أفكَار

الأردن.. إسلاميون يطالبون بالفصل بين الدعوي والسياسي

ما زالت جماعة الإخوان المسلمين تمثل الجسم السياسي الأكبر رغم تعدد المسارات (موقع العمل الإسلامي)
ما زالت جماعة الإخوان المسلمين تمثل الجسم السياسي الأكبر رغم تعدد المسارات (موقع العمل الإسلامي)
لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيديولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.

لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الانتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع  يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.

اليوم يستطلع مراسل "عربي21" في الأردن، محمد العرسان، آراء عدد من قيادات العمل الإسلامي الأردني وتقييمهم لأدائهم السياسي. 

الأردن.. إسلاميون يطالبون بالفصل بين الدعوي والسياسي 

صاغت فترة ما بعد الربيع العربي شكلا مختلفا من العلاقة بين النظام السياسي في الأردن وجماعة الإخوان المسلمين، من جهة، وبين قيادات تاريخية داخل الجماعة من جهة أخرى، لتخلق لاحقا تغيرا في السلوك السياسي، وظهور أحزاب سياسية من رحم الجماعة.

بداية التغيير

بدأت كرة الثلج تتدحرج داخل جماعة الإخوان بعد انشقاق قيادات من الجماعة، على رأسهم المراقب العام الأسبق عبدالمجيد ذنيبات، وتشكيله جماعة موازية تحت اسم "جمعية جماعة الإخوان المسلمين"، ليحصل على ترخيص رسمي ودعم حكومي في 2 آذار/ مارس 2016.

وسبق ذلك إعلان مبادرة "زمزم" التي طرحت رؤية للإصلاح "مغايرة لرؤية الجماعة وأولوياتها"، ليحصل غرايبة في 12 آب/ أغسطس 2016 على ترخيص رسمي لإنشاء حزب باسم "زمزم".

وفي خضم هذا الحراك داخل الجماعة برزت مجموعة الحكماء ـ المكونة من قيادات تاريخية للجماعة ـ طرحت في 2015 مبادرة تحت اسم (مبادرة للشراكة والإنقاذ) تدعو "للإقرار بوجود أزمة حقيقية وكبيرة تتحملها أطراف عديدة الا أنه سرعان ما تحولت المبادرة إلى حزب سياسي يرأسه المراقب العام الأسبق سالم الفلاحات أُشهر في 2018 .

خط الفلاحات مراجعة جديدة في العمل السياسي، بعد أن اعتبر "الشراكة والإنقاذ" ليس حزبا إسلاميا سياسيا، بقدر ما هو حزب سياسي فقط.

يقول الفلاحات لـ"عربي21": "ليس في الاردن حركات إسلامية سياسية باستثناء جبهة العمل الإسلامي، ما عدا ذلك سواء حزب الشراكة والإنقاذ، وحزب المؤتمر الوطني زمزم، أو حزب الوسط الاسلامي، فهي لا تصف نفسها على أنها حركات إسلام سياسي على الإطلاق، بل هي أحزاب سياسية أعادت النظر في طريقة التعامل مع الحركات الإسلامية في الميدان الحزبي والسياسي".

بل إن الفلاحات ذهب أبعد من ذلك، وانتقد في كتاب ألفه ـ إضاءات ومراجعة لمسيرة جماعة الإخوان المسلمين ـ آلية العمل الإسلامي، معتبرا أن أمورا عديدة اعتراها الخلل منها: "الخلل في فهم التعددية الفكرية والسياسية، والخلل في فهم العلاقة بين التاريخ والحاضر أو علاقة الأموات بالأحياء، والخلل في علاقة الذات بالآخر، والخلل في علاقة الحركة بالفكر وذبول الفكر العقلاني، إضافة إلى الخلل في علاقة التربية الروحية بالتربية السياسية، والخلل في علاقة الطاعة بالحرية".

الإسلاميون الشباب

تجربة حزبي زمزم والشراكة والإنقاذ، سلط الضوء عليها الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية محمد أبو رمان، والباحثة نيفين بندقجي، في دراسة، "الإسلاميون الشباب في الأردن وتحولات الربيع العربي: من الخلافة الإسلامية إلى الدولة المدنية".

يقول أبو رمان، لـ"عربي21": "صنفنا الشراكة والإنقاذ وزمزم وعرفناهما تحت مسمى أحزاب ما بعد الإسلام السياسي وليس أحزاب الإسلام السياسي. هذان الحزبان تخليا بشكل واضح جدا عن العباءة الأيديولوجية الإسلامية وخرجا من السياق وأصبحا يتحدثان عن مفاهيم جديدة، دولة مدنية وعن جماعة حيوية وطنية ديمقراطية اجتماعية".

وبحسب الباحث فإن "بنية المفاهيم الحاكمة للأحزاب الجديدة مختلفة عن التي حكمت الحركة الإسلامية في الفترة الماضية والتي كانت تركز على الهوية الإسلامية في مواجهة الهويات الأخرى، لكن هذه الأحزاب الجديدة لم تعد الهوية الإسلامية تشكل هاجسها الرئيسي، بل أصبحت قضية ديمقراطية، وبالتالي فإن هذا تحول جوهري ليس على صعيد السلوك السياسي وإنما على الصعيد الأيديولوجي".

تغيير في الخطاب نحو المدنية

ولم تقتصر المراجعة الفكرية على الأحزاب السياسية التي شكلها قيادات اخوانية سابقة، بل شمل الحركة نفسها التي بدأت تطرح فكرة مدنية الدولة، اذ أعرب المراقب العام للجماعة في الأردن المهندس عبد الحميد الذنيبات عن ارتياحه لموقف عاهل البلاد عبد الله الثاني؛ في الورقة النقاشية السادسة، التي تحدث فيها عن موقفه من "الدولة المدنية" والمواطنة والانتماء وموقع الدين في الدولة.

يؤكد القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، زكي بني ارشيد في حديث لـ"عربي21" أن "الحركة الإسلامية كانت ولا زالت معنية بإحداث إصلاح سياسي، جاد ينهي تحكم الإقطاع  السياسي بالقرار والحكم والنفوذ، وينهي حالة الإستفراد والاستبداد والإقصاء، وبمعنى أوضح فإن الحركة الإسلامية كانت معنية بالشروع في عملية التحول الديمقراطي الذي يضع حدا للسلطة المطلقة والفساد الكبير المرافق لتلك السلطة.

ملامح الدولة المدنية لدى بني ارشيد هي أنها تحتكم إلى الدستور والقوانين وتطبقها على الجميع دون محاباة، كما أنها دولة مؤسسات تفصل بين السلطات وتحترم التعددية.. والتسامح والعيش المشترك.. بغض النظر عن الانتماء الديني أو الفكري.

 المشاركة السياسية

تحاول الأحزاب الوليدة، وحتى حزب جبهة العمل الاسلامي، إيجاد موطئ قدم لها في المشاركة السياسية، بعد تعذُّر إزهار الربيع العربي في عمّان؛ وشن النظام الأردني هجمة مضادة على الجماعة، تمثلت في سحب الغطاء القانوني للجماعة، والتضييق على فعالياتها، وسجن بعض قيادييها أمثال نائب المراقب العام زكي بني ارشيد.

وانخرط حزب جبهة العمل (الذراع السياسي لجماعة الإخوان)، في الانتخابات النيابية، والبلدية، وحصدت كتلة الاصلاح 14 مقعدا في مجلس النواب الحالي (10 إسلاميين + 4 تحالفات)، إلى جانب فوز القيادي في جماعة الإخوان علي أبو السكر برئاسة بلدية مدينة الزرقاء في عام 2017.

وعلى غير العادة لم تطرح الحركة الإسلامية شعارها التقليدي "الإسلام هو الحل" في الانتخابات واستعاضت عنه برفع شعارات إصلاحية ديمقراطية.

يرى بني ارشيد في تلك التحالفات "أصل الاحتراف السياسي لإنهاء حالة الاستقطاب وإثبات نظرية الشراكة لتحقيق القواسم المشتركة والجوامع الإصلاحية والمصالح الوطنية مع المكونات السياسية الأردنية".

لكنه يطرح سؤالا: "هل هذا التوجه متوفر لدى الفرقاء السياسيين؟" ويتابع: "الحركة الإسلامية تبحث عن الشركاء وأرجو أن ننجح برسم اللوحة الوطنية الأردنية والتميز في الذي ينتظره المحيط الإقليمي" .

وحسب بني ارشيد "استطاعت الحركة الإسلامية في الأردن في محطة الربيع العربي الذي شاركت بفعالياته القوى السياسية والاجتماعية المتفقة والمختلفة، أن تحصل على تقدم واضح بالمشاركة الشعبية تمثل بتعديلات دستورية، وإلى حد ما انضباط سلوك المؤسسات الحاكمة"، لكن "ما لبثت الحالة القديمة المتمثلة بقوى الشد العكسي والمجموعات المحافظة محمولة على رافعة الثورة المضادة من العودة لصدارة النفوذ والانقلاب ضد الخطوات الإصلاحية التي تحققت في الربيع العربي، إذ عدنا إلى المربع الأول مع مسلسل إهدار فرص الإنتقال الديمقراطي وإشغال الرأي العام بشعارات ومبادرات وشكليات مجوفة".

بدورها اتبعت كتلة الإصلاح أسلوب التحالفات مع شخصيات خارج الإطار الإسلامي في الانتخابات النيابية السابقة واستقطبت شخصيات مسيحية، وأعربت عن استعدادها للتحالف مع من هم مخالفين لها في الرأي تحت قبة البرلمان لكنها لم تنجح في استقطاب أسماء جديدة.

يقول الباحث أبو رمان إن "التحدي الحقيقي أمام هذه الأحزاب إلى جانب جماعة الإخوان هو في علاقتها بالأحزاب الأخرى كالقومية واليسارية، خصوصا أن الربيع العربي أحدث جرحا عميقا في العلاقة بخصوص ما حدث في سوريا ومصر مما عمق أزمة الثقة والشكوك وبالتالي اليوم إذا أردنا أن هذه الأحزاب تتحالف في موضوع الإصلاح السياسي والديمقراطية يجب عليها أن ترجع مرة أخرى على ماذا تريد"، كما قال.

ماذا يحمل المستقبل للإسلاميين؟

لكن ماذا يحمل المستقبل للإسلاميين في ظل حديث السلطات الأردنية عن حكومات برلمانية خلال السنتين المقبلتين؟

بني ارشيد يرى أن "مستقبل الحركة الإسلامية، تكتبه قدرة الحركة الذاتية للعبور نحو المستقبل بما في ذلك المشاركة الوطنية في صنع القرار وليس الإنتظار لحلم الحكومات البرلمانية الذي طال انتظاره بعد أن أصبح عنوانا للمناورة والمراوغة وفاقداً لمصداقية التحقيق والتنفيذ".

بينما يدعو الفلاحات الحركة الإسلامية في الأردن إلى ترك العمل السياسي حرا غير مرتبط بالعمل الدعوي، بعد أن أصبح مستقبل العمل السياسي الإسلامي متواضعا في ظل هذا التحول العالمي والإقليمي والعربي، مما يتوجب على الحركة أن تعيد النظر في العمل السياسي بعيدا عن العمل الدعوي، وفق تقديره.
التعليقات (0)