قضايا وآراء

الضفة الغربية: تصعيد تحت السيطرة؟

عبد الناصر عيسى
1300x600
1300x600

برز في الأشهر الأخيرة عجز قوات أمن الاحتلال الإسرائيلي عن مواجهة أو ضبط منفذي العمليات الأخيرة والتي تسببت في وقوع العديد من الإصابات في صفوف الجيش والمستوطنين ومن أهمها عملية أشرف نعالوة في مستوطنة بركان نابلس وعملية إطلاق النار بالقرب من رام الله ثم عملية عوفرا التي أدت لإصابة 7 مستوطنين وكذلك عمليات الدهس والطعن المتفرقة في أنحاء الضفة فهل يشير هذا العجز إلى بداية وضع أمني جديد ليتلخص في تصعيد جبهة الضفة الغربية أم أنه تصعيد عابر وسيبقى تحت السيطرة؟ 


لم يخطئ الجنرال شيمّني قائد المنطقة الوسطى السابق في جيش الاحتلال عندما اعتبر قبل يومين أن الضفة الغربية هي الجبهة الأخطر من الجبهات الثلاثة الأخرى، أي سوريا ولبنان وغزة، على أمن ووجود المشروع الصهيوني.


وقد قصد بذلك قدرة الضفة على المس في أمن إسرائيل كما انتفاضة الأقصى سابقا والأهم برأيه قدرتُها على القضاء على حُلم دولة إسرائيل اليهودية والديمقراطية وتحويلها إلى دولة أبارتيد واضحة ومكتملة الأركان يمكن القول بأن هناك عوامل ثلاثة ستدعم وتشجع توجهات التصعيد والتوتر في الضفة الغربية وهي: أولا: محاولات فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس العمل باستمرار على تصعيد هذه الأوضاع كما يظهر بوضوح من إعلانات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية المستمرة عن اكتشاف خلايا ومجموعات يتم تجنيدها وتمويلها من قبل فصائل المقاومة وتحديداً خارج الضفة الغربية حيث اتهمت إسرائيل قيادة حماس في غزة و أحيانا في تركيا بالعمل بهذا الصدد إضافة إلى المبادرات الفردية الكثيرة والمتنوعة ومن أمثلة ذلك المطارد اشرف نعالوة الذي أصبح رمزاً للعمل الفردي المقاوم وقد يكون الأكثر إزعاجا وإرهاقا لأجهزة أمن إسرائيل.

 

أما العامل الثاني: فهو استمرار حالة الانسداد في ما يسمى بعملية التسوية السياسية وما ينجم عن ذلك من توتر في العلاقات السياسية بين السلطة ودولة الاحتلال وقد ظهر ذلك في الاتهامات المستمرة من قبل نتنياهو وحكومته لأبي مازن والسلطة بالمسؤولية عن العمليات الفلسطينية من خلال ما تقوم به السلطة من تحريض على الكراهية في وسائل إعلامها وكذلك استمرارها بدفع رواتب ومعاشات عوائل الأسرى والشهداء الفلسطينيين وقد ظهر ذلك أيضا من خلال عقوبات إسرائيل المالية التي فرضتها على السلطة الفلسطينية .


إن استمرار الانسداد السياسي يؤدي على الأرجح لتوتير الأجواء وتشجيع العمليات الفلسطينية، فمن جهة واحدة ستزداد قناعة الجماهير الفلسطينية بفشل مشروع المفاوضات والعملية السلمية في تحقيق آمال وأهداف وتطلعات الشعب الفلسطيني ومن جهة أخرى سيزداد التطرف الإسرائيلي تطرفاً كما ظهر في إعلانات المستوطنين وتحديدا في مستوطنة يتسهار نابلس بأن الرئيس أبو مازن المعتبر دوليا كرمز (للاعتدال) – هو  مخرب وإرهابي يجب استهدافه وتصفيته.


أما العامل الثالث فهو استمرار فشل أجهزة أمن الاحتلال في وقف موجة العمليات الأخيرة و التي شملت وفق الإحصائيات الإسرائيلية عشرة عمليات خلال ثلاثة أشهر، ومواجهة و إحباط 250 عملية منذ بداية 2018 و اعتقال أكثر من 400 فلسطيني و استمرار عجزها عن اعتقال أحد أبرز منفذي العمليات أشرف نعالوة، مما سيؤدي وعلى الأرجح لتشجيع الشباب الفلسطيني على المحاكاة والاقتداء بهذا النموذج المقاوم والناجح والذي استطاع أن يتجاوز وبنجاح كل قدرات إسرائيل الأمنية والتكنولوجية التي تتفاخر بها يوميا في مقابل هذا تبدو عوامل الضبط والكبح التي تستخدمها دولة الاحتلال في مواجهة التصعيد في الضفة ناجحة وفاعلة ومن أهمها استمرار التنسيق الأمني بينها وبين أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، وذلك على الرغم من كل عوامل التصعيد سالفة الذكر،وهو نجاح إسرائيلي نسبي، قد لا يستمر طويلاً ما تعززت عوامل التصعيد مع مرور الوقت وتراكم الأحداث .


تؤكد مصادر جيش الاحتلال ان سياسة الجيش في التفريق بين منفذي العمليات وبين بقية أبناء الشعب الفلسطيني قد كان لها أثرا بالغا في منع تدهور الأوضاع لانتفاضة واسعة، وذلك بناءا على الدرس المستفاد من التجربة السابقة و تحديدا سياسة رئيس الوزراء باراك في القمع والعقاب الجماعي في بداية رده على اندلاع انتفاضة الأقصى في العام 2000، ومع ذلك فقد تنهار هذه السياسة بسبب تزايد ضغوطات مواقف اليمين والمستوطنين المؤثرة بوضوح في الرأي العام الإسرائيلي والحكومة، وهي مواقف تطالب بالمزيد من القمع و الحصار و العقاب الجماعي كهدم البيوت وإغلاق المناطق الفلسطينية.


و هكذا تقف عوامل كبح التصعيد كالتنسيق الأمني أمام عوامل التصعيد كتزايد عمل الفصائل والأفراد ضد الاحتلال وجها لوجه، و سيحدد الصراع فيما بينهما شكل و توقيت وأدوات المواجهة الكبيرة المحتملة في الضفة الغربية.


0
التعليقات (0)