كتاب عربي 21

حكم وأقوال سكرها زيادة

أحمد عمر
1300x600
1300x600
تقول الحكاية الطريفة: إن جحا القرن العشرين، عزيز نسين، زار قرية، فوجد عنزات بثلاث قوائم لدى كثير من أهلها، فسأل عن علة العنز، فقال له أهل القرية: ليس لدينا برادات، وهذه هي الطريقة المثلى لحفظ اللحم طرياً وزكيّاً، وكلما قرموا إلى اللحم قطعوا ساقاً من سيقانها!

وقد وجد رعاة عنزات التواصل الاجتماعي التي تتسلق أشجار الشهرة، في هذا المذهب، طريقة لقول الحكم والأمثال التي فيها كثير من جلد الذات والتبكيت وتحريف سفن المعاني عن موانئها، والتي تدرُّ لبن الإعجابات، والقلوب الحمراء، وهي إضلال مبين.. مثال ذلك قولهم: إن نيوتن جلس تحت شجرة فسقطت عليه تفاحة، فاكتشف قانون الجاذبية، ولو كان عربياً لأكل التفاحة وأكمل نومه. والحق، إن العرب اكتشفوا قانون الجاذبية قبل نيوتن، وهم أول من اكتشف الجاذبية، وأول العلماء، هو العالم أبو الريحان البيروني المولود سنة 973م، والذي أشار لوجود الجاذبية في كتاب "القانون المسعودي"، ويليه الإدريسي المولود سنة 1100م، في كتابه "نزهة المشتاق"، والخازني المولود سنة 1115م، في كتابه "ميزان الحكمة"، وأخيراً جاء العالم وحيد قرنه وزمانه إسحاق نيوتن المولود سنة 1643، متأخراً عنهم بستة قرون، وأوهى قرنه الوعل، ولو كان تلميذاً لطلب منه المدرس أن يحضر معه ولي أمره.

واكتشف العرب الذين يأكلون التفاح تحت ظلال الزيزفون، ويفضلون عليه الرطب جنيا؛ لما له من فوائد سحرية، كروية الأرض قبل غاليليو بقرون، وآيات كثيرة في القرآن الكريم تشير إلى كروية الأرض وإلى الجاذبية، ليس هذا محلها، وبلغت شجاعة غاليليو عتبة شجاعة عنترة في المعارك عندما قال همساً بعد محاكمة بالهرطقة، في أذن الشرطي الذي اقتاده: إنها تدور. دوران الأرض كان هرطقة وتجديفاً عند الكنيسة التي تحكم أوروبا.

والمثال الثاني على تصدّر العنزة العرجاء ملكة لجمال الحيوان في أزقة فيسبوك، سابقةً الطاووس واللاما والخيل التي سماها العرب "بنات الريح"، هو قول القائل المسجوع: "إن إطعام جائع خير من بناء ألف جامع".. وهذا قول ليس للعلمانيين العرب، وهو يذكر في غير سياقه، إضلالاً، والأرض أصلاً كلها طهور، "وجعلت لي الأرض مسجدا". قال أبو نعيم في الحلية: كَتَبَتِ الْحَجَبَةُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يَأْمُرُ لِلْبَيْتِ بِكِسْوَةٍ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ: "إِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَجْعَلَ ذَلِكَ فِي أَكْبَادٍ جَائِعَةٍ فَإِنَّهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنَ الْبَيْتِ"، وينسب قول مثله لعمر بن الخطاب: "بطون المسلمين أولى من أن أكسو الكعبة بالحرير".

والمثال الثالث على التمثيل بالعنزة الحية، هو المرحاض، وتقول الحكمة التي لاقت إعجاباً كبيراً بالربا، وانتشرت على الصفحات كملكة لجمال الأقوال السياسية، وهي: "إن الفرق بين المرحاض العربي والمرحاض الإفرنجي كالفرق بين الحاكم العربي والحاكم الإفرنجي".. الحاكم العربي ثابت وراسخ مثل المرحاض العربي لا يمكن تغييره، والحاكم الإفرنجي مشدود ببراغي ويمكن تغييره وتجديده. وهو كلام جميل وكلام معقول "ما اقدرش أقول حاجة عنه".. فيه هجاء موفق للحاكم العربي، لكنه يظلم المرحاض العربي، الذي ذكرت دراسات علمية ألمانية موثقة أنه أكثر صحة وعافية للبدن من المرحاض الإفرنجي، من غير أن تذكر الدراسة أن المرحاض العربي يوجب الماء في الاستنجاء، وهذا سبب آخر في مدح المرحاض العربي.

والمثال الرابع المستوحى من ساق العنزة، هو المنشور الذي ساد وانتشر، ويقول: إن العربي المعاصر يحمد الله أن العرب لم يفتحوا أوروبا، وسقطوا على أعتاب فرنسا، وإلا حرمونا من بلاد نلجأ إليها، وهو قول جميل مضحك مثل العنزة مقطوعة القائمة، لكنه يجانب الصواب عقلاً ومنطقاً. فمؤرخو أوروبا ندبوا حالهم وتمنوا لو أن الأندلس فتحها العرب منذ زمن وبقوا فيها، كما نتمنى الآن لو بقي الاستعمار بدلاً من هذه السلطات الغاشمة، وأن هؤلاء الذين يحكموننا هم صنائع الاستعمار، أو الاستخراب في صحيح الاصطلاح، الذي أخفق في احتلالنا، ونجح في تنصيب هؤلاء الحكام العتلاء الزنيمين علينا. خذ مثال قاتل خاشقجي، الذي لم تجد تركيا طريقة لجره إلى قفص الاتهام غير تحريض الصحافة الأمريكية عليه. قلع هذا الخازوق الذي دق بأسفلنا من شرم الشيخ إلى سعسع، يصعب اقتلاعه إلا بكلبُتان صاحب المطرقة نفسه. والكلبتان هي آلة نزع المسامير.

نصف حقيقة كذبة كاملة، كأن تقول: لا تقربوا الصلاة، وتسكت، كأن تقول: "لا إله"، وتسكت، أو تقول: لا إله إلا الله ، ولا قائد إلا الأسد . وهناك طبعاً أقوال حسنة يروّجها تجار بضائع المدينة الزرقاء، فأجدها على صفحتي سيارةً سنة كاملة، وأحياناً لسنوات، تباع مجاناً؛ لأن بعضها يصل القرى البعيدة في فيسبوك متأخراً بسبب عدم تعبيد الطرقات، ووحشة الطريق، وقلة الزاد.. منها قول برتراند راسل، وأرجو أن يكون الكلام له؛ لأن بعض الناس يدرك أنّ الحكمة أقوى وأشد إذا نُسبت إلى المشاهير: لا تخوفني بالجحيم حتى تجعل لي أخلاقا حميدة. وأن السماء لو أمطرت حرية لرأيت العبيد يحملون المظلات. عادة العبيد فقراء، وليس لديهم مظلات!

وهناك أقوال شعبية تستهزئ من الجَمل، وقد قال الله عنه: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإن الأسد هو ملك الغابة، والأسد لا يعيش في غابات، إن الوطن هو حضن، وهو في الحقيقة جزمة، وصندوق تحيا مصر تابوت حقيقي، ونجد أقوالاً حكيمة للرؤساء العرب، مثل قول بشار الأسد المالك الحصري للقومية العربية: "القوميات التي قاتلت مع الجيش السوري، كالأرمن، صارت جزءاً من القومية العربية".. لنتذكر أنه صاحب نظرية التجانس التي كان رائدها هتلر. هذه الأقوال كلها كذب، فيه سكر زيادة، فاحذروا الأبيضين: ترامب وبوتين.

أذكّر القارئ الكريم بأن "الوطن حضن"، وليس طرفاً من أطراف العنزة. الوطن يذكر بالحكمة القائلة: إن الطيور التي تولد في القفص تظنُّ أن الطيران جريمة. وقد حصل معي أني أطلقت طيورا حبيسة فطارت؛ لأن الحريّة فطرة وغريزة، وأختم بعبد الحليم حافظ، الذي غنّى نادباً:

حلـو وكداب ليه صدقتـك
الحق عليّ اللى طاوعتـك
0
التعليقات (0)