قضايا وآراء

قُل "كمين" ولا تقل "إصدار ولاية سيناء"

هيثم أبو خليل
1300x600
1300x600
تعودنا أن تقوم "ولاية سيناء" بالهجوم واستهداف كمائن الجيش والشرطة في شمال سيناء، لكن الجديد أنها نصبت لنا "كمينا" في إصدارها الأخير "سبيل الرشاد"!

إذن، لنتحدث في الموضوع مباشرة، بعيدا عن المداخل والمطالع والمقدمات وغيرها؛ لأن الأمر بات لا يحتمل، فهناك علامات استفهام تبحث عن إجابة في هذا الإصدار.

نعم مختلف هو هذا الإصدار اللغز الذي أصدرته "ولاية سيناء"، وأظهرت فيه مشاهد وقصص ضباط من الجيش والشرطة المصرية تركوا الخدمة "طواعية" وانضموا إلى صفوفها، ومن ثم قُتلوا بعد ذلك!!

تعالوا نبدأ ببعض الأمور التي تحتاج لتدقيق وتفكير وتثير عاصفة من الأسئلة:

1- التوقيت.. حماس وكتائبها أحرزت "نصرا مدهشا" في غزة؛ فيخرج هذا الإصدار الذي يتحدث فيه أشخاص، ربما بنفس الخطاب، ويستدعون ذات الآيات، وشكل هيئتهم قريب من هيئة مجاهدي القسام الذين يعيشون مطاردين ويسكنون في الدروب والخنادق، وكأن هناك حالة تشابه، بل ربما ربط بين عضو ولاية سيناء وعضو كتائب القسام، وهو ما يُحدث عملية تشويش، وربما خلطا على المتلقي البسيط الذي لا يستوعب أن قضية حماس والقسام صافية راقية مثل النهر العذب؛ فهي مقاومة مشروعة لمحتل غاصب، وما يحدث ضده جهاد فرض عين لتحرير الأرض والعرض، وتقف خلفهم حاضنة شعبية جامعة تحميهم وتؤويهم، وتجعل عزلهم واستهدافهم أمرا صعبا في غالبية الأحوال، بينما ما يحدث في شمال سيناء له كثير من التقاطعات والاختلافات لا تتطابق مع من يقاوم "عدوا صريحا"، ومن يقتل ويستهدف طبقا للوظيفة والزي، وطبقا لاجتهاداته وتأويلاته فقط.

2- قدم يفهم البعض أن استطالة ولاية سيناء في إظهار قصص الضباط السابقين هو نوع من استحضار النموذج والمثل والقدوة لتحفيز وإغواء باقي الضباط من الجيش والشرطة، لكن المحير هو تعمد إظهار مآلاتهم وما انتهوا إليه، وهو قتلهم في القصف! بل وإظهار جثامينهم وهي ممزقة ومضرجة في الدماء! وكأنك، بعيدا عن إحباط الأتباع والموالين، تثني على مهارة ونجاح قاتلهم وعلى فاعلية ضرباته التي طالما اشتكت الكثير من المنظمات الحقوقية من عشوائيتها وقتلها وإصابتها لمئات المدنيين! وهو الأمر الذي تلقفته الصحف الرسمية بسرعة مدهشة، وأعلنت نجاح الجيش المصري في القضاء على ثلاثة من ضباط الشرطة المارقين، طبقا لإصدار الولاية الأخير!

3- استثمار الإصدار من نظام السيسي وتحقيق مكاسب بالجملة. لا يخفى على الكثير أن هناك توجها وتنسيقا مستمرا بين الأجهزة المختلفة في مصر؛ يتلقف مثل هذه الإصدارات ويقوم بترجمتها وإرسالها لكافة السفارات الأجنبية المهمة في القاهرة، خلاف إرسالها مباشرة للأجهزة الأمنية الكبرى في أمريكا وبعض دول أوروبا. والإصدار الأخير هو النموذج المثالي الذي يتمناه ويحلم به السيسي؛ فهو يكشف الخطر الداهم وتغلغل الفكر الداعشي حتى وصل للجيش والشرطة، بل وأبرزت صحيفة الوطن المقربة من الجهات الأمنية أن الضباط الثلاثة الذين ظهروا في الفيديو كانوا ممن شاركوا ودعموا فض اعتصام رابعة! إذن فكيف تم هذا التحول ويا له من خطر! ويا له أيضا من دور يقوم به الجنرال السيسي ورجاله في وقف هذا، بدليل قتل هؤلاء وبكاء رفاقهم عنهم.. هكذا قد تصل الرسالة للغرب، وربما بصورة أكثر إيجابية!

4- تعمد الخلط وعدم التمييز بين الإعلام الرسمي في مصر والإعلام المناهض للانقلاب في الخارج، وإظهار مقاطع من القنوات في الخارج، وكأن الجميع على قدم المساواة مما يحدث في مصر، خاصة في ما يحدث بسيناء، وهي رسالة ملغومة لا أفهم مغزاها، ولم أستطع أن أفكك طلاسمها.

5- لا أفهم المغزى من ذكر أحد الضباط السابقين أنه سبق وأن قام بالجهاد في الشام، في إشارة إلى سوريا. وهذه رسالة ملغومة أخرى تحمل الكثير والكثير؛ فهذا جرس تحذير هائل أن العائدين من سوريا سيمثلون "خطرا داهما"، كما كان العائدون من أفغانستان والشيشان وغيرهم، وأنهم - وبلغة المجتمع الدولي - لا يفهمون تعليمات خليفتهم ومبايعتهم على الجهاد في كافة الأمصار، فهم مرتزقة يتحركون هنا وهناك للقتل ولاستهداف الأنظمة الحليفة. وهذا ربما يكون له بُعد غير مباشر في تعقيد الحل في المسألة السورية، ورفع الأصوات المتطرفة التي تطالب بتصفية كل المناوئين للنظام بصورة أو بأخرى، حتى لا يمثلوا بؤرا جهادية تشكل صداعا مستقبلا.

6- "أحيوا سنة الاغتيالات!.. وكان رحمة الله عليه يفقأ عين الجواسيس!".. عبارات جاءت على لسان أحد الضباط السابقين الذين ظهروا بالإصدار، وهي ربما يكون تأثيرها أشد من مشاهد الإعدام الدموية التي تحويها غالبا كافة إصدارات الولاية. ولا أبالغ إن قلت أن السيسي قد يعطي الأوامر للشؤون المعنوية بإذاعة مقاطع من تلك الإصدارات في الاجتماعات مع الضباط واللقاءات الدورية التي تتم معهم.. "هذا هو مصيرك بل مصيرنا جميعا لو نجح هؤلاء وتمددوا وانتشروا، فمصيرك هو القتل لو كنت معهم".. كما كشف الإصدار عن مصير الضباط المنشقين أو سيكون مصيرك الاغتيال والقتل أيضا، وقبله فقأ العيون لو تخاذلت ولم تؤدِ ما يطلب منك مهما كان؛ حتى نستمر جميعا!

7- وتبقى الرسالة الأخطر في هذا الإصدار، وهي الأصوب والصحيحة، والتي أتمنى من العقلاء في الداخل والخارج أن يستوعبوها، وهي أن الاستبداد والقهر وحالة الاحتراب والاحتقان في مصر قد أتت ثمارها، ولكن من الحنظل بأن تفعل هذه التحولات العنيفة التي هي أشبه بالمعجزات من تحول ضابط شرطة (قوات خاصة) تدريبه وحياته مكرسة للقضاء على جماعات العنف إلى أن يكون أحد عناصرها، بل وقيادتها، وهم غير مضارين بشيء، بل يرفلون في العديد من الهبات والعطايا والامتيازات بغير حدود.

فما بالنا بأهالي شمال سيناء، الذين - طبقا لحصاد 29 بيان رسمي للمتحدث العسكري - قد قُتل منهم منذ بدء العملية الشاملة في 9 شباط/ فبراير 2018؛ 360 مواطنا، واعتقل ما يقرب من تسعة آلاف مواطن، ما زال ستة آلاف منهم قيد الاعتقال الجائر، ناهيك عن حرق المنازل والتهجير واقتلاع أشجار الزيتون وتجريف الأراضي، والحصار الخانق، واستمرار فرض حالة الطوارئ في بعض المدن والمناطق للعام الرابع على التوالي.

أخيرا، وبعيدا عن نظرية المؤامرة، وطبقا للإصدار نفسه، فهناك - كما زعم الإصدار -عملاء للصهاينة تم ضبطهم والتحقيق معهم وإعدامهم، فمن الوارد أن يكون هناك عملاء آخرون أكثر مهارة وحرفية وتدريب لم يتم اكتشافهم؛ كان لهم دور على الأقل في نصب هذا الكمين!
التعليقات (0)