أفكَار

إسلاميو اليمن.. قصة النشأة والعلاقة بين الدعوي والسياسي 1من2

قال بأن تأسيس التجمع اليمني للإصلاح كان جزءا من مراجعات الإسلاميين في اليمن
قال بأن تأسيس التجمع اليمني للإصلاح كان جزءا من مراجعات الإسلاميين في اليمن

لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.

لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الانتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع  يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.

اليوم يقدّم الكاتب والباحث اليمني نبيل البكيري عرضا لتجربة التجمع اليمني للإصلاح السياسية، ويرصد خصائص البيئة السياسية والدينية التي رافقن نشأة الحركة الإسلامية اليمنية وواكبت تطورات مواقفها الفكرية والسياسية.

إسلاميو اليمن.. قصة النشأة والعلاقة بين الدعوي والسياسي (1 من 2)  

تعدُ تجربة التجمع اليمني للإصلاح حالة متقدمة نسبيا، سياسيا بحكم الممارسة، وهامش الحرية المتاحة، على كثير من مثيلاتها الأخرى في العالم العربي فيما يتعلق برؤيتها السياسية وتصوراتها عن الدولة، وإن كانت جلها تقترب فكرا من نفس رؤية الحركات الإسلامية عموما في رؤيتها للدولة وهي رؤية غير واضحة المعالم ورمادية التوجهات.

خصوصية السياسة والتاريخ

تظل لتجربة حزب تجمع الإصلاح اليمني خصوصية سياسية وثقافية تنبع من صلب الإشكال اليمني وتعقيداته، بالنظر إلى شيوع الروح اليمنية وطغيانها في كثير من مراحل التاريخ، التي دفعت باليمن إلى أن تكون دائما خارج خارطة الإجماع السياسي العربي منذ لحظة الخلافة الإسلامية الراشدة الأولى وحتى خلافة بني أمية وبني العباس وصولا حتى الإمبراطورية العثمانية، فاليمن كانت دائما تقع خارج مربع التوحد مع مشاريع قادمة من خارج جغرافيتها وإن ظلت ساحة صراع لهذه المشاريع.

من هذه النقطة كان للحركة الإصلاحية اليمنية، كما يطلق عليها باليمن، محاولات إصلاحية مبكرة فيما يتعلق بالدولة والدعوة والدستور والسياسة عموماً، وتأتي في القلب من هذه المحاولات الإصلاحية ما أطلق عليها بالثورة الدستورية عام 1948م، والتي نادت فيها الحركة الإصلاحية بأول دستور في الجزيرة العربية كلها، أي أول رؤية إصلاحية لفكرة الدولة والدستور والحقوق والحريات.

 

اليمن كانت دائما تقع خارج مربع التوحد مع مشاريع قادمة من خارج جغرافيتها وإن ظلت ساحة صراع لهذه المشاريع.


لكن هذا المسار الإصلاحي حصل له حالة من الإنكماش والتقهقر تاليا، في أدبيات الحركة الإصلاحية، بل وتراجع كثيراً على كافة المستويات الثقافية والفكرية والسياسية، بفعل حالة التلاقح بين الحركة الإصلاحية اليمنية والحركات الإسلامية الأخرى كحركة الإخوان وكذلك الجماعات السلفية كالوهابية بفعل دراسة عدد من أبناء الحركة اليمنية في الجامعات السعودية والمصرية وغيرها.

هذا التراجع في المخيال السياسي لدى الحركة الإصلاحية اليمنية وقع في إطار التطور العام لمسار الأفكار والتصورات في العالم العربي والإسلامي، بمعني أن حركات الإسلام السياسي كانت في إطارها العام تنهل من تصور عام واضح للمفهوم السياسي الذي اشتغلت عليه الحركة الإخوانية في عموم العالم الإسلامي، وهي فكرة السعي سياسيا إلى التمكين الإسلامي وعودة الخلافة من باب صعود الإسلاميين للحكم والسلطة ديمقراطيا.

لكن مثل هذا السياق التصوري أيضا كان محفوفا بكثير من الغموض فيما يتعلق بإيمان الإسلاميين بالديمقراطية عموما، من حيث هي قيم متكاملة ومتداخلة كحقوق وواجبات ونظم وليس مجرد إجراء انتخابي مقصور في ممارسة الانتخابات فحسب، بل هي منظومة متكاملة من حقوق الإنسان إلى قبول فكرة التعدد الثقافي في المجتمع الواحد.

البدايات الأولى 

في صبيحة 22 أيار / مايو 1990، أعلن عن قيام الجمهورية اليمنية، من اتحاد، كل من شمال اليمن الجمهورية العربية اليمنية، وجنوبه ممثلا بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ومثلت هذه الخطوة، صياغة أول دستور ديمقراطي تعددي في اليمن، الذي كانت فيه الحركة الإسلامية ببعدها الثقافي الإخواني حاضرة، كحركة دعوية تربوية متجذرة في المجتمع اليمني وحاضرة بقوة.

نص الدستور اليمني الجديد، على التعدد الديمقراطي والثقافي، وآليات الانتقال السياسي انتخابيا، وهو ما حتم على الحركة الإسلامية، التكيف مع هذا المشهد الجديد، بآلياته وتصوراته، مما دفع بالحركة الإسلامية، للتعاطي السياسي الجاد، مع هذا التوجه الجديد، فبادر الإسلاميون إلى جملة من المراجعات، في تصوراتهم للسياسة، ودشّنوا أولى خطوات المراجعة، بإعلان تأسيس التجمع اليمني للإصلاح، كحزب سياسي يعبر عن الحركة الإسلامية وتوجهها الجديد .

وتعد هذه الخطوة، بمثابة تحول كبير، في أدبيات وذهنية الحركة الإصلاحية اليمنية، فقد برز جدل فكري وثقافي ودعوي كبير حول موقف الحركة من العمل السياسي الحزبي ومن ثم من الديمقراطية والتعددية والانتخابات ومشاركة المرأة، انتهى هذا الجدل في صالح التيار التحديثي في الحركة، التيار الذي تبنى فكرة التحول الديمقراطي والسياسي والثقافي في صلب فكرة وذهنية الحركة ونظرتها للسياسية عموما، ويعد هذا التوجه الجديد حينها بمثابة تحول فكري كبير في صلب نظرة الحركة الإسلامية لكثير من القضايا السياسية والثقافية.

ومع هذا بقى هناك نقاط جدل لم تحسم بسهولة حينها من قبيل حق المرأة في الانتخاب والترشح في الانتخابات وإن حسمت لاحقا لصالحها لكن تبقى العادات والتقاليد الإجتماعية وليس الفتاوى الدينية عائقا، عدا عن هذا حسمت جدلية إسلامية الدستور ومصدر التشريع، وكل هذا مثل حالة تحول حقيقية في قلب فكرة "الإسلام السياسي" بحسب التوصيف الغربي للظاهرة الإسلامية.

لكن ظلت الرؤية السياسية، فيها الكثير من الضبابية، لدى الإسلاميين اليمنيين، ابتداء فيما يتعلق بالعلاقة بين الديني والدنيوي ، أي السياسي والدعوي ، وإن بدا ظاهرا ً أنهم قد تجاوزوا هذه المناطق الرمادية ،في الفصل بين بينهما ، من خلال تبني حالة  سياسية حزبية واضحة ، ممثلا بإعلان إنشاء التجمع اليمني للإصلاح ، كمظلة سياسية لأنشطتهم وتحركاتهم.

الممارسة تسبق التنظير

ورغم أنه لم يحسم أي نقاش فكري، حول معظم تلك القضايا بطريقة قطعية، لكن الممارسة  السياسية، كانت دائمة هي التي تسبق التنظير، في كل تحركات حزب التجمع اليمني للإصلاح، وبقى هناك جدل بين تيارين، كانت الممارسة وحدها هي من تحسم النقاش دائما وليس التنظير العلمي والفكري.

خاضت اليمن العديد من المحطات الانتخابية، برلمانية ورئاسية، ولكن كانت أولها هي المحطة الأكثر ديمقراطية وشفافية بفعل التوازن السياسي القائم بين القوى السياسية حينها، وهي انتخابات عام 1993م ، والتي بموجبها خاض الإسلاميون، انتخاباتها بنجاح كبير، حصلوا بموجب تلك الانتخابات على 63 مقعدا تقريبا من أصل 301 مقعد، ليحلوا في المرتبة الثانية كقوى سياسية صاعدة ومؤثرة .

في انتخابات نيسان / أبريل 1997، بعد انفراط عقد معادلة التوازنات السياسية، بفعل حرب صيف 1994م، وتراجع العملية السياسية والديمقراطية، تراجع بموجبها  الهامش الديمقراطي، وخرج على إثرها الإسلاميون الإصلاحيون من الإئتلاف الحكومي، لكنهم لم يذهبوا مباشرة إلى منصة المعارضة، وإنما ظلوا أشبه بحالة حياد بين السلطة والمعارضة، ومنزلة بين المنزلتين، فلا هم في السلطة، ولا انضموا للمعارضة، وكان هذا الموقف هو نتاج حالة الضبابية والخلط بين المفهومين الدعوي والسياسي للسياسة ذاتها، أي معارضتهم كانت ستكون خروجا عن طاعة ولي الأمر، وفقا للمفهوم السلفي للمعارضة.

 

بادر الإسلاميون إلى جملة من المراجعات، في تصوراتهم للسياسة، ودشّنوا أولى خطوات المراجعة، بإعلان تأسيس التجمع اليمني للإصلاح

وكان من نتاج هذه الرؤية المتناقضة للسياسة، عدم مشاركة الإصلاح في الإئتلاف الحكومي عقب انتخابات عام 1997م البرلمانية، والتي تراجعت فيها عدد مقاعدهم النيابية، لكن من المفارقات والتناقضات أيضاً، هو انضمام حزب الإصلاح لاحقا إلى ما سمي حينها بمجلس تنسيق أحزاب المعارضة والذي ضم الناصريين والاشتراكيين وتطور تاليا عقب انتخابات 1999 الرئاسية والتي دعم فيها حزب الإصلاح المعارض مرشح حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم. 

شكل حزب الإصلاح تاليا، مع أحزاب المعارضة اليمنية الأخرى، ما سمي بتكتل اللقاء المشترك المعارض، والذي خاض أول انتخابات برلمانية يمنية، وأخر إنتخابات برلمانية عام 2003م، والتي بموجبها تراجعت فيه دوائره الإنتخابية إلى ما يقارب 40 مقعدا، ومن حينها تحول الإصلاح إلى حزب سياسي معارض وبشراسة في وجه نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

 

إقرأ أيضا: 28 عاما على تأسيس حزب الإصلاح اليمني.. ماذا بعد؟

 

التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم