قضايا وآراء

أين المشكلة؟

هشام عبد الحميد
1300x600
1300x600
تتعالى الأصوات بالإدانة والاستنكار والذم والهمز واللمز، إضافة للشك والنقد، لما دُرِج على تسميته بالفن الهابط الرخيص، في حقول التعبير المختلفة.

تزداد هذه الأصوات شراسة، وتصل لحد الاستهزاء والسخرية والاحتقار لأصحاب وأبطال هذا النوع من الفن، وبخاصة عندما يُصيبهم سهم النجاح والانتشار، ويصبحون على نحو ما.. ممن يُشار إليهم بالبنان.

القائمة طويلة: تحتوي على سبيل المثال لا الحصر: شعبان عبد الرحيم، وأحمد عدوية؛ الذي حُورِب في حالات عدة، ولم يعترفوا بمواهبه وبأغانيه الشعبية في البداية، ثم نجح نجاحا جماهيريا هائلا فيما بعد، ليس في مصر وحدها، وإنما في العالم العربي أيضا. الأمثلة كثيرة عن فنانين آخرين، حيث كانت تُذكر أسماؤهم مشفوعة بالسباب واللعنات، بل والمطالبة بمحاكمتهم وسجنهم كعقاب رادع لمن تُسوّل له نفسه إفساد قيّم الشعب الجميلة.

ولكن هل حقا هؤلاء وغيرهم يجب تحميلهم المسؤولية عن إفساد ذوق الشعب المصري؟ أم أن هناك جوانب أخرى يُغفلها المتشنجون عن قصد وجهل أو عن عمد؟

دعونا ننظر نظرة موضوعية حولنا، لنرى أن العالم كله يوجد فيه فن هابط ورخيص، إضافة للفن الجيد والرفيع. ومستويات الفنون هذه لا تتعامل فيها سياسات ومؤسسات الدول المتطورة، على أساس المُحاربة والشجب والحملات العشوائية، التي تُضيّق الخناق على صاحب هذا العمل، وترفع حدة القبضة على ذاك.

لا أعتقد أنه في ذلك العالم المتطور تسيد وتميد يد الرقيب على هواها فائرة، بنوع من التعسف المشفوع بالأحكام الجائرة، بادعاء أن هذه الأغنية أو تلك المسرحية أو اللوحة تُسيء للذوق العام، وتُفسد الخلق عند الأجيال.

صحيح أن لدى تلك الدول ميولا أقوى لدعم الفن الرفيع والأكثر جدية، ولكن أيضا لم تقف المؤسسات المعنية في تلك الدول حائلا أمام فنون المتعة والتسلية الرخيصة، ولم تطلق الحملات الشعواء والمحاكمات ضد من لا يأتي على هواها من الفنانين وفنونهم.

لم نسمع في تلك الدول برقابة على أعمال لا ترقى إلى المستوى المطلوب. ثم من قال إن مقاييس الفن الراقي الموضوعية، متوفرة في بلادنا ومعافاة من نزعات التعصب والشوفينية، التي تتبع الولاءات والانتماءات؛ التي تصل لحد البلطجة أحيانا، بل غالبا.

تلك الدول تتبع سياسة الحرية لتخلق التوازن المطلوب. هناك الغث والسمين في الفنون، والجمهور هو الذي يختار، لذلك يسقط العمل الهابط فعلا لأنه لم يرق إلى ذائقة الناس، وليس لأنه حسب ذوق من يملك زمام سلطة اللطم أو التطبيل، متذرعا بأن ذلك يفسد الأجيال، وبأحسن الأحوال العويل على ضياع الفن القديم الرفيع، الذي قُتل على يد أشرار الفن الهابط.

أحلم بيوم أصحو فيه على قرارات لمؤسسات راقية، تعي الشروط الموضوعية لارتقاء الفنون.. مؤسسات حقيقية لدعم الفنون الجميلة الرفيعة، في مصرنا الحبيبة.. قرارات جادة تختص بالعناية الفائقة بدعم الكوادر وتدريبها وكشفها، لتصبح قادرة على أن تقف بوجه الفنون القبيحة والرخيصة.

أحلم أن أصحو على مؤسسات تستطيع أن ترى بأفق واسع؛ أين يكمن بالفعل سبب الارتقاء وسبب التردي.. حتى لا أجدني أفيق لأجد نفس المشكلة.
التعليقات (0)