مقالات مختارة

رئيس محاصر

حسن البراري
1300x600
1300x600

لا يخفى على أي مراقب أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب يعاني من ارتباك واضح في ما يتعلق بملف مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، فعلى الرغم من تقييم السي آي إيه الذي يشير بوضوح إلى ضلوع وليّ العهد السعودي في الجريمة، فإن ترامب فضل تقديم ما يراه من مصالح أمريكية على حساب العدالة والقيم.


لكن، علينا أن ننتبه إلى حقيقة ماثلة تفيد بأن الرئيس الأمريكي قد يخفي شيئا ما، وبخاصة أن كل المبررات لاستمرار دعمه لمحمد بن سلمان لا تصمد على أرض الواقع، فالقول بأن السعودية تشكل رأس حربة في التصدي لإيران هو غير صحيح - أو للدقة غير مجد- بعد أن تلقت السعودية هزائم متتالية في مختلف الملفات الإقليمية، ما مكّن إيران بدلا من أن يقوض نفوذها، فضلا عن أن هناك مبالغة كبيرة جدا في حجم الاستثمارات السعودية أو صفقات السلاح، أو حتى خلق الوظائف في الولايات المتحدة، وقد سلط الإعلام الأمريكي الضوء على هذه الأسطورة، وتبين أن ترامب يضلل ويستعمل هذه المقولة ليخاطب شرائح معينة داخل المجتمع الأمريكي.

 

وأخيرا، تحدث ترامب عن أهمية السعودية لحماية إسرائيل، وفي ذلك أيضا تدليس واضح، لأن إسرائيل لا تحتاج السعودية للدفاع عنها. والحق أن ترامب استعمل إسرائيل في النقاش العام ليحول الموقف وكأنه استفتاء على أمن ووجود إسرائيل، وهو بذلك يستدعي الموضوع الإسرائيلي الذي يحظى بإجماع أمريكي حتى يخلط الأوراق ويغطي على أمر آخر وهو العلاقة المالية الشخصية التي تربط ترامب أو أفراد من عائلته مع السعودية بقيادة محمد بن سلمان، وبالفعل يلوح الكثير من أعضاء الكونغرس بأنهم عازمون على التحقيق في العلاقة المالية الخاصة بين السعودية وأفراد من عائلة ترامب.


لا يتفهم الكثير من الأمريكيين موقف ترامب، ولا يقبلون بمقولة إن أمريكا تحتاج السعودية، فالأخيرة هي من تحتاج الأولى، لأنها من تقدم لها الحماية، وهذا ما كان يقوله ترامب نفسه قبل مقتل خاشقجي عندما كان يخاطب الملك سلمان طالبا إياه بدفع ثمن الحماية الأمريكية، الآن وبقدرة قادر أصبحت السعودية هي من يحمي إسرائيل! تناقض جلي.


لم يأت من قبل رئيس أمريكي يصر ليلا ونهارا على أهمية السعودية في إنعاش الاقتصاد الأمريكي، ويقول للسعوديين بأنه عرضة للابتزاز! فما على السعودية إلا أن تلوح بوقف «الاستثمارات» حتى ينحني سيد البيت الأبيض، منطق غريب لرئيس دولة لم يأت من رحم التجربة السياسية الأمريكية، فهو لا يعرف الكثير عن السياسة الخارجية، ويتصرف مستندا إلى التضليل وافتعال المواجهات الثانوية تارة مع الإعلام وتارة مع الحلفاء، لكنه وعلى نحو لافت يتجنب الخصوم.

 

ومع كل هذا لا يكسب ترامب شيئا، فالإعلام الأمريكي الذي يحظى بمصداقية كبيرة داخل الولايات المتحدة، يتربص به ولا يترك شاردة ولا واردة إلا ونال فيها من الرئيس، متهما إياه بالتضليل والكذب والانبطاح لمحمد بن سلمان ومتاجرا بالقيم الأمريكية. وقريبا سيتحرك الكونغرس وسيعقد جلسات استماع ما يعني إحراج الرئيس علنا، الأمر الذي من شأنه أن يدق المسمار الأول في نعش ترامب الانتخابي بعد عامين على التمام والكمال. وإذا ما نجح الكونغرس في فرض عقوبات على السعودية بالرغم من موقف ترامب، فحينها سيعرف الرئيس ترامب أنه كان قد وضع رهانه على الحصان الخاطئ، ما يعني أن إعادة انتخابه ستكون في مهب الريح.


لم يتكشف بعد ما هو المقابل الذي يسعى إليه ترامب من وراء انحيازه المكشوف للطغاة في العالم الثالث، لكن من الواضح أن معركته الآن هي داخلية ولا يوجد أي ضمانة بأن الرئيس يمكن أن يخرج منها سالما.

 

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)