مقالات مختارة

العالم الرقمي وملامح المستقبل

آنيت آريس
1300x600
1300x600

بلغت نسبة الصفحات الإلكترونية التي يمكن الوصول إليها عبر أجهزة المحمول في عام 2012 فقط 10 في المائة. فهل توقع أحد أن تتخطى النسبة الـ50 في المائة خلال أقل من ست سنوات، وأنه سيصبح بإمكاننا الوصول إلى الأخبار والفيديوهات عن طريق هواتفنا الذكية؟ يتسم العالم الرقمي بسرعة التغير، ابتكارات ثورية تؤثر بشكل كبير في القطاع الرقمي وإعادة تقويم سلوك المستهلك.

 

تدل جميع المؤشرات على أننا نتجه نحو نقطة تحول جديدة: التحكم الصوتي. كانت فكرة تكنولوجيا الصوت تثير السخرية حتى وقت قريب، ففي 2001 نشرت "بي بي سي" فيديو حول شخصين اسكتلنديين علقا في مصعد يعمل بتقنية الصوت التفاعلي، لم تستطع التقنية الرقمية تفسير لهجتهما المحلية. لكن وتيرة الابتكارات اليوم سريعة بشكل كبير. حاول أن تسأل سيري، المساعد الشخصي الذكي لهاتف آيفون، فيما إذا كانت روبوت، ستحصل على إجابة واحدة: حسنا، لا أريد أن أتباهى، ولكني حصلت على درجة B+ في اختبار تيورينج Turing test.

 

وصلت تكنولوجيا الصوت اليوم إلى مرحلة النضج وبشكل سريع. تجاوزت جودة التعرف على الصوت نسبة 95 في المائة في بداية 2018. وهي جودة المحادثة الطبيعية نفسها بين الأشخاص. وتأثيرها كان ملموسا بالفعل. طورت النسخة الحديثة لـ"مايكروسوفت ويندوز" خاصية الصوت ــ وهي آلية تمكنك من كتابة الرسائل بسرعة الكلام العادي نفسها، أي أسرع من الطباعة بأربع مرات.

 

صرحت الشركة في 2006 أن 25 في المائة من عمليات البحث عبر شريط مهام "ويندوز 10" تمت باستخدام خاصية البحث الصوتي. وتتوقع شركة أبحاث التسويق comScore أن تستخدم 50 في المائة من عمليات البحث خاصية البحث الصوتي بحلول 2020.

 

ينطبق الأمر ذاته على التطبيقات والأجهزة. تتطور منظومة الصوت بسرعة بحيث من المتوقع أن تصل نسبة العائلات في الولايات المتحدة التي تمتلك مكبرا ذكيا إلى 75 في المائة خلال السنوات العشر المقبلة. في غضون ذلك يوجد 2600 تطبيق صوتي يطلق عليها skills موجودة وجاهزة للتحميل عبر متجر ألكسا في "أمازون".

 

تشير سرعة تبني هذه التكنولوجيا إلى التحول المقبل في المجال الرقمي، لتتخذ خاصية الصوت مكانا إلى جانب النصوص والفيديوهات. وستكون الآثار المترتبة على الشركات أكثر بكثير مما نتصوره.

 

تظهر الوقائع الحالية معاناة قطاع الأعمال في تصور جميع الآثار المترتبة على الخاصيات الرقمية. فعندما وصل تأثير الإنترنت الثوري إلى قطاع الصحف المطبوعة، تحتم على الصحف وضع محتواها على الإنترنت باستخدام صيغة PDF، وفشلت باستيعاب فكرة أن ديناميكات السلوك تغيرت بسرعة أكبر من مجرد صيغة أو طريقة عرض. مع مرور الوقت بدأت الصحف استخدام الاحتمالات المرئية والتفاعلية. وينطبق الأمر ذاته على الهاتف المحمول. حيث استخفت الشركات بتأثيرات الأجهزة المحمولة، وانشغل عديدون بتطوير الموقع الإلكتروني فقط، وغفلت عن الاستفادة من خاصية تحديد المكان أو سهولة تحميل الصور والفيديوهات للمستخدمين. والأهم من ذلك، مع التحول من المواقع إلى التطبيقات ــ أصبح من الصعب على الشركات الوصول إلى المستهلكين، كونهم لم يعودوا مهتمين بتصفح الإنترنت، واستعاضوا عنها بالتطبيقات الموثوقة، وينطبق ذلك بشكل خاص على آسيا.

 

غيّر الهاتف المحمول أيضا نماذج إيرادات الإعلانات، بحيث استفادت الإعلانات عبر "الموبايل" من سرعة وسلوكيات الشراء للمستخدمين عوضا عن محاولة استكشافه. ويعزى النمو الهائل لـ"فيسبوك" بشكل جزئي إلى كونه السبّاق في التحول إلى أجهزة المحمول، ومكنته تلك الخطوة من استبدال الإعلان التقليدي بآخر أكثر فعالية. تمتلك خاصية "الصوت" القدرة على القيام بهذا التحول الجذري وبسرعة أجهزة المحمول نفسها. لنأخذ خاصية البحث على سبيل المثال. من المتوقع أن تسهم خاصية "الصوت" في تقليص الوقت الذي يقضيه المستخدم في إجراء عمليات بحث طويلة ومرهقة بأنفسهم. وسيتجهون في الأغلب إلى "المساعد الشخصي" عوضا عن مهام البحث.

 

تستطيع تطبيقات الذكاء الاصطناعي البحث عن أفضل الرحلات الموجودة، وطلب أرخص المنتجات، وإيجاد الأغنية المفضلة، أو إجراء حجز في مطعم في جزء من الوقت الذي قد يتطلب من الأشخاص كتابة الكلمات في شريط البحث. سيصبح المساعدون الشخصيون البوابات الجديدة على الإنترنت، ولذلك السبب تتنافس عمالقة التكنولوجيا مثل "أمازون وإيكو وأليكسا وجوجل هوم" على المركز الأول في سوق مكبرات الصوت الذكية. من ثم تأتي مسألة إيرادات الإعلانات. ستؤثر خاصية الصوت من دون شك في إيرادات وأرباح الإعلانات المرئية، ولن تكون الإعلانات الصوتية خيارا كون المستهلك لن يمتلك الصبر لسماع الإعلان. لذا ستتحول إيرادات الإعلانات إلى نسبة على المبيعات ونماذج الاشتراكات.

 

أما فيما يتعلق ببناء علامة تجارية، فإن الصوت والنموذج القصصي سيكون بأهمية الديناميكيات المرئية نفسها. سيترتب على تلك التحولات الرقمية حتما فائزون وخاسرون، وقد تشكل تقنية الصوت ضغطا على شركات كبرى مثل "جوجل وفيسبوك" لاعتمادها على عائدات الإعلانات. يعتبر نموذج عمل "أمازون" موجها نحو عالم الصوت، خاصة لكون الشركة قادرة على ترويج منتجاتها الخاصة. وتمتلك "مايكروسوفت" أيضا فرصة لتوسيع نموذج اشتراكاتها إلى الخدمات الصوتية. وبغض النظر عن ملامح المستقبل، يبقى من الحكمة أن تبدأ الشركات الذكية في التفكير بكيفية تأثير نقطة التحول تلك في سلوك المستهلك. وأن تضع استراتيجياتها بشكل يتيح لها الاستفادة من خاصية الصوت.

 

عن صحيفة الاقتصادية السعودية

0
التعليقات (0)