قضايا وآراء

مصر: مشروع لدسترة الاستبداد والتنازل عن الأرض .. ما دوركم ؟

أسامة رشدي
1300x600
1300x600
يتعامل المستبدون مع الدساتير كما تعامل كفار قريش مع آلهة العجوة: يعبدونها حتى إذا جاعوا أكلوها!!

فقد بدأ التمهيد العلني مؤخرا في مصر لإجراء تعديلات دستورية مرتقبة؛ تستهدف إطالة مدة الرئاسة وفتح إمكانية ترشح الرئيس لمدد مفتوحة، لا يحدها إلا الموت، وربما لو تمكنوا من أن يحكمونا من قبورهم لما تأخروا في النص على ذلك في الدستور!!

فلا تزال تكتيكات السيسي كما هي؛ يُزعم أن الجماهير هي من تطالبه بأن يحكمها مدى الحياة، وهم (مؤيدو السيسي) من يطلقون الحملات الإعلامية ويجمعون التوقيعات الوهمية بالملايين؛ ترجوه "كمل جميلك" كما في حملته الأولى، أو "عشان تبنيها" كما في حملته الثانية، والآن يطالبون برلمانه الصوري بتعديل المادة 140 من الدستور التي تحدد مدة ولاية الرئيس بأربعة أعوام، ولا تجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة (ما يعني انتهاء فترته الثانية في أيار/ مايو 2022) ليبقى مدى الحياة.

في المخابرات المصرية، يعكف الآن عدد من ترزية التعديلات الدستورية على صياغة التعديلات المقترحة، تمهيدا للدفع بها في الأشهر المقبلة، في الوقت الذي بدأت فيه حملات النفاق والتطبيل. ومؤخرا لجأ بعض المواطنين "الشرفاء" من اتباع السيسي لإقامة دعوى قضائية أمام محكمة الأمور المستعجلة، للمطالبة بالزام رئيس البرلمان بدعوة المجلس للانعقاد لتعديل نص المادة 140 من الدستور؛ لإعادة انتخاب السيسي لمدد أخرى، نظرا لما وصفوه بحجم المخاطر والتحديات والأضرار الاقتصادية والأمنية التي مرت بها البلاد وما زالت تمر حتى الآن، إلى جانب أن هذه المادة فيها حجر على إرادة الشعب الذي هو مصدر السلطات، وهي بدعة أرادت اللجنة التأسيسية للدستور وضعها كمحاكاة للبلاد الغربية (!!)، رغم اختلاف ظروف كل دولة عن الأخرى، على حد زعم الموطنين الشرفاء (!!).

فالتبادل السلمي للسلطة (كما حلم الشعب المصري في ثورته) بات بدعة غربية "باطلة"، أما الاستمرار في الحكم مدى الحياة فهو سنة المستبدين الواجب اتباعها!!

وقد حددت المحكمة غير المختصة بالنظر في هذه القضية؛ جلسة 23 كانون الأول/ ديسمبر الجاري للنظر في هذه الدعوى، على الرغم أن الدستور الذي أقسم السيسي على احترامه قد نص في المادة 226 على إجراءات تعديله. وزيادة على ذلك، فقد أكدت هذه المادة في فقرتها الأخيرة على أنه "وفي جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية"، أي أن هذا النص "فوق دستوري" ولا يجوز المساس به، ولكن أنى يكون للمستبدين عهد أو ذمة أو أمان.. تجدهم يزعمون الآن أن الدستور ليس قرآنا، والأكيد أنهم لو كانوا يستطيعون تغيير القرآن لغيروه وحرفوه أيضا!!

وإن كنت أستبعد تماما أن تفاجئنا هذه المحكمة المستعجلة التي دأبت على إصدار أحكام مسيسة على خلاف القانون؛ بإصدار حكم شاذ يدعم ترشح السيسي لمدد أخرى، على غرار أحكامها السابقة - رغم عدم اختصاصها - في قضية صحة اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية التي جرى فيها التنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير"؛ بالمخالفة لأحكام قضاء مجلس الدولة صاحب الاختصاص الأصيل في النظر بالدعاوى المتعلقة بالتوقيع على الاتفاقية.. فإن خلاف ذلك يعني تطبيق النموذج الهندوراسي، فقد سمحت محكمة الانتخابات في هندوراس للرئيس "خوان أورلاندو إيرنانديز" الذي يسيطر على الجيش والشرطة والقضاء، بإعادة الترشيح للانتخابات الرئاسية، وقدمت تفسيرا جديدا لدستور 1982 يسمح بإعادة ترشيح الرئيس، على الرغم من النص على منع الرئيس من إعادة انتخابه، بل إن الجيش الهندوراسي نفسه نفذ انقلابا عسكريا عام 2009 ضد الرئيس "مانويل ثيلالا" لمنعه من تعديل الدستور بما يسمح له بإعادة انتخابه (!!).

وبغض النظر عن فعلهم ما نهوا عنه من قبل، فالاعتذار واجب لهندوراس التي على الرغم من الفقر والعنف الذي يسودها، فقد أجرت بالفعل العام الماضي انتخابات تنافسية تحت إشراف دولي ولم يعتقل الرئيس منافسيه الحقيقيين ويأتي بكومبارس لاستكمال الشكل، كما فعل السيسي قبل أشهر قليلة.

والسيناريو الأخطر هو ما يجري حاليا من صياغة تعديلات لن تقف عند مدد وفترات الرئاسة فقط، ولكنها ستعمد لدسترة الفاشية العسكرية ولتكريس الاستبداد. فما يتم تداوله الآن من أنباء تكشف أن التعديلات الدستورية على دستور 2012 والمعدل عام 2014، بموجب القرارات التي أعلنها السيسي في بيان الانقلاب في 3 تموز/ يوليو 2013 ونفذتها ما تسمى بلجنة الخمسين، ستعصف بمنظومة الحقوق السياسية والمدنية والديمقراطية، وتعمد لدسترة الإجراءات الاستثنائية التي شرعت مؤخرا كقوانين الإرهاب، والكيانات الإرهابية، وقانون مصادرة الأموال الخاصة، ولتعزيز سلطة الرئيس في التعيينات والعزل للهيئات القضائية والمجالس المستقلة بما في ذلك منصب شيخ الأزهر الذي تحصنه المادة 7 من العزل، ولفتح مدة إعلان حالة الطوارئ بلا قيد، بالإضافة لتغيير المواد المتعلقة بنظام الحكم وتعديل النظام "شبه الرئاسي" الذي اعتمد في دستور 2012، وجرت المحافظة عليه في دستور 2014، إلى نظام رئاسي استبدادي يعزز صلاحيات الرئيس على حساب كل مؤسسات الدولة.

والأخطر من ذلك أيضا، دسترة التنازلات عن الأرض والحدود، تمهيدا لشرعنة التنازل عن أراضي في شمال سيناء في ما يعرف بصفقة تبادل الأراضي مع الكيان الصهيوني لإقامة غزة الكبرى، كجزء من صفقة القرن التي يجري التخطيط لها.

فقد استندت المحكمة الادارية العليا في حكمها البات الصادر في 21 حزيران/ يونيو 2017، والذي جرى الالتفاف عليه بالبلطجة والإجراءات الباطلة، على كل من المادة الأولى والمادة 151 من الدستور؛ للحكم ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، والتي تنازل فيها السيسي عن جزيرتين استراتيجيتين كانتا تحت السيادة المصرية لقرون طويلة. ويتوقع أن تستهدف التعديلات هذه المواد لفتح الطريق أمام تمرير المشاريع التي يفرضها السيسي ويغتصب بها حدود مصر.

فتنص المادة الأولى على أن "جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، أو النزول عن شيء منها".

وتنص المادة 151 في فقرتيها الثانية والثالثة على: "يجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلاّ بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة".

وليس مستبعدا أن يستخدم السيسي موضوع صفقة القرن ودسترة التنازل عن الأرض؛ كمبرر في وجه أي اعتراضات دولية قد تثار ضد العبث بدستور لم يطبق بعد.

فالدستور كتب بنية حسنة، والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة، كما قال السيسي من قبل. فالدول في شرعته تبنى بالخداع والانقلاب والاستبداد، وبتقسيم الشعب، وتبني المشاريع التي لم تدرس جدواها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ولا أولويات الإنفاق عليها؛ لان دراسات الجدوى ستعيق الإنجاز، كما قال طبيب الفلاسفة.

هذه التعديلات تضع الشعب المصري كله أمام تحد كبير؛ لأنها تتجاوز حتى حدود الاستهداف لفصيل بعينه، فتستهدف مصر كدولة وكوطن، وستستهدف كل حلم المصريين بالحرية والكرامة الإنسانية.. فماذا نحن فاعلون؟
التعليقات (0)