني وغيرهم، وتناولتكم وسائل الإعلام في القاهرة ودمشق وبغداد وبيروت بالنقد والتجريح. في تلك الحقبة يا خادم الحرمين بذلتم شخصيا كل جهودكم وأنتم لستم على هرم السلطة كحالكم اليوم، وتواصلتم شخصيا مع كل تلك الشخصيات واستقطبت من استطعت إليه سبيلا وحيّدت من لم تستطع استقطابه، واستعدت وحدة الأسرة الحاكمة ونصّبتم بعضهم في مراكز قيادية، الأمير فواز أميرا لمكة المكرمة وعبدالمحسن أميرا للمدينة المنورة، وهكذا كان، وإخوانكم الأمير فهد وزير الداخلية، قبل أن يكون ملكا، عيّن قيادات بعثية معارضة للنظام في وزارة الداخلية مستقطبا لهم، وعيّن بعض الشيوعيين في وزارة الإعلام في عهد الجيلان  وكذلك بعض القوميين، واستعدتم الطيارين اللذين فرا بطائراتيهما الحربية إلى القاهرة سلميا ولم يُمس جميع هؤلاء بأي أذى كان من قبل النظام، وجهودكم وإخوانكم الأمير نايف والأمير أحمد وشخصكم استقطبتم معارضيكم ودعاة الإصلاح الذين كانوا يعيشون في منافيهم الاختيارية، وعادوا مكرمين معززين ولم يُسأل أحد منهم عن ماضيه، وكان ذلك السلوك  حكمة الأمراء المخلصين.


(2 )


السلطان قابوس بن سعيد حكيم عمان والخليج العربي، كان يواجه ثورة شعبية تقودها حركة يسارية ماوية لينينية، في مطلع سبعينيات القرن الماضي استقطب قادة الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي وعينهم في مناصب عليا وبعضهم يدير السياسة الخارجية اليوم. وقال لهم السلطان: "تعالوا نبني عمان جميعا متحدين لا متفرقين، ضعوا خبراتكم وحققوا الإصلاح الذي تنشدونه دون عنف"، وكان لهم وله ما أرادوا، وهذه حكمة السلاطين العظماء.


(3)


كانت آخر المصائب التي حلّت على الدولة السعودية يا خادم الحرمين الملك سلمان التي أصبحت "مسألة عالمية"، هي إخفاء أو تغيّب أو اغتيال أو اختطاف الصحفي السعودي المرموق (جمال خاشقجي)، بعد أن دخل القنصلية السعودية في اسطنبول، وقد تناوله الزعماء ورجال الإعلام، ولم يعد لي ما أقول في شأنه إلا أنني أقول، إن الرجل لم يكن معارضا ولا حاقدا على النظام في السعودية، بل كان أحد رجاله عبر الصحافة وعمله في السلك الدبلوماسي مع الأمير تركي الفيصل في لندن وواشنطن، كان قريبا من آل فيصل خالد وتركي ومحمد، كان قريبا من أبناء أخيكم الأمير طلال بن عبدالعزيز . وسؤالي: هل مقالة في صحيفة أو مقابلة تلفزيونية لخاشقجي أو كلمة منه أو من أي صاحب رأي يا خادم الحرمين من شعبكم، تهزّ عرشكم وتقضّ مضاجعكم؟ وسائل الإعلام العالمية تناولت عمليات اختطاف مواطنين وأمراء من العائلة الحاكمة كانوا يعيشون في الخارج وذُكرت الأسماء. قام بعملية الاختطاف أجهزة الأمن السعودية وراحت وسائل الإعلام العالمية تشوه سمعة المملكة أمام الرأي العالم العالمي، وتتهمها بأنها دولة إرهابية لمواطنيها في الداخل والخارج، كما تناولت وكالات الأنباء سجناء (الريتز كارلتون) وهم من كبار القوم.


ألم يكن في استطاعتكم يا خادم الحرمين أن تمتص النقمة ضد نظامكم السياسي، وأنتم على رأسه ومحسوب عليكم كل تلك التصرفات غير المقبولة داخليا وخارجيا، حصار قطر وأنتم قادته أخلّ بالتوازن السياسي والاستراتيجي في المنطقة، حرب اليمن "عاصفة الحزم" لم تحقق أهدافها، أرهقتكم ماليا وشوّهت سمعة العسكرية السعودية، وأسقطت هيبتها عند الأعداء والأصدقاء على حد سواء "أحفاد خالد بن الوليد" وانكشف المستور، فضيحة ميزانية التسلح الضخمة لم تكن مجدية. اليمنيون يقولون إنكم قوى احتلال ولستم قوى لاستعادة الشرعية كما أعلنتم، رحتم تجربون قوتكم في أماكن بعيدة كل البعد عن هيمنة الانقلابيين مثل المهرة وحضرموت، بهدف كما يقول اليمنيون لإيجاد قواعد لكم أبدية هناك، وأنتم في سباق مع الإمارات في هذا الشأن. 


 يا خادم الحرمين الملك سلمان حفظكم الله، لا نريد للملكة العربية السعودية إلا كل الخير كما قال بذلك الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء السابق، ونتمنى نجاح ولي عهدكم الأمير محمد في إصلاح ما أفسدته القرارات الانفرادية ( الشرق 18/9). لستُ من دعاة التشهير بسياستكم الداخلية والخارجية. تأكدْ جلالةَ الملك سلمان أنه لا يستطيع كل صاحب رأي أن يطرق باب مكاتبكم وولي عهدكم أو أي من الأجهزة التنفيذية ليدلي بنصيحته أو رأيه في أي شأن وطني، وعلى ذلك، فالوسيلة الوحيدة للتواصل بين الحاكم والمحكوم هي الإعلام، فهو أسرع وسيلة للوصول إلى الحاكم، فامنحوه الحرية.


 آخر القول: نخاف على المملكة أن تغرقها الفتن بأسباب قرارات فردية وسلوك سياسي جامح، بيدك يا خادم الحرمين إصلاح ما تم اعوجاجه، بإصدار عفو عام عن معتقلي أصحاب الرأي، فهم لا يشكلون تهديدا لأمن وسلامة البلاد والنظام القائم، وإظهار قصة جمال خاشقجي ولو كانت محزنة، ورفع الحصار عن قطر، وإيجاد حل للأزمة اليمنية وإيقاف الحرب، وعودة الُّلحمة إلى مجلس التعاون، والعمل على رفع الحصار عن قطاع غزة. والله مع الصادقين في أقوالهم وأعمالهم.

 

عن صحيفة الشرق القطرية

9
التعليقات (9)
مُواكب
الأحد، 14-10-2018 05:01 ص
إلى جميع الأُخوة المعلقين، أقترح عليكم أن كُلما ذُكِر اسم "سلمان" استبداله ب "سالمان" الإسم الذي ناداه به السيسي مرتين. مثل هذه الأُمور تُنَكِظ على طاغية السعودية مزاجه.ولو فعلنا ذلك، كل ال 1500 مليون مسلم سني لطرحناهم أرضاً من أثر الشهيق. مراراً ضربت مثل سُقوط آخر ديكتاتورية عسكرية حكمت الأرجنتين: في الشوارع وفي البيوت، في كل ليلة الناس تضرب على الطناجر الفارغة مُحدثةً ضجيج ذهب بعقول العسكر وبِأعصابهم، نادوا بعدها الأحزاب والسياسيين ليحكموا البلد. ومنذ ذلك الوقت الأرجنتين دولة ديقراطية سعيدة.
موسى حرب
السبت، 13-10-2018 09:52 م
نصائح عظيمة وقيمة ومؤثرة ومرضية من كاتب الى حاكم وفيها من الأخلاص العظيم ما هو واضح وضوح الشمس في كبد السماء , نأمل أن يسمع القوم هذه النصائح ولا أظن أنهم سيعملون بها لإن الكثير من الغيورين على البلد تقدموا بنصائح مشابهة ثم كان مصيرها التجاهل وإن كانوا من داخل السعودية كان مصيرهم الحبس والابادة . كلمة واحدة لم تعجبني واحتج عليها وهي أن الكاتب الكريم ذكرهم بأنهم حفدة وابناء خالد بن الوليد وهذه اهانة لصحابي جليل لا يمت للقوم بصلة لا في عمله ولانشأته ولا خلقه ولا طبيعته فكان الربط بين هذه الاسرة الفاسدة وذاك الزعيم الاسلامي العظيم ظلم كبيرغير مقبول .
جزائري اصيل
السبت، 13-10-2018 05:39 م
مقال ممتاز لكن لا حياة لمن تنادي، سلمان قد أصابه الخرف، وابنه الدب الداشر مجرم كبير وهو سادي يستمتع بقتل البشر والتنكيل بهم، لا أظنه سوف يتوقف عن عبثه بأرواح المسعودين، وبأموال السعودية حتى يُقتل أو يزيله أبو إفانكا بالقوة. لا ننسى ما صرح به الدب الداشر لما قال أنه لا شيء يحول بينه وبين آماله إلا الموت.
محمد عبد الكريم
السبت، 13-10-2018 05:03 م
كل الشكر للدكتور المسفر على نصحه وحسن تأتيه في هذا الموفف المحزن والعصيب ، ولكن للقول تتمة ابها العزيز إن لكل زمان مقالة ورجال فما كان بنفع الللاد قبل سنوات قليلة فهو اليوم فد ليس كذلك ان منطق التاريخ يقتضي التغيير فلا يعقل ان يكون معظم دول الارض يجلس الرئبس على كرسي فيادة البلاد ثم يتغير بانتخابات اخرى ولا يستطيع ان ينفق درهما دون حساب وليس له الا ما اقره ممثلوا السعب ومعظم دولنا مازال الحاكم يرى نفسه فوق القانون وكأنه الحاكم بأمره فأن تملم نابد سجن وعذب وان كتب كاتب محب لبلده واهله ناثحا قتل فلا راي مسموع الا ما بهواه الملك ولا قول مسموع الا ما يحبه الملك و واما الشعب فأخر ما بحسب حكام العرب حسابه وكثير منهم ياملون السعب على انهم لا شيئ اجل لا شيئ كبيرة فكيف بمستقبل البلاد التي يتصدى دفة قيادتها مغرور متكبر احمق وحوله ثلة مارقة يرونه الها فيقتلون ويفعلون بالناس ما لا تفعله السواري في البراري هل نحن في زمن الحكام الضواري امير مفترس وماتب رائع لا حيلة له الا كلمته التي خنقها امير مارق لو كتبنا مداد النهر في وثف فعلة هؤلاء الجلاوزة لنا وسعت كلماتنا رحم الله جمال خاشقجي ورفاقه من الاحرار وحغظ من بقي منهم وفك اسيرهم واختم بكلمات الرئع الاسير سلمان العودة غدا تطير العصافير
عبدالقادر
السبت، 13-10-2018 02:16 م
جزاكم الله خير عن العرب والمسلمين