كتب

جدل تونسي حول تقرير الحريات ومساواة الرجل والمرأة 1من2

احتل تحرير المرأة التونسية مكانا جوهريا في تقرير لجنة الحريات الفردية
احتل تحرير المرأة التونسية مكانا جوهريا في تقرير لجنة الحريات الفردية

يقترح التقرير مشروع قانون ينص على المساواة في الميراث بين الرجال والنساء الذين تربطهم صلة قرابة أولى
الكتاب: تقرير الحريات الفردية والمساواة –جدل الفضاء الافتراضي
الكاتب: عبد السلام الزبيدي 
الناشر:سوتيميديا للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى: تونس ـ أغسطس 
 2018،  (514صفحة من القطع الكبير).

منذ اليوم الأول لتسليمه إلى رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في 8 حزيران/يونيو 2018، وحتى قبل اطلاّع البعض عليه وخاصة الرافضين لمبدإ تشكيل لجنة الحريات الفردية والمساواة، أثار التقرير الصادر حول الإصلاحات المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة جدلاواسعًا في أوساط التونسيين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والثقافية والسياسية، بين مؤيدين ومعترضين. 

ويأتي هذا الكتاب الجديد، الذي يحمل العنوان التالي: تقرير الحريات الفردية والمساواة ـ جدل الفضاء الإفتراضي، من تجميع الكاتب عبد السلام الزبيدي، ليقدم لنا رصدًا لما جرى من تفاعل في الفضاء الإفتراضي وتحديدًا في الفايسبوك مع التقرير النهائي للجنة الحريات الفردية والمساواة التي أحدثها رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي في عيد المرأة التونسية يوم 13 آب / أغسطس 2017، حيث طرح في ذلك اليوم، موضوع المساواة بين الرجال والنساء في الإرث، معتبراً أن تونس تتجه إلى المساواة في جميع الميادين، إذ قال: "لا بد من أن نقول أننا نتجه نحو المساواة في جميع الميادين، والمسألة كلها في الإرث".

يتكون هذا الكتاب من مقدمة وثمانية فصول، لكنه ليس بحثًا أكاديميًا، بل هو تجميع لـ "عينات" الرصد التي شملت أعضاء اللجنة ذاتها، وممثلي السلطتين التنفيذية برأسيها والسلطة التشريعية وبعض الشخصيات السياسية والإعلامية والنخب الجامعية، إضافة إلى تفاعل عموم التونسيين بالتدوين والتعليق والمقاسمة. 

منهجية عمل اللجنة

انعقد أوّل اجتماع للجنة الحريات الفردية والمساواة أربعة أيام بعد إحداثها أي يوم 17 آب / أغسطس 2017 وهو ما يتزامن مع ذكرى صدور مجلة الأحوال الشخصية بالرائد الرسمي للبلاد التونسية سنة 1956. الأمر قد يكون مقصودًا لأبعاده الرمزية وقد يكون مجرد مصادفة، والأيام الأربعة هي المدة التي استغرقها تسخير المقر ووضع سكرتيرتين على ذمة اللجنة. وقد أكدت الأستاذة  سلوى الحمروني في ندوة عقدتها النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بالشراكة مع منظمة فريديريش إيبارت يوم 10 تموز / يوليو أن الأعضاء عملوا طيلة تسعة أشهر تطوعًا.

وكشف صلاح الدين الجورشي لإذاعة موزاييك (برنامج ميدي شو،13حزيران/يونيو2018) عن أنّ اللجنة عقدت 32 اجتماعًا. وقد رصدنا تصريحات وتدوينات وتعليقات لمختلف الأعضاء أجمعت على أنّ اللجنة ضبطت منهجيتها انطلاقًا من الأمر الرئاسي المحدث لها والذي حدّد ثلاث مرجعيات أساسية وهي:

ـ مقتضيات دستور 27 كانون الثاني / يناير2014.
ـ المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ـ التوجهات المعاصرة في مجال الحريات الفردية و المساواة.

كما وصف الأعضاء من خلال ذات الرصد عمل اللجنة بأنه تشاركي، وبأنها اجتمعت مع ممثلي الوزارات والهيئات والجمعيات وبعض أساتذة الزيتونة إضافة إلى كل طلب الإستماع إليه من الأفراد، علمًا وأنه تموضع استمارة طلب الإستماع على الموقع الإلكتروني للجنة. وتقول اللجنة في تقريرها أنها اعتمدت منهجا تشاركيا وتبنت كخيار جوهري في عملها فتح باب الحوار المباشر مع كل المعنيين بالموضوع على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم. وتعتبر أن صياغة تقريرها هو مشروع مجتمع بأسره لا يجب احتكاره من الطبقة السياسية وأن لا ينحصر وقعه على فئة اجتماعية وعقدت اجتماعات مع الوزراء المكلفين بالعدل والداخلية والدفاع الوطني والمرأة والأسرة والطفولة والعلاقات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان وتكنووجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي والصحة والتربية والشؤون الدينية.

في مضمون التقرير 

وقد صنفت بشرى بلحاج حميدة رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة في تصريح لـ "الصباح" ردود الفعل حول تقرير اللجنة المسلم بتاريخ 12 حزيران / يونيو 2018 إلى رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي إلى ثلاث مجموعات، مجموعة رافضة وهي لم تتطلع أساسا على التقرير ومجموعة مطلعة على التقرير في مختلف جوانبه ولكنها رافضة ونحن نحترمها وندعوها الى تعميق النقاش معها أما المجموعة الأخرى فهي مرحبة وتعتبر نفسها حاملة للمشروع الإصلاحي.

وحسب بلحاج حميدة فإنّ الجدل القائم اليوم حول التقرير يتعلق بنقطة الأولويات لأنّه من وجهة نظر الظرفية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا تحتمل طرحًا جديدًا. ونفت بلحاج حميدة ما يروج له من أنّ التقرير فيه ضرب للأسرة والمجتمع أو الدين، مؤكدة أن الفصل الأول من الدستور كان واضحًا وصريحًا ونصّ على أن "تونس دولة حرّة، مستقلّة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها". 

وذكر التقرير في باب قيمة المساواة بين الرجل والمرأة من صميم الدين "بأنّ الإسلام استجاب لنداء العدل والإنصاف من أجل تقرير المساواة المطلقة بين الرجال والنساء على مستوى الحقوق والواجبات وعلى مستوى التكليف والاستحقاق والثواب والعقاب في نصوص مؤسسة وصريحة وتؤكد الآيات (35 من سورة الأحزاب و124 من سورة النساء و13 من سورة الحجرات) على وجود مساواة وجودية وجوهرية بين الرجال والنساء".

وأضافت رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة بأنّ "التقرير لم يعد على ملك اللجنة بل أصبح على ملك رئيس الجمهورية لأنّ المبادرة هو من قام بها وهو فقط المخوّل له التصرف فيه وهو فقط من يقرر الإبقاء عليه كما هو أو تغيير ما يجب تغييره كما هو المخول له حذف ما يمكن حذفه".

ولفت التقرير الإنتباه إلى أن آخر تنقيح لمجلة الأحوال الشخصية استهدف التمييز ضد المرأة وقد مرت عليه أكثر من عشر سنوات، إذ يعود إلى قانون 14 أيار / مايو 2007 الذي وحد سن الزواج بين الجنسين في حين ترجع آخر القوانين التي رفعت بعضا من مظاهر التمييز ضد المرأة إلى 1 كانون أول / ديسمبر 2010 تاريخ إرساء المساواة بين الأب وألام التونسيين في إسناد جنسيتهما إلى أبنائهما حسب ما جاء في التقرير.

 

 

 

يقترح التقرير مشروع قانون ينص على المساواة في الميراث بين الرجال والنساء الذين تربطهم صلة قرابة أولى

وجاء في التقرير أنّ التشريع التونسي لم يواكب في بعض الجوانب التحولات العميقة التي طرأت على البنية الإجتماعية. وتضمن نص التقرير في جزئيه الأول في علاقة بالحريات الفردية والثاني في المساواة العديد من النقاط أو الأبواب المتعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام وإلغاء تجريم المثلية.

ويقترح التقرير مشروع قانون ينص على المساواة في الميراث بين الرجال والنساء الذين تربطهم صلة قرابة أولى، أي الأشقاء والشقيقات والأبناء والبنات والأب والأم والزوج، ويتوافق التشريع التونسي الحاليّ مع ما جاء في القرآن الكريم في أن للمرأة نصف نصيب أشقائها الذكور.

كما دعا إلى إلغاء التمييز في شروط الزواج من خلال إعادة تنظيم المهر بتخليصه مما هو "مخل بكرامة المرأة" وتحقيق المساواة التامة بين الأب والأم على زواج طفلهما القاصر، وكذلك إقرار حق الأم لوحدها في الموافقة على زواج القاصر في حالة وفاة الأب أو فقدانه الأهلية أو غيابه. إلى جانب اقتراح إعفاء الأرملة من عدة الوفاة قبل الدخول وإلغاء عدة الفقدان "انعدام معناها ما دام الحكم بالفقدان يصدر بعد مدة لا تقل عن العام في أغلب الأحيان"، وإلغاء نظام رئاسة الزوج للعائلة والإكتفاء بالتنصيص على قيم التعاون في تسيير شؤون الأسرة بين الزوجين.

التقرير استمرار لحركة التحديث التونسية

مرّة أخرى، ينجح الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في الإنتصار للمشروع الوطني الحداثوي، الذي ناضلت من أجله أجيال من المصلحين مند منتصف القرن التاسع عشر من أجل بناء دولة مدنية ذات مؤسسات سيادية قوية تتمتع باستقلالية قرارها الوطني، وأيضاً من أجل مجتمع تعددي ديمقراطي يضمن الحق في الإختلاف والتعايش السلمي، بطرح قضيّة مجتمعية (أي المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، وزواج التونسية بغير المسلم)، هي في صميم نهج تحرير المرأة الذي وضع معالمه الأولى الزعيم بورقيبة والشيخ الطاهر الحداد. فهو قرار يعتبر من أكثر القرارات جرأة ومناصرة للمرأة، بتمكينها من المساواة في الارث والحرية في اختيار القرين، باعتباره حقّ دستوري لا يمكن لأي كان أن ينزعه عنها. 

 

اقرأ أيضا: التحديث القسري.. حين يكون الشعب في واد ورئيسه في واد آخر

وكان الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بعد أن قام بتصفية البنية التحتية الإقتصادية للمؤسسة الإسلامية التقليدية من خلال إلغاء مؤسسة الحبس والأوقاف: قراري 31 أيار / مايو 1956، و18 تموز / يوليو 1957، اتخذ قرارات غاية في الجذرية مثل إعلان قانون الأحوال الشخصية للمرأة في 13 آب / أغسطس 1956، الذي ألغى تعدد الزوجات، وأتاح التعليم الإجباري للبنات، ونصح بتحديد النسل، وأوصى بحرية اختيار الشريك الزوجي، وألغى التطليق، وأفسح في المجال أمام الزواج المدني والطلاق القضائي. 

ونص الدستور التونسي الذي تم تبينه عام 1959 على المساواة القضائية بين الرجل والمرأة في حق الإنتخاب تصويتاً وترشيحاً، وحق العمل... ويعاقب القانون التونسي منذ العام 2004 على التحرش الجنسي. وللمرأة التونسية حق منح أولادها جنسيتها، وتم إحداث صندوق يضمن تسديد النفقة الزوجية حتى لا تضطر للجري وراء طليقها..

وكان سن هذه القوانين التشريعية الجديدة كما يقول بورقيبة، تعبيراً "عن ضرورة التكيف مع متطلبات الحياة المعاصرة، وتسيير شؤون الحياة، وفق المنطق الجديد الذي لا يعد منطقاً متناقضاً مع روح الاسلام". ووحد بورقيبة القضاء على أساس القوانين الوضعية، وألغى المؤسسة القضائية التقليدية التي تعكس البنية التحتية المتأخرة تاريخيًا. أما فيما يتعلق بالإرث بين الرجل والمرأة فقد قال بورقيبة بالحرف الواحد للسيد محمد المزالي رئيس الحكومة الراحل: "سأموت وستبقى مسألة المساواة في الإرث في نفسي".

إن عناصر قوة بورقيبة تكمن في خوضه المعارك التي لم يجرؤ على خوضها سياسيون من قبله ومن بعده، فتجرأ على ما كان يُعتقد أنه من ثوابت الفكر الإسلامي التي لا يمكن أن يتسرب إليها شك أو نقد، فلم يسلم من سلاحه النقدي ومنهجه الإصلاحي لا القضاء ولا المرأة ولا التعليم ولا العبادات. وجميع هذه القضايا الإسلامية التي عالجها بورقيبة منذ ما يناهز النصف قرن لا تزال إلى اليوم محل نقاش في الدول الإسلامية التي تسعى إلى التوفيق بين الواقع المتفجر والنصوص الدينية التي تحكم تفكير أهلها. كما أن القضايا التي عالجها أصبحت محور نقاش عالمي بعد أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية.

واحتل تحرير المرأة التونسية مركزا ً جوهريا ًفي المشروع التحديثي البورقيبي، الذي امتد على أكثر من ثلاثة عقود، إذ قامت علاقة المرأة بالسلطة السياسية في تونس على تاريخ نوعي خاص، رسم مسارا استراتيجيا يصعب جدا التخلي عنه، أو التراجع عن أي من مكاسبه، إنها علاقة يجتمع فيها الجوهري بالشكلي، والإجتماعي والإنساني بالسياسي وبالتنموي. وكان مفهوم التحديث في الخطاب السياسي البورقيبي، يقوم على تبني نسق من القيم الغربية والسعي إلى التماثل مع القيم المجتمعية الغربية.

 

اقرأ أيضا: آفة الأخبار رواتها

التعليقات (0)