كتاب عربي 21

على الجاني أن يدفع الثمن وقد يكون غاليا

علي باكير
1300x600
1300x600
يوجد الكثير من التسريبات هنا وهناك حول سيناريوهات ما جرى في قضية اختفاء خاشقجي. آخر هذه التسريبات تتحدث عن وجود تسجيلات (صوت وصورة) لما حصل داخل جدران القنصلية وتتضمّن عملية تعذيب وقتل. 

تثير العديد من التسريبات ـ بما في ذلك تلك التي تتحدث عن التسجيلات ـ الكثير من الأسئلة أكثر ممّا تزودنا بأجوبة. وبغض النظر إذا ما كانت صحيحة أم لا، فالأكيد أنّ تزايد هذه التسريبات خلال اليومين الماضيين أدى إلى ضغط إعلامي غير مسبوق على الجانب السعودي، والى الدفع باتجاه مطالبة السلطات السعودية بالحصول على أجوبة شافية عن العديد من التساؤلات التي لا يستطيع الجانب التركي الإجابة عنها بحكم وقوع الجريمة داخل القنصلية. 

المُتَّهم الأول

السعودية هي المتّهم الأول والأكبر في قضية إخفاء/اختطاف/قتل جمال خاشقجي، وهذا يعني أن المملكة قد تشهد ربما أكبر أزمة سياسية في تاريخها الحديث على الإطلاق في ظل الحديث عن أنّ قرار قتل خاشقجي صدر من أعلى سلطة فيها. 

وإزاء الصمت الرسمي المريب للمسؤولين السعوديين، توالت ردود الأفعال الدولية المطالبة إيّاهم بمعرفة ما جرى لخاشقجي. لم يقتصر الأمر على المستوى السياسي فقط، إذ أنّه امتد ليطال الجانب الاقتصادي كذلك. انسحابات دولية بالجملة من المؤتمر الاقتصادي المزمع عقده في المملكة هذا الشهر تحت عنوان "مبادرة الاستثمار المستقبلي"، وفك شراكات إعلامية، وإيقاف مبادرات استثمارية بمليارات الدولارات. خُطط محمد بن سلمان الاستثمارية باتت في مهب الرياح على خلفية المشهد المتعلق باختفاء جمال. حتى وكالة بلومبيرغ التي كان ولي العهد قد استخدمها لترويج مقابلته الأخيرة بعد أيام فقط من إخفاء خاشقجي أعلنت فك شراكتها الإعلامية.

تداعيات غير مسبوقة

وفيما يزداد الضغط الإعلامي، ويتم حشد الموقف السياسي حول العالم، يبقى الجميع في انتظار الدليل القاطع حيال ما جرى. ثبوت تورط النظام السعودي في قتل جمال سيؤدي حكما إلى تداعيات غير مسبوقة عليها. 

سفير السعودية في الولايات المتّحدة وشقيق محمد بن سلمان كان قد توجّه قبل أيام إلى الرياض على وجه السرعة، تشي هذه الخطوة بأمر عظيم، فسفراء المملكة حول العالم خارج مجال التغطية. هل نحن من ارتكب الجريمة؟ من الفاعل؟ في نهاية المطاف على أحد ما أن يلقي بالمسؤولية إزاء ما جرى على أحد آخر في سلّم السلطة في السعودية وإلا فانّ ردّة الفعل ستطال البلد بأكمله. هل سيأخذ الملك سلمان العملية على عاتقه ويتحمل مسؤوليتها حال ثبوتها؟ هل سيلقي بالمسؤولية على ابنه محمد بن سلمان؟ هل سيقوم الأخير بنسب العملية إلى عناصر خارجة عن النظام السعودي لرفع المسؤولية عنه وتقديم بعض الأفراد ككبش فداء؟

الموقف الدولي 

في المقابل، هناك احتمال في أن تلجأ السعودية إلى الحليف الأمريكي للتهرّب من تحمّل المسؤولية مرّة أخرى. ردة الفعل الأمريكية على ما جرى هي من سيرسم إلى حد كبير حجم ردود الأفعال الدولية. الإشكالية في هذا الطرح انّه لا يمكن الوثوق بموقف ترامب، فالرجل يمكن شراء مواقفه بالمال كما أثبتت التجربة حتى الآن، وقد ساهم سلوكه إلى حد بعيد في جعل السعودية بلدا خارجا عن السيطرة. تصريحات ترامب الأخيرة للإعلام توحي بأنّه مستعد للمقايضة مقابل الصفقات المالية مع السعودية. لكن قد يكون للكونغرس كلمة أخرى، والتصريحات التي تعبّر عن موقف عدد من أعضائه تشير إلى أنّه مستعد لاتخاذ إجراءات عقابية ضد السعودية لكنّه سيحتاج إلى الدليل لإثبات ذلك. 

فيما يتعلق بالموقف التركي، ليس هناك مصلحة لأنقرة في أن تترك الموضوع معلّقا. هناك من يتّهمها منذ الآن بأنّها تسعى إلى صفقة لإغلاق الملف. لكن من يسعى إلى صفقة ـ بالمعنى السلبي الذي يقصده هؤلاء ـ لا يقوم بتسريبات من شأنها أن تدين السعودية إلا إذا كان الحديث عن الصفقة يعني الحديث عن جعل السعودية تدفع ثمن ارتكاب الجريمة. ولتحقيق هذا الهدف، يسعى الجانب التركي إلى حشد الجهود الأمريكية أيضا في ملف خاشقجي، فمن دون ردّ فعل دولي قوي، سيبدو الموقف التركي ضعيفا وغير كافٍ بغض النظر عن الإجراءات التي قد يتّخذها لاحقا. 
التعليقات (0)