قضايا وآراء

المسؤولية الجنائية في مقتل خاشقجي

1300x600
1300x600
الرواية الرسمية للرياض عن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصليتها في إسطنبول، والتي انحصرت في محاولة تحميل المسؤولية للفريق المرسل من قبل الرياض لإسطنبول (للتفاهم مع الصحفي للعودة للسعودية)، بحسب ما بررت الرياض، إلا أن الفريق الذي تعدى صلاحياته يحمل رتبا ووظائف رسمية مرتبطة بشكل مباشر بالقصر في الرياض.

فالمتهم الأول في هذه القضية، والذي أعلنت عنه الرياض منذ أيام وتم القبض عيه، هو نائب مدير المخابرات السعودية والمقرب من الأمير المتحكم، ومدير الإدارة العامة للأدلة الجنائية في المملكة، وحارس شخصي للأمير المتحكم، وضابط صاعقة، وضباط في القوات الجوية بالجيش السعودي، وغيرهم ممن لهم صفات رسمية في الدولة السعودية التي يحكم قبضته عليها الأمير الصغير.

فولي عهد السعودية يتولى إلى جانب ولايته للعهد عدة مناصب منها وزارة الدفاع، كما أنه المسئوول الأول عن كل كبيرة وصغيرة فيه.

ومع محاولات المملكة ووزير خارجيتها، غسل يد الأمير من الحادث، بعد الرواية الأمريكية أو بالأحرى التصريحات الترامبية بأن الملك والأمير لا علم لهما بما حدث في إسطنبول، كان لزاما أن نفند هذا التوجه ومدى قانونيته بعيدا عن السياسة. وأرجو في ذلك أن يتحمل القارئ السطور القادمة، والتي حاولت فيها أن أتخفف من عبء التنظير القانوني، على الرغم من تخصصي فيه. وعليه، فالسطور القادمة ستحمل بعض المصطلحات والمفردات القانونية التي حاولت تخفيفها للوصول إلى الحقيقة، هادفا في ذلك أن يصل القارئ إلى الحقيقة المجردة بعيدا عن المراوغات السياسية، مع التنويه بأن هذا المقال كتب قبل إعلان تركيا عن نتائج التحقيقات.

والسؤال المفتاحي هنا هو: هل لو لم يكن الأمير يعلم بأفعال مرتكبي الجريمة سيعفى من المسؤولية؟ لذا كان لزاما أن نعرف ما هي المسؤولية الجنائية لكي نصل للإجابة عن هذا التساؤل.

يعرّف شراح الفقه الجنائي المسؤولية الجنائية بأنها التزام قانوني والتزام تبعي، فالقاعدة القانونية تنشأ على عاتق الفرد التزاما أصليا يتحمل على إثرها الفرد تبعات الإخلال بالقاعدة القانونية، وتثبت المسؤولية الجنائية بإتيان الجاني لسلوكه الإجرامي وهو مدرك نتائج فعله. لكن هل يتحمل الفرد تبعات الإتيان بالفعل المجرم أم يتعدى هذا العقاب إلى أشخاص آخرين، فيما لو ارتكب الفعل المجرم عدة أشخاص ائتمروا بأمر أحدهم؟ وهنا تأتي قاعدة قانونية أخرى تفصيلية في هذا السياق، وهي مسؤولية المتبوع عن أفعال تابعه، وإن كانت القاعدة خروجا على القاعدة العامة، حيث أن الأصل أن الشخص يسأل عن فعله الشخصي دون غيره، إلا أن القوانين الحديثة خرجت عن ذلك وتوسعت في مفهوم المسؤولية، بحيث قررت المسؤولية عن عمل الغير، وذلك تمشياً مع تطور الحياة العصرية، فألقت بالمسؤولية على عاتق المتبوع إذا أتى تابعه بعمل غير مشروع. وسواء كان الفعل ناتجا عن تأدية الوظيفة أو بسببها، فمناط المسؤولية هنا تقوم على أساس السلطة الفعلية للمتبوع في الرقابة على تابعه وتوجيهه، حيث يخضع التابع لأوامر وتعليمات المتبوع في أداء مهمته، حتى ولو تعدى التابع أوامر متبوعه، أو وقعت الجريمة بخطأ من التابع، وهو ما جرت عليه أحكام محاكم النقض والتمييز أخيرا في العديد من الدول العربية، حيث اتبعت المحاكم نظرية الخطأ المفترض والذي يفترض الخطأ المفترض من جانب المتبوع سواء كان خطأً في الاختيار أو في الرقابة والتوجيه أو فيها جميعاً، وهو خطأ مفترض لا يقبل إثبات العكس.

وعليه، فإن الأمير المتحكم في الرياض، وزير الدفاع، والذي تتبعه المخابرات بالتبعية، لا يمكن أن يكون في معزل عما جرى، ولا يمكن بأي حال من الأحوال استبعاده من مسؤولية ما حدث للصحفي السعودي المغدور.

وبغض النظر عما ستصل إليه النتائج النهائية، وبغض النظر عن ما ستنتهي إليه السياسة وقادتها، فإن الحقوق لا تضيع، وإن ضاعت في الدنيا، فإن محكمة العادل تنتظر الهارب في الآخرة.  
التعليقات (0)