سياسة عربية

هل يقدم "واتساب" خاشقجي أدلة جديدة على قتله؟

خاشقجي حذر الزهراني من الذهاب للسفارة السعودية في كندا- واشنطن بوست
خاشقجي حذر الزهراني من الذهاب للسفارة السعودية في كندا- واشنطن بوست

نشر موقع شبكة "سي إن إن" الأمريكية تقريرا تحدث فيه عن الأدلة الجديدة التي تتعلق بمقتل الصحفي جمال خاشقجي والمتمثلة في رسائل الواتساب التي تشاركها مع الناشط الحقوقي، عمر عبد العزيز، حيث كشفت هذه المحادثات أن ولي العهد السعودي أمر بالتجسس عليهما وقتلهما.

وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21" إن جمال خاشقجي كان يتوخى الحذر في كتاباته للعموم، خاصة عند توجيه انتقاداته للمملكة العربية السعودية وولي عهدها، محمد بن سلمان. أما في الخاص، فلم يكن كاتب العمود في صحيفة "واشنطن بوست" سابقا يكتم ما بداخله.

وفي أكثر من 400 رسالة على الواتساب أرسلها لزميل سعودي له في المنفى في السنة التي سبقت مقتله في القنصلية السعودية في إسطنبول، وصف خاشقجي الأمير بن سلمان، الذي يشار إليه غالبا "بولي العهد السعودي"، "بالوحش" "والرجل البدائي" الذي يبيد كل شيء في طريقه، حتى مؤيديه.

وقد مُنحت شبكة "سي إن إن" حق الاطلاع حصريا على المراسلات التي دارت بين خاشقجي والناشط عمر عبد العزيز المقيم في مونتريال. وكشفت الرسائل التي تشاركها عبد العزيز، والتي شملت تسجيلات صوتية وصورا وتسجيلات فيديو، أن خاشقجي كان يعتريه قلق عميق مما اعتبره سخطا مسلطا من قبل ولي العهد الشاب.

وأضاف الموقع أن خاشقجي أورد في إحدى الرسائل المرسلة في أيار/ مايو، على إثر اعتقال مجموعة من النشطاء السعوديين، أنه "كلما ارتفع عدد الضحايا الذين دمرهم، رغب في تدمير المزيد، ولن أتفاجأ إذا ما طال الاضطهاد أولئك الذين يؤيدونه".

جمال خاشقجي:


الاعتقالات لا مبرر لها ولا تخدمه (حسب المنطق)، لكن الاستبداد لا منطق له. مع ذلك، فهو يحب القوة والظلم ويحتاج إلى التباهي بذلك. إنه مثل الوحش "الرجل البدائي". وكلما زاد عدد الضحايا الذين دمرهم، أراد تدمير المزيد. ولن أتفاجأ إذا طال الظلم أولئك الذين يؤيدونه أيضا، ومن ثم الآخرين وغيرهم كذلك. والله عليم بذلك.

عمر عبد العزيز:


هل هناك احتمال أنه عندما يصبح ملكا، قد يعفو عنهم في لفتة لإظهار العفو والرحمة؟

جمال خاشقجي:


ذلك هو التصرف المنطقي، لكنني لم أعد أثق بما يدور في عقله.

وكشف الموقع أن الرسائل تظهر انتقال هذين الناشطين من مجرد الكلام إلى العمل الفعلي. فقد بدآ فعلا في التخطيط لحركة شبابية على الإنترنت من شأنها أن تحمل الدولة السعودية كامل المسؤولية. وقال عبد العزيز في مقابلة مع شبكة "سي إن إن": "كان جمال يعتقد أن 'ولي العهد' هو أساس المشكلة، وأنه يجب إيقاف هذا 'الطفل' عند حده".

لكن في آب/ أغسطس، وعندما ظهرت شائعات تفيد بأن السلطات السعودية قد تجسست على محادثاتهما، تملّك التشاؤم خاشقجي، الذي كتب "فليساعدنا الله" ليلقى حتفه بعد شهرين من ذلك. وقد رفع عبد العزيز يوم الأحد دعوى قضائية ضد الشركة الإسرائيلية التي اخترعت التطبيق الذي يعتقد أنه استخدم لاختراق هاتفه. وأفاد عبد العزيز لشبكة "سي إن إن" التلفزيونية قائلا: "لقد لعبت قرصنة هاتفي دورا كبيرا فيما حل بجمال. يؤسفني حقا قول ذلك. إن الشعور بالذنب يقتلني".

شرائح الهاتف

ذكر الموقع أن مسيرة خاشقجي كمعارض للنظام السعودي بدأت عندما كان طالبا جامعيا يدرس في كندا، حيث استرعت انتقاداته اللاذعة لسياسات حكومة بلاده انتباه السعودية التي قامت بإلغاء منحته الجامعية. لكن كندا منحته حق اللجوء في سنة 2014 ثم الإقامة بعد مرور ثلاث سنوات.

وخلال مراسلات يومية تواصلت بين تشرين الأول/ أكتوبر 2017 وآب/ أغسطس 2018، خطط كل من خاشقجي وعبد العزيز لبناء جيش إلكتروني يضم الشباب السعوديين المقيمين في المملكة، من أجل الكشف عن المؤامرة التي تديرها البلاد على مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت تحاول السيطرة على حساب خاشقجي وعلى 340 ألف متابع نشط لعبد العزيز البالغ من العمر 27 سنة.

وقد انطلقت هذه الحملة الإلكترونية التي سميت جيش "النحل الإلكتروني"، منذ النقاشات الأولى حول تصميم موقع لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان داخل المملكة وبمبادرة من أجل تسجيل مقاطع فيديو قصيرة لمشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد صرح عبد العزيز أن "المملكة لا تملك مجلسا بل تملك تويتر وهو أحد أقوى أسلحة السعودية. إن موقع تويتر هو الوسيلة الوحيدة التي تمكنهم من المحاربة ونشر الشائعات. لقد هوجمنا ووقعت إهانتنا وتعرضنا للتهديد عديد المرات، لكننا قررنا التصدي لذلك".

وبين الموقع أن خاشقجي وعبد العزيز استخدما أسلوبا تضمن ما وصفتهما المملكة السعودية بالإجرائين العدائيين، إذ تمثل الأول في إرسال شرائح الهاتف إلى المعارضين السعوديين المقيمين في المملكة حتى يتمكنوا من مشاركة التغريدات على تويتر دون أن يتم تتبعهم. أما الإجراء الثاني فتمثل في تقديم المبالغ المالية، حيث تعهد عبد العزيز بمنح مبلغ أولي بقيمة 30 ألف دولار ووعد بجمع المزيد من الدعم المالي من المتبرعين الأثرياء.

وخلال إحدى الرسائل الإلكترونية التي يعود تاريخها إلى أيار/ مايو الماضي، خاطب عبد العزيز خاشقجي قائلا: "لقد أرسلت لك بعض المعلومات بشأن الجيش الإلكتروني على بريدك الإلكتروني"، فردّ عليه خاشقجي: "عمل رائع، سأحاول تدبر الأموال، علينا التصرف".

عمر عبد العزيز:


لقد أرسلت لك فكرة خاطفة عن عمل الجيش الإلكتروني.

جمال خاشقجي:


تقرير رائع، سأحاول تدبر الأموال. علينا التصرف. أتعلم؟ أحيانا تؤثر علي تهجّماتهم وتغريداتهم المليئة بالكراهية.

وأوضح الموقع أنه بعد مرور شهر، أكدت رسالة أخرى أرسلها عبد العزيز، نجاح أول عملية تحويل أموال بقيمة 5 آلاف دولار، رد عليها خاشقجي بإشارة الإبهام. لكن في أوائل آب/ أغسطس، قال عبد العزيز إنه تلقى خبرا من السعودية يفيد أن المسؤولين الحكوميين كانوا على علم بالمشروع، فنقل هذه الأخبار إلى خاشقجي، الذي رد متسائلا "كيف عرفوا بذلك؟". وأجاب عبد العزيز: "لا بد من وجود ثغرة ما". ثم مرت ثلاث دقائق قبل أن يكتب خاشقجي: "فليساعدنا الله".

عمر عبد العزيز:


ما إن سمعوا عن "النحل الإلكتروني"، حتى أصبحوا قلقين ومنزعجين جدا. لقد اعتقلوا الكثير من الناس وداهموا العديد من الأماكن. لقد تحملت العبء الأكبر لتشكيل المجموعة والحفاظ على التواصل. أنا سعيد لأنك خارج المملكة وبأمان.

جمال خاشقجي:


كيف علموا بشأن "النحل"؟ إن سلامة العائلة مهمة.

عمر الزهراني: لقد بدأت في إنشاء مجموعات، وفي القيام ببعض الأعمال ولا بد من وجود ثغرة ما. لا بد أن هناك عشرات الأشخاص المتورطين في هذا الأمر. هل يمكنك أن تتخيل أن أخي كان يقول لي، عمر لا تغرد عن كندا وعن النحل! وإلا سيكون مصيري السجن.

جمال خاشقجي:

 

 فليساعدنا الله.

عمر الزهراني:

 

من يركب البحر لا ينبغي أن يخشى الغرق.

جمال خاشقجي:

 

فليحميك الله، أنت في كندا التي هي ملاذ للناس المظلومين. فليحمك الله من أي قذافي أو غباء القذافي (القذافي كصفة). إياك أن تذكر موضوع النحل حتى على إنستغرام.

"الاختراق"

تحدث عبد العزيز عن تواصله مع خاشقجي علنا، لأول مرة في الشهر الماضي بعد أن كشف الباحثون في مختبر "سيتزين لاب" بجامعة تورنتو أن برامج التجسس العسكرية قد اخترقت هاتفه. ووفقا لبيل ماركزاك، وهو أحد الباحثين في مختبر "سيتزين لاب"، كان هذا البرنامج اختراع شركة إسرائيلية تحمل اسم "مجموعة إن إس أو"، وتم استخدامه بناء على طلب من الحكومة السعودية.

 

وأضاف ماركزاك أن اثنين على الأقل من المعارضين السعوديين قد استُهدفا باستخدام برنامج التجسس؛ وهما ناشط يدعى يحيى عسيري، وموظف شارك في عمل منظمة العفو الدولية في المملكة العربية السعودية.

 

اقرأ أيضا: ما الذي يحويه هاتف خاشقجي ويريد السعوديون الحصول عليه؟


وذكر الموقع أن نائبة مدير برنامج التكنولوجيا في منظمة العفو الدولية، دانا إنغلتون، كشفت أن خبراء التكنولوجيا فتشوا هاتف الموظف وأكدوا أنه كان مستهدفا من قبل برنامج التجسس. وحاليا، تستكشف منظمة العفو الدولية إمكانية الطعن في "مجموعة إن إس أو"، كما كتبت الأسبوع الماضي رسالة إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية تطلب فيها إلغاء ترخيص التصدير الخاص بشركة "إن إس أو"، وفقا لما أفادت به إنغلتون.

يوم الأحد، رفع محامو عبد العزيز دعوى قضائية في تل أبيب، زاعمين أن "إن إس أو" قد خرقت القوانين الدولية عن طريق بيع برامجها لأنظمة قمعية، وهي على علم بأن في ذلك انتهاك لحقوق الإنسان. وأفاد المحامي المقيم في القدس الذي يعمل لحساب عبد العزيز، علاء محاجنة، أنه "يجب أن تتحمل 'إن إس أو' المسؤولية عن حماية أرواح المعارضين السياسيين والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان". وجاءت هذه الدعوى بعد الدعوى السابقة التي رفعت في كل من إسرائيل وقبرص من قبل مواطنين من المكسيك وقطر.

وقد صرحت "مجموعة إن إس أو" في بيان لها أن تقنيتها تساعد الحكومات على مكافحة الجريمة، ويتم فحصها بالكامل وترخيصها من قبل الحكومة الإسرائيلية. وجاء كذلك في البيان أن "هذه التقنيات تتمتع بسجل طويل من مساعدة الحكومات في إيقاف المفجرين الانتحاريين ووقف تجار المخدرات والمتاجرين بالجنس والمساعدة على إعادة ضحايا الاختطاف بأمان. وإن كان هناك اشتباه في سوء الاستخدام، فنقوم عادة بالتحقيق في الأمر واتخاذ الإجراءات المناسبة، بما في ذلك تعليق أو إنهاء العقد".

"الاستبداد لا منطق له"

بما أن هاتف عبد العزيز كان عرضة للتجسس، فذلك يعني أن المسؤولين السعوديين كانوا قادرين على الولوج إلى 400 رسالة التي تبادلها عبد العزيز مع خاشقجي خلال تلك الفترة. وتكشف هذه الرسائل عن تزايد مخاوف خاشقجي بشأن مصير بلاده في ظل تعزيز بن سلمان لقوته. ويصف خاشقجي بن سلمان على أنه "يحب القوة والظلم ويحتاج إلى التباهي بها، لكن الاستبداد لا منطق له".

وتعتبر مثل هذه المراسلات خيانة في نظر السعودية، وهي دولة تعرف بتسجيلها لأسوأ نسب في التمتع بحرية التعبير في العالم. وفي الواقع، كان خاشقجي وعبد العزيز يدركان أهمية الحرص على الحفاظ على أمنهما في المنفى، وكانا يراوحان باستمرار بين المكالمات الهاتفية والرسائل الصوتية والدردشات على الواتساب وغيرها من المنصات المشفرة مثل تلغرام وسيجنال.

عمر عبد العزيز:

 

أتمنى لك الصحة والعافية، تحياتي، وكل شيء جيد.

جمال خاشقجي:

 

أتمنى أن تكون بخير يا عمر. فليستجب الله لدعائك ويخلصنا ويخلص الأمة كلها من هذا المأزق.

وكما تكهن خاشقجي حول مستقبل ابن سلمان، كان عبد العزيز بالفعل محط تركيز ولي العهد وكان على وشك تلقي زيارة مصحوبة برسالة مباشرة من "ولي العهد".

رسالة من محمد بن سلمان

في أيار/ مايو الماضي، ذكر عبد العزيز أن اثنين من مبعوثي الحكومة السعودية طلبا لقاءه في مونتريال، فوافق على ذلك حيث سجل سرا 10 ساعات من محادثاتهم خلال مدة إقامتهما التي استمرت خمسة أيام، والتي شاركها مع "سي إن إن".

وقد تحدث هذان الرجلان بالعربية، وكان اسمهما عبد الله ومالك، وقد أخبرا عبد العزيز بأنهما أرسلا بناء على أوامر بن سلمان المباشرة، متجاوزين السلطات المعتادة مثل وزارة الأمن، حيث زعما أن بن سلمان كان يتابعه على تويتر، ولذلك يريد أن يعرض عليه وظيفة. كما قال أحد الرجلين: "لقد جئنا إليك برسالة من محمد بن سلمان يضمن لك من خلالها الأمان".

وقد أثبتت التسجيلات التي وثقها عبد العزيز مدى أهميتها اليوم، لأن المملكة لطالما ادعت براءة ولي العهد من كل المؤامرات مثل مقتل خاشقجي، مدعية أنها كانت محاولة تسليم فاشلة، كان المستشارون والمسؤولون من موظفي الأمن هم العقل المدبر وراءها.

وبشكل مثير للإعجاب، ذكر الرجلان أيضا سعود القحطاني، المستشار الإعلامي القوي لبن سلمان، الذي تم طرده والتحقيق معه في السعودية وسط مزاعم تركية تفيد بأنه هو العقل المدبر لعملية قتل خاشقجي. وفي هذا السياق، أردف رجل آخر: "إذا سمع سعود القحطاني اسمك، فسيعرفك على الفور، ويأذن لك بمقابلة الأمير محمد مباشرة". ثم أوصى الرجلان عبد العزيز بزيارة السفارة السعودية لاستلام بعض الأوراق.

على نحو مؤثر، ذكر عبد العزيز أنه من المحتمل أن نصيحة خاشقجي هي التي أنقذت حياته. في الواقع، "لقد حذرني من الذهاب إلى السفارة وأكد علي أن ألتقي بهما في الأماكن العامة فقط".

 

لكن في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر، فعل خاشقجي عكس ذلك وكانت تلك آخر مرة قام فيها بتفحص رسائل الواتساب الخاصة به.

التعليقات (0)