صحافة دولية

فيسك: هل يمكن لماي أن تتعلم من ديكتاتوريي الشرق الأوسط؟

إندبندنت: التأجيل الذي قررت ماي القيام به هو عادة سائدة بين الديكتاتوريون في الشرق الأوسط- جيتي
إندبندنت: التأجيل الذي قررت ماي القيام به هو عادة سائدة بين الديكتاتوريون في الشرق الأوسط- جيتي

نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للكاتب روبرت فيسك، يقول فيه إن تأجيل التصويت على مسألة ما، كما قررت ماي أن تفعل هذا الأسبوع، هو عادة سائدة بين الديكتاتوريين والملوك في الشرق الأوسط. 

ويقول فيسك: "هم دائما قلقون من أن يكسب الطرف الخطأ عندما تواجه الحكومة تصويتا، وذلك هو السبب الذي جعل الشاذلي بن جديد يؤجل الدورة الثانية من الانتخابات البرلمانية في الجزائر عام 1991، كان قلقا من أن يفوز بها الإسلاميون، لا يمكن الثقة بالشعب، ولذلك قرر أن يؤجل التصويت، ثم اضطر أن يستقيل، وانتهت الجزائر بحرب أهلية". 

 

ويعلق الكاتب قائلا: "أظن أن الفكرة واضحة، فأحيانا -وبالطبع خدمة (للمصلحة الوطنية)- ليس هناك بديل، ففي الجزائر كان يعلم ابن جديد جيدا من سيفوز في انتخابات 1991، ففي الدورة الأولى من الانتخابات في العام السابق فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ على المعارضة كلها، والجيش لن يتقبل هذا، ولذلك ألغيت الدورة الثانية، وكانت نهاية (الديمقراطية) ونهاية ابن جديد أيضا".

 

ويشير فيسك في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "حسني مبارك، الديكتاتور العربي المتبلد، وهو رجل سيئ سياسيا لكن ينظر إليه من أمريكا وأوروبا على أنه سبب (للاستقرار)، قام بتأجيل الانتخابات المحلية عام 2006؛ لأنه خشي أن تهدد الانتخابات البرلمانية بعدها، وكانت هناك شعبية كبيرة للإخوان المسلمين، ولا يمكن الثقة في الشعب، فيما قام ملك الأردن الملك عبدالله الثاني بتأجيل الانتخابات عام 2001 لعامين كاملين؛ بسبب التوتر السياسي الناتج عن الانتفاضة الفلسطينية الثانية. أي أنه لا يمكن الوثوق بالشعب".


ويقول الكاتب: "أما بالنسبة لـ(فلسطين) عندما أدلى الناس بأصواتهم فإنهم انتخبوا الناس الخطأ، حيث كان من المفترض أن يؤيدوا حكومة عباس في رام الله، والمدعومة من أمريكا، وليس إسلاميي حركة حماس في غزة، فلا يمكن الوثوق بالشعب، فماذا فعل عباس منذ ذلك الحين؟ أجل الانتخابات". 

ويستدرك فيسك بأنه "في حالة تيريزا ماي فإن الأمر مختلف، فتأجيل التصويت لا علاقة له بثقتها بالشعب من عدمه، فالبريطانيون، كما يتم تذكيرنا دائما، قد (قالوا كلمتهم)، وبريكسيت يعني بريكسيت. فالشعب في الواقع يمكن أن يوثق به، ويبدو أن مجلس العموم هو من لا يمكن الاعتماد عليه، إنه البرلمان ذاته الذي قد لا يلتزم بالوعد الرسمي للشعب بسبب تصويتهم على الاستفتاء". 

 

ويقول الكاتب: "ليست هناك حاجة للقول بأن الزعماء العرب يثقون ببرلماناتهم؛ لأنهم في الغالب يتلاعبون في الانتخابات، ولذلك لا نرى أيا من الفوضى والصراخ والتصرفات الخارجة عن الأدب في البرلمانات والمجالس في البلدان المسلمة في الشرق الأوسط، كما نشاهدها في مجلس العموم، فأعضاء البرلمانات العربية يصفقون لزعمائهم المحبوبين ويعشقونهم ويعبدونهم، والزعماء يخشون الشعوب فقط".

 

ويضيف فيسك: "كم تحب ماي هذه (الديمقراطية) البسيطة، فبالنسبة لها، الشعب البريطاني موحد، لكن البرلمان البريطاني هو الذي لا يمثلهم، حيث قالت لنا ذات مرة: (البلد تتوحد لكن البرلمان على عكس ذلك)".

 

ويلفت الكاتب إلى أن "الحكومات العربية قد تواجه بعض المعارضين والمجانين، لكن الأصوات – 88% أو 92% أو 98% لكل ديكتاتور، يمكنك اختيار أي منها- ستضمن البقاء لهم، فالتأجيلات والتلاعب في الأصوات سيضمنان ذلك، والمحاباة أيضا، مثل توفير الأموال التي ربما قد تكون قدمت لبلفاست لضمان تأييد الحزب الاتحادي الديمقراطي، لكن ذلك شيء بسيط مقارنة بالفساد البرلماني الحقيقي، ولذلك لا أحد في غرف (الديمقراطية) العربية يشتم الرؤساء أو المستبدين".  

 

ويؤكد فيسك أن "تيريزا ماي تشعر بالتعاطف مع الحكومة الإسرائيلية بسبب النظام البرلماني الفوضوي، التي عليها التعايش معه، ونظام التمثيل النسبي في التصويت، وهو ما يخلق عدم استقرار دائم، فقد تميل الحكومة الإسرائيلية إلى درجة كبيرة لليمين -وأحيانا حتى لليمين الفاشي- لكنها دائما تواجه خطر الانهيار، ولذلك يغير سياسيوها من طرف إلى آخر، أو يصبحون أكثر عنصرية أو عدوانية -أو، إن كانوا حقا ليبراليين، يخسرون مقعدهم في الحكومة أو الكنيست بسرعة- بعد الأنتخابات أو بينها".

ويبين الكاتب أنه "بالحديث عن بنيامين نتنياهو، فإن عددا من المؤرخين، على مستويات مختلفة من النزاهة في بريطانيا، أجروا حوارا حول ما إذا كان ويتستون تشرتشل سيكون مع أو ضد بريكسيت، وتركزت حججهم بشكل عام حول خاصتين متناقضتين من خواص تشرتشل، وهي أنه كان مؤيدا لفكرة الولايات المتحدة الأوروبية، لكنه أيضا كان مؤيدا متحمسا لفكرة السوق الحرة، وكان يتطلع إلى حضارة أوروبية وليس لبروكسل، لكنني أظن -ومن الصعب علي أن أقول هذا- فإن نتنياهو، الذي يعامل الفلسطينيين بسخرية قاتمة ومريرة، ولا يرغب في أن يرى دولة فلسطينية، ولذلك يحكم على إسرائيل أن تخوض المزيد من الحروب مع جيرانها، قد يفهم تشرتشل أكثر مما نفهمه نحن، بالتأكيد في سياق الاستفتاء وبريكسيت والأداء البائس لرئيسة الوزراء البريطانية، والبرلمان البريطاني والكارثة التي شرعت المملكة المتحدة بالسير نحوها". 

ويقول فيسك: "لأن نتنياهو مغرم بالاستشهاد بندب تشرتشل حول (عدم إمكانية تعليم البشر المؤكدة) وقام رئيس الوزراء الاسرائيلي بتعريف هذا القول في الأمم المتحدة على أنه (عادة المجتمعات المتحضرة أن تنام حتى يقارب الخطر أن يجتاحها)، لكن نتنياهو كان يستخدم كلام تشرتشل ليدعم أوهامه حول إيران و(القوى الإرهابية) التي يمكن لحلفاء إيران أن يطلقوها، وما كان يتحدث عنه تشرتشل هو في الواقع إعادة التسلح الألمانية عام 1935".

 

ويستدرك الكاتب قائلا: "لكن قد تكون هذه هي اللحظة لأعضاء البرلمان البريطانيين -وهذا يتضمن رئيسة وزرائنا- ليستعيدوا في أذهانهم ما قاله تشرتشل عن (عدم إمكانية التعليم) في مجلس العموم في 2 أيار/ مايو من ذلك العام: الافتقار إلى البصيرة، وعدم الاستعداد للفعل عندما يكون الفعل بسيطا وفعالا، ونقص التفكير الواضح، وتضليل المستشار حتى الوقوع في الطوارئ، وحتى يدق حدس الحفاظ على النفس ناقوسه الرهيب فإن هذه هي الملامح التي تتكرر بلا نهاية في التاريخ".  

 

ويتساءل فيسك قائلا: "هل سيسمع (الناقوس الرهيب)؟ وقد يتعلق الأمر كثيرا بـ (الحفاظ على النفس) لكن تصويت المحافظين الفاشل يوم الأربعاء لسحب الثقة لم يدق أي نواقيس، ولا نجاة رئيسة الوزراء، ولا المؤامرات السرية لحزب المحافظين التعيس، وبالتأكيد ليس كوربين، الذي اختار البقاء سياسيا على أن يصبح رجل دولة".

 

ويختم الكاتب مقاله بالقول: "إنها ليست ألمانيا التي تعيد التسلح اليوم، لكن ربما يكون الناس، ولذلك فإن استفتاء ثان –الناقوس- يجب أن يؤجل، ربما إلى الأبد، وسيؤيد هذا الديكتاتوريون العرب".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)