صحافة دولية

فيسك: لا يزال الفلسطينيون يعانون آثار الحرب العالمية الأولى

فيسك: بالنسبة للاجئين فإن الحرب العالمية الأولى لم تنته بعد- جيتي
فيسك: بالنسبة للاجئين فإن الحرب العالمية الأولى لم تنته بعد- جيتي

نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للكاتب روبرت فيسك، يقول فيه إنه بالنسبة لأولئك اللاجئين، الذين لا يزالون في أكواخهم ومساكنهم البدائية نتيجة لإعلان بلفور، فإن الحرب العالمية الأولى لم تنته أبدا.

ويقول فيسك: "هناك أمر مألوف لدرجة مروعة حول الطريق التي نحيي فيها ذكرى ما نعده نهاية للحرب العالمية الأولى قبل مئة عام، وليس فقط شلالات شقائق النعمان والأسماء المعهودة -مونز وسوم وإيبرس وفيردان- لكن الصمت التام حول أولئك الذين ماتوا في الحرب العالمية، الذين لم تكن عيونهم بزرقة عيوننا، والذين كانت بشرتهم ليست بلون بشرتنا، والذين استمرت معاناتهم من الحرب العالمية إلى يومنا هذا". 

ويضيف الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أنه "حتى أن ملاحق صحف الأحد، التي تجرأت أن تبتعد عن الجبهة الغربية قليلا، لامست بشكل مقتضب آثار الحرب على بولندا الجديدة وتشكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا الجديدة وروسيا البلشفية مع ذكر لتركيا، أما المجاعة العامة، التي قتلت ربما 1.6 مليون، للعرب في بلاد الشام بسبب النهب التركي وحصار الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى، فلم يذكر عنها شيء". 

ويجد فيسك أن "المذهل أكثر من ذلك أني لم أجد أي إشارة إلى أكبر جريمة ضد الإنسانية ارتكبت في الحرب العالمية الأولى، ليس قتل الجنود الألمان للمختطفين البلجيكيين عام 1914، لكن إبادة الأرمن، التي راح ضحيتها 1.5 مليون مسيحي مدني عام 1915 على يد حليف ألمانيا العثماني".

ويتساءل الكاتب قائلا: "ماذا حصل لتلك الوثيقة الرئيسية في الحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط، وعد بلفور لعام 1917، التي وعدت بوطن قومي لليهود في فلسطين، وحكمت على الفلسطينيين العرب (الذين كانوا يشكلون الأكثرية في فلسطين وقتها) بحياة مخيمات اللجوء؟ وماذا حصل لاتفاقية سايكس بيكو لعام 1916، التي قسمت الشرق الأوسط وخانت وعد العرب بالاستقلال؟ أو تقدم الجنرال اللنبي نحو القدس -وهو ما ينساه معلقونا هذه الأيام- حيث تم استخدام الغاز لأول مرة في الشرق الأوسط، لقد شغلتنا وحشية الحرب في العراق وسوريا حديثا لدرجة أننا ننسى -أو لا نعلم- أن جنود اللنبي أطلقوا قنابل الغاز على الجيش التركي في غزة، لكن استخدام الغاز في الذاكرة الجمعية حصر في الجبهة الغربية الأسبوع الماضي". 

 

ويشير فيسك إلى أن "مقابر الحلفاء في الحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط وأوروبا تحوي عشرات آلاف قبور المسلمين -من جزائريين ومغاربة وهنود- ومع ذلك لم أر صورة واحد منهم، ولا من العمال الصينيين الذين ماتوا في الجبهة الغربية وهم يحملون القذائف للقوات البريطانية، ولا الجنود الأفارقة الذين قاتلوا وماتوا لأجل فرنسا في معركة السوم، وفقط في فرنسا، يبدو أن الرئيس ماكرون تذكر هذه الميزة البارزة للحرب كما يجب أن يفعل؛ لأن أكثر من 30 ألف رجل من جزر القمر والسنغال والكونغو والصومال وغينيا وبنين ماتوا في الحرب العالمية الأولى".  

 

ويلفت الكاتب إلى أن "هناك نصبا تذكاريا لهم في ريمس، لكن الألمان شنوا هجوما عنصريا ضد الجنود الفرنسيين السود الذين شاركوا في احتلال ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، بتهمة اغتصاب النساء الألمانيات، و(تهديد مستقبل العنصر الجرماني)، وذلك كله كان كاذبا بالطبع، لكن مع الوقت الذي قامت به جيوش هتلر باحتلال فرنسا عام 1940 كانت الدعاية النازية ضد هؤلاء قد فعلت فعلها، وقامت القوات الألمانية (الفيرماخت) بذبح 2000 جندي فرنسي أسود عام 1940، وتم تدمير النصب التذكاري، وأعيد بناؤه حديثا، وتم افتتاحه مع الذكرى المئة للهدنة".

 

ويجد فيسك أن "هناك أيضا التناقضات في دفن الموتى، فمن 4000 مغربي -كلهم مسلمون- تم إرسالهم لمعركة مارني عام 1914، نجا منهم 800 فقط، ومات آخرون في فيردان، ومن 45 ألف جندي مغربي مع الجنرال هيوبرت لياوتي قتل 12 ألفا حتى عام 1918، وأشارت المجلة الفرنسية الصغيرة (جوني أفريكو) إلى أن قبور كثير من الجنود المغاربة تحمل شعار النجمة والهلال، وهو شعار الخلافة العثمانية، لكن المغاربة وأن كانوا من سكان الإمبراطورية العثمانية، إلا أنهم كانوا يقاتلون مع فرنسا ضد ألمانيا، حليفة الأتراك، ولم تكن النجمة والهلال شعارا رسميا للمسلمين، وعلى أي حال فإنه مع حدوث الحرب العالمية الأولى كان للمغاربة علمهم الخاص بهم".  

 

ويستدرك الكاتب بأن "رموز الحرب العالمية الأولى ونتائجها المستمرة والدموية لا تزال حية في الشرق الأوسط، والصراعات في المنطقة -في سوريا والعراق وإسرائيل وغزة والضفة الغربية والخليج- يمكن العودة بها إلى الحرب العالمية الأولى، سايكس بيكو قسمت العرب، ومكنت الحرب -بعد مجرد أيام من الإنزال على غاليبولي (مضيق الدردنيل)- الأتراك من تدمير أقليتهم الأرمنية المسيحية، وقد أحب النازيون مصطفى كمال أتاتورك لأنه قام بتطهير عرقي للأقليات، وعندما مات أتاتورك، حملت صحيفة الحزب النازي فولكيتشر بيوبتشتار شعار الحداد بخط أسود على الصفحة الأولى، وتقسيم سوريا ولبنان والأنظمة الطائفية فيها اخترعه الفرنسيون بعد حصولهم على الانتداب لحكم بلاد الشام، وكانت الانتفاضة في العراق ضد الحكم البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى جزئيا بسبب الاشمئزاز من وعد بلفور".

 

ويقول فيسك: "دخلت مكتبة والدي وفيها كتب التاريخ القديمة -خاصة أنه من جيل الحرب الكبرى ومعركة السوم الثالثة عام 1918- ووجدت وينستون تشرتشل يكتب بغضب وأسف عن (محرقة) الأرمن، (نعم لقد استخدم كلمة محرقة)، لكنه لم يستطع أن يرى مستقبل العالم العربي في كتابه المؤلف من أربعة مجلدات عن الحرب الكبرى والمنشور عام 1935، والمقالة الوحيدة حول أراضي الإمبراطورية العثمانية المشتعلة جاءت في ملحق من صفحتين في الصفحة 1647 بعنوان (مذكرة بشأن تهدئة الشرق الأوسط)"

 

ويختم الكاتب مقاله بالقول: "أما بالنسبة للفلسطينيين الذين يستيقظون كل صباح حتى هذا اليوم في غبار وأوساخ مخيم نهر البارد وعين الحلوة وصبرا وشاتيلا في لبنان، فإن بلفور لم يوقع وثيقة السلب في عام 1915 (1917) لكن الليلة الماضية فقط، فبالنسبة لهؤلاء اللاجئين الذين لا يزالون في أكواخهم ومساكنهم البدائية في الوقت الذي تقرأ فيه هذه الكلمات فإن الحرب العالمية الأولى لم تنته بعد".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)