ملفات وتقارير

ماذا يتبقى للدولة من إسلاميتها بعد تجاوز مرجعيتها الدينية؟

مجلس الوزراء في تونس أقر قانونا يساوي الذكور والإناث بالميراث- جيتي
مجلس الوزراء في تونس أقر قانونا يساوي الذكور والإناث بالميراث- جيتي

على خلاف ما تنص عليه غالب الدساتير في الدول العربية من أن دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، نفى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أن تكون مرجعية الدولة التونسية مرجعية دينية، واصفا القول بذلك بأنه "خطأ فاحش". 


وقال السبسي في معرض دفاعه عن مبادرته للمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث "الدولة التونسية دولة مدنية، ولا علاقة لنا بالدين أو القرآن أو الآيات القرآنية، نحن نتعامل مع الدستور وأحكامه آمرة". 


وكان مجلس الوزراء التونسي قد صادق رسميا أواخر الشهر الماضي على مسودة قانون الأحوال الشخصية، الذي يتضمن أحكاما بالمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، وستعرض الحكومة المشروع على البرلمان للمصادقة عليه حتى يصبح ساري المفعول.

 

اقرأ أيضا: تونس.. السبسي يُحرج النهضة ويصادق على المساواة في الإرث

دعوة الرئيس التونسي إلى تجاوز المرجعية الدينية بالكلية للدولة التونسية، وإحداث قطيعة تامة مع الدين والآيات القرآنية، حتى فيما يتعلق بالأحكام الخاصة بالأحوال الشخصية، أثارت على نطاق واسع تساؤلات قلقة حول هوية الدولة في العالم الإسلامي، إذ ماذا يتبقى من إسلاميتها بعد الدعوة إلى تجاوز مرجعيتها الدينية الإسلامية؟


معركة سياسية انتخابية


ووفقا لمراقبين فإن تلك التصريحات  تعد ضربة موجعة، واستفزازا صارخا للحركات الإسلامية التي ترفع شعار "دولة مدنية بمرجعية إسلامية" وهو يريدها بكل وضوح دولة مدنية بلا مرجعية دينية مطلقا. 


من جهته، رأى الباحث والأكاديمي التونسي، الدكتور نور الدين الغيلوفي أن تصريحات الرئيس تأتي في وقت "تحتدم فيه المعركة بين الإسلاميين والعلمانيين، وهي معركة سياسية انتخابية قبل كل شيء".


ولفت إلى أن الرئيس "يسعى لاسترداد حلفائه من اليسار والعلمانيين، بعد رحلة التوافق مع حركة النهضة، والتي شارفت على نهايتها، وأن تصريحاته تلك جاءت في سياق مناكفة حركة النهضة وإحراجها".


وأضاف: "من يحسم المعركة هنا هو البرلمان، وليس موقف الرئيس، وغالب البرلمان مع النهضة"، مستبعدا أن يمر قانون المساواة في الميراث بسهولة.


وردا على سؤال "عربي21" كيف يمكن تفسير جرأة الرئيس التونسي على إطلاق تلك الدعوات والتصريحات التي وصفت بالمستفزة جدا؟ قال الغيلوفي: "تلك عقليته، وذاك موقفه، وهو لا يزال مسكونا ببورقيبة الذي كان يشاء ما لا تشاؤه الأقدار"، على حد قوله.


ولفت الغيلوفي إلى أن "رئيس الدولة مقيد بطبيعة النظام السياسي، والمجتمع المدني في تونس استرد عافيته، وتخلص من تغول الدولة إلى حد كبير". 


علمنة شاملة


بدوره وصف الأكاديمي المغربي المتخصص في الفقه الإسلامي وأصوله، الدكتور الناجي لمين الرئيس التونسي بالسعي إلى "تحقيق هدفه في علمنة الدولة علمنة شاملة، وفي الوقت نفسه استفزاز حركة النهضة حتى يكون لها رد فعل قوي، ليدفع بها إلى مصر الإخوان بمصر".


وأبدى لمين تخوفه من "أن تحاول حركة النهضة إيجاد مبرر شرعي لما أقدم عليه الرئيس التونسي"، داعيا النهضة إلى أن "تترك الرئيس في مواجهة الشعب وجامعة الزيتونة"، ومحذرا من أن "تتولى النهضة أو بعض عناصرها وظيفة إنقاذ الرئيس بتبرير شرعي "بارد""، بحسب عبارته. 


وأشار الأكاديمي المغربي إلى أن "الرئيس التونسي كشف عن أوراقه، مدعوما بمناخ دولي مناسب، للإجهاز على ما تبقى من رسوم الشريعة".


ونوه بأنه "في حالة دخول القرار حيز التنفيذ فيجب إعادة النظر في منظومة الزواج أيضا، وذلك برفع الحيف عن الرجل بخصوص تحمل مسؤولية النفقة على الأولاد وعلى الزوجة، وتحمل تبعات الطلاق في حال كانت المطلقة فقيرة، ولم تتزوج برجل ثان"، منتهيا إلى القول "فالمساواة يجب أن تطبق في كل الأحوال الشخصية وليس في الإرث فقط". 


لا مرجعية دينية للدولة


من جانبه وبرؤية مغايرة رأى المدون والناشط الجزائري المهتم بالقضايا الإسلامية، عمار دريد أن "الإسلامية لا تتعلق بالدولة كإطار عام يضم الجميع، مسلمين وغير مسلمين تحت سقف المواطنة، التي هي نظام اجتماعي يحمي حقوق الجميع"، ذاكرا أن "الإسلامية يجب أن لا تتعدى الإطار الفردي للمواطن".


وأكدّ لـ"عربي21" أنه "لا يجب أن تكون للدولة مرجعية دينية، ولا ينبغي لها أن تكون، فالمرجعية الوحيدة للدولة هي القانون والدستور الذي ينظم حقوق المجتمع وواجباته". 


وتساءل دريد: "لماذا يجب أن تكون للدولة مرجعية دينية؟ وهل من ضرورة تستدعي ذلك؟"، مضيفا: "الدولة المدنية الحديثة لا تعترف بالمرجعية الدينية، وتونس اختارت خوض التجربة". 


وتعليقا على الحالة التونسية اعتبر دريد أن "الجديد فيها هو أن الرئيس يبحث وهو رجل سياسي حكيم عن عصرنة الدولة، وفصل نهائي للدين عن الدولة كما حدث في التجارب الغربية". 

 

اقرأ أيضا: "النهضة" تعلن موقفها من مبادرة السبسي للمساواة بالميراث

تجريد للدولة من إسلاميتها


وطبقا للباحث الشرعي المصري، علي ونيس فإن ما يدعو إليه الرئيس التونسي "يعد انسلاخا تاما من البقية المتبقية من أحكام الشريعة الصريحة المنصوص عليها في القانون والدستور، ألا وهو الأحوال الشخصية، أو "أحكام الأسرة"، إذ لم يبق في غالب الدول الإسلامية شيء يتحاكم الناس إليه من الشريعة بصورة صريحة سوى الزواج والطلاق والميراث". 


وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "وذلك بعد أن قُضي على بقية أحكام الشريعة بأن تعطل كالحدود والمعاملات وغيرها".

 

وأضاف: "وبهذا القرار الذي اتخذه السبسي يكون قد جرد الدولة من إسلاميتها تماما بعد أن جُرّدت من كثير من الأحكام في الحدود والمعاملات، مع أن العلماء نصوا على أن وظيفة الحاكم المسلم الأساسية هي: سياسة الدنيا بالدين الذي أنزله رب البشر، وليس سياسة الدنيا بالدستور الذي وضعه البشر". 


وحذر ونيس من أن إطلاق مثل هذه الدعوات "يدعو إلى التطرف من حيث يدري مطلقوها أو لا يدرون، إذ إن بعض الشباب قد يقدم على ارتكاب أفعال إرهابية ردا على مثل هذه الدعوات التي يرون أنها كفرية لما فيها من استبدال شرع الله بغيره".

التعليقات (1)
مواطن صالح و شريف.
الثلاثاء، 04-12-2018 09:24 م
لقد حاول من هو اشد و اجرم من هاذا الخرف السبسي (اتا ترك) سمح لنفسه في اخر ايامه هاذه ان يكون مطية في جهنم لبعض الكاسيات العاريات في تونس. لجميع العلمانيين عندنا لا تحاولوا اثارت الغبار على السماء لان الغبار سينثر عليكم وتبقي السماء صافية المحيا قال رب العزة (الله متم نوره ولو كره الكافرون).الله غالب.