أفكَار

إخوان العراق..من المعارضة إلى المشاركة في الحكم 1من3

قال بأن العراق أول دولة إسلامية نشأ فيها ما بات يعرف اليوم بـ "الإسلام السياسي"
قال بأن العراق أول دولة إسلامية نشأ فيها ما بات يعرف اليوم بـ "الإسلام السياسي"

لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.

لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الإنتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع  يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.

اليوم نفتح ملف الإسلام السياسي العراقي، بقراءة أولى يقدمها الباحث العراقي الدكتور فارس الخطاب، لأهم المحطات التاريخية في تاريخ الحركة الإسلامية العراقية، ويبدأ أولا بجماعة الإخوان المسلمين.

إخوان العراق..من المعارضة إلى المشاركة في الحكم


قد يكون العراق أول دولة إسلامية نشأ فيها ما بات يعرف اليوم بـ "الإسلام السياسي"؛ حيث أسس الخلاف الفاصل بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنهما)، عام 37 هجرية (657م) حول موضوع المبايعة لخلافة علي بن أبي طالب، ثم مطالبة معاوية بن أبي سفيان، بالقصاص من قتلة الخليفة الراشد الثالث، عثمان بن عفان (رض)، كشرط أساسي للمبايعة، وهو الأمر الذي تحوّل إلى حرب بين المسلمين وبخاصة الصف الأول منهم، ثم خروج حركات مثل "الخوارج" عملت خارج حسابات وسياق المألوف خلال فترة الخلفاء الراشدين الثلاثة السابقين لخلافة علي بن أبي طالب .

 

قد يكون العراق أول دولة إسلامية نشأ فيها ما بات يعرف اليوم بـ "الإسلام السياسي"؛

إن الصدام (الإسلامي ـ إسلامي) الأول وفي الفترة الذهبية للدعوة الإسلامية وبوجود الرعيل الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسسّ لحركات كثيرة ومعارك أكثر، كانت كلها تقربيا على أرض العراق، كان موضوع الحكم والخلافة أساسها ومادة تحشيدها الجماهيري، وهو ما يبدو جليا في المشهد المتكرر للإسلام السياسي في هذا البلد حتى يومنا هذا .

الإسلام السياسي خلال التاريخ الحديث للعراق بدأ تنظيميا من خلال جماعة الإخوان المسلمين، والتي ترجع بداياتها الأولى بتأثر الشباب والطبقة المثقفة بما كان يصل العراق من منشورات الإخوان المصرية في بداية الأربعينيات وكذلك من خلال تأثير الأساتذة المصريين المعارة خدماتهم للتدريس في الكليات والمدارس العراقية وأبرزهم الدكتور حسين كمال الدين في كلية الهندسة ومحمد عبد الحميد أحمد عندما بدأوا عملهم عام 1944م. 

أولا ـ تنظيم الأخوان المسلمين العراقي:

أسس الشيخ محمد محمود الصواف تنظيم الأخوان المسلمين العراقي (تنظيم سني) بعد لقائه في مصر المراقب العام للتنظيم الشيخ حسن البنا، ثم اتخذ التنظيم إطاره الرسمي عام 1949م كجمعية إسلامية أجيزت باسم جمعية "الاخوة الإسلامية" برئاسة الشيخ أمجد الزهاوي، والشيخ محمد محمود الصواف كمراقب عام. في عام 1954م أغلقت الجمعية لكن العمل استمر علنيا.
 
بعد ثورة 1958م ، وسقوط النظام الملكي في العراق تعرضت الجماعة إلى مضايقات اضطرت مراقبها العام الشيخ الصواف إلى مغادرة العراق لكنها استمرت بعملها، وفي عام 1960م، صدر قانون الأحزاب السياسية العراقي، فتقدمت الجماعة بطلب تأسيس حزب سياسي (كواجهة سياسية لجماعة الإخوان المسلمين)، تحت إسم "الحزب الإسلامي العراقي" برئاسة نعمان عبد الرزاق السامرائي، لكن رئيس الوزراء العراقي، عبد الكريم قاسم، أصدر قرارا بمنع الحزب من مزاولة نشاطه عام 1961م بسبب مذكرة مفتوحة رفعها الحزب إلى رئيس الوزراء انتقد فيها منهجية الحكومة في إدارة البلاد وأيضا بسبب انتقاداته لبعض من قرارات الحكومة أنذاك مثل مساواة الجنسين بالإرث المخالف لاحكام الشريعة الإسلامية.

استمرت جماعة الإخوان المسلمين في العراق بالعمل بشكل غير رسمي حتى عام 1968م، حيث شكل هذا التاريخ مفترق طرق كبير تجاه كل الأحزاب الإسلامية في العراق بسبب استلام حزب البعث العربي الإشتراكي للسلطة، وهو الذي يكن عداء وشكوكا لكل الحركات والأحزاب الدينية أو تلك التي تتخذ من الدين غطاء لها، ونتيجة الضغط الأمني والتهديد الرسمي والشخصي لقيادات الحزب؛ جمدت جماعة الإخوان المسلمين في العراق عملها التنظيمي عام 1970، لكن ذلك لم يشفع لقيادات الحزب فتعرضت للملاحقة واعتقل عدد كبير من نشطائهم، وأعدم آخرون من أبرزهم محمد فرج الجاسم وعبد الغني شندالة والشيخ عبد العزيز البدري الذي كان داعما وقريبا جدا من الاخوان.

موجة تديّن
 
وفي مرحلة التسعينيات من القرن الماضي، وبعد النكسة التي تعرضت لها القيادة السياسية العراقية بعد حرب الخليج الثانية (1991م)، اكتسى العراق بموجة إسلامية كبرى تمثلت في التشجيع الرسمي على التدين والإقبال على المساجد وشرعت الدولة ببناء أعداد كبيرة من المساجد، والسماح بنشر واستيراد الكتب والمراجع الإسلامية، وتشجيع جمعيات العمل الخيري والإغاثي والاجتماعي، وكل ذلك بالطبع، توج بتراجع الملاحقة الأمنية مما ساهم بنشاط كبير ملحوظ للعمل الدعوي .

وخلال الفترة التي امتدت بين 1970م وحتى العام 1989م؛ وهي فترة الحظر الرسمي والملاحقة الأمنية لأعضاء الجماعة، نشطت المجاميع الشبايبة الطلابية الجامعية بمتابعة وإشراف إياد السامرائي الذي هرب إلى خارج العراق بعد اكتشاف تنظيمه، ومن أهم التنظيمات الشبابية التابعة لهذا التنظيم تنظيم المهندس الشاب، سرمد الدوري، في نهاية السبعينيات، (أعدم بعد اكتشاف التنظيم وثلاثة معه)، وتنظيم (الأخ حسين) في أوائل الثمانينيات، نشأ في قضاء المقدادية بمحافظة ديالى (100كلم شمال شرق بغداد) فاكتشف أيضا وحكم على عدد من أعضائه بالإعدام وعلى الآخرين بالسجن.

وكان أكبر وأوسع المجموعات في التنظيم الذي عرف بـ "تنظيم 1987 بقيادة الدكتور عبد المجيد عبد السامرائي الذي اتسعت دائرته إلى أنحاء العراق كافة وكان تنظيما دقيقا جدا وقبض على كثير من أعضائه عام 1987 بتهمة المشاركة في تنظيم سري، وحكمت محكمة الثورة على قسم منهم بالإعدام ثم خفف الحكم إلى السجن المؤبد بتدخل قيادات إسلامية في دول مثل تركيا والسودان والأردن، وقد أطلق سراحهم والآخرين من أعضاء التنظيم المحكومين بالسجن، عام 1991، ومنهم الدكتور عصام الراوي والدكتور علاء مكي ونصير العاني ومحمد فاضل السامرائي وآخرين.

تأسيس الحزب الإسلامي في الخارج

نظم الإخوان المسلمون العراقيون في الخارج، وتحديدا في بريطانيا، مطلع التسعينات، عملهم بشكل مستقل عن العمل في داخل العراق، برئاسة الدكتور أسامة التكريتي واستمروا إلى عام 2003 وأعادوا تأسيس حزب سياسي تحت عنوان "الحزب الإسلامي العراقي" في المملكة المتحدة، عام 1991م، برئاسة إياد السامرائي.

في العام 2003م، وبعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، وحدت الجماعة العمل في الداخل والخارج برئاسة الدكتور محسن عبد الحميد، وفي عام 2004م، تم انتخاب مراقب جديد هو (الدكتور زياد شفيق الراوي) وهو طبيب عالمي معروف وأستاذ في كلية الطب لامراض المفاصل يتميز بقدرته على ضم الصفوف وحسم القضايا المصيرية، وبعد انتخابات 25 أيار/ مايو 2009 تم انتخاب الدكتور محسن عبد الحميد، من جديد لمنصب المراقب العام ورئيس مجلس الشورى. وقد أنشأت الجماعة في العراق، وتحت أسم  الحزب الإسلامي العراقي، عددا من المؤسسات منها؛ قناة بغداد الفضائية، إذاعة دار السلام، جمعية الشبان المسلمين، وغيرها.

ومما يجدر الإشارة إليه أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تتبنى الموقف المناهض لاحتلال العراق من خلال بياناتها الرسمية، وهي بذلك تختلف عن مواقف، الحزب الإسلامي العراقي المؤسس في لندن.
 
ولكن بعد 2003م، وبعد أن تم إعلان الحزب الإسلامي العراقي، واجهة رسمية للجماعة، تعرض للكثير من الانتقاد من داخل الجماعة؛ بسبب قبوله العمل السياسي تحت مظلة الاحتلال الأمريكي للعراق، بما يمثل خروجا صارخا عن الثوابت التي دعت لها جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها، ومشاركته مع محتل العراق (الولايات المتحدة) في المجلس الإنتقالي للحكم ممثلا بمحسن عبد الحميد وصلاح الدين بهاء من الإخوان المسلمين الأكراد.

ملخص ما مضى؛ تعد تجربة الإخوان المسلمين في العراق مثيرة للجدل، وغلبت عليها السرية والإنخراط في العمل العام والدعوي مع تنظيمات علنية معروفة أو محدثة، لكن الأخوان واجهوا بعد العام 2003م، صدمة الإنتقال من العمل السري إلى العلني ومن العمل الدعوي إلى السياسي، وصدمة تحول المنهج والشخصية، لكن تبقى آمال أعضاء ومؤيدي هذا الحزب يتطلعون إلى قيام دولة إسلامية وفق منظور الإخوان المسلمين والتي أوجزها إياد السامرائي بالقول: "إن الدولة الإسلامية التي يريدها الحزب في تصوره هي دولة إسلامية حضارية ديمقراطية، حقوق المواطن فيها متاحة، حقوق الآخر فيها متاحة، مبنية على مجموعات، نتكلم عن أن الحاكمية لله، هذا صحيح باعتبار أن مصدر التشريع هو الإسلام، ولكن في نفس الوقت نتكلم على اعتبار أن السلطة هي للشعب".

 

اقرأ أيضا: ما الذي جناه الحزب الإسلامي العراقي من العمل السياسي؟

التعليقات (0)

خبر عاجل