قضايا وآراء

رسالة تهنئة وتعاطف إلى أصدقائي الفتحاويين

ماجد عزام
1300x600
1300x600

فكرت في تهنئة إخواني وأصدقائي الفتحاويين، خاصة في قطاع غزة، بذكرى انطلاقة الحركة، إلا أنني وجدت أن التهنئة وحدها لا تكفي.. الأمر يحتاج إلى إبداء التعاطف أيضاً في ظل ما يعانيه الفتحاويون، تحديداً في قطاع غزة.

لا يمكن إنكار الدور الكبير والريادي الذي قامت به حركة فتح في الثورة الفلسطينية المعاصرة. هي أول الرصاص، وأول الحجارة، وبالمعنى الرمزي والتاريخي قادت منظمة التحرير سنوات طويلة إلى العديد من الانتصارات والانكسارات أيضاً، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل الدور القيادي المركزي للحركة في القضية الفلسطينية التي احتلت عناوين الصحف وأجندة السياسة الإقليمية الدولية، بقيادة فتحاوية لعقود أيضاً.

إلا أن ذلك لا يعني بالتأكيد تجاهل أو إنكار الواقع الحالي الذي تعيشه الحركة كحزب لسلطة ما زالت تحت الاحتلال، حزب تحول في أحسن الأحوال إلى نسخة فلسطينية من حزب جبهة التحرير الجزائرية (التي قادت الثورة ضد الاستعمار الفرنسي ثم البلد نفسه لعقود بعد الاستقلال)، حزب مترهل فاسد مستبد. وهنا، فإن محمود عباس يشبه تماماً الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تحديداً بصورة الروب دي شامبر الشهيرة في مستشفى رام الله شهر أيار/ مايو الماضي.

 

لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل الدور القيادي المركزي للحركة في القضية الفلسطينية التي احتلت عناوين الصحف وأجندة السياسة الإقليمية الدولية


ولا أشك لحظة كذلك في أنه في بيئة ديمقراطية شفافة ونزيهة؛ كانت الحركة الرائدة لتتحول إلى نسخة فلسطينية من حزب العمل الإسرائيلي المترهل الهرم الهامشي؛ الذي تعرض - وما زال - لانشقاقات عديدة في السنوات الأخيرة، رغم أنه الحزب المؤسس للدولة العبرية وقادها لثلاثين عاماً احتل أربعة أخماس فلسطين التاريخية في النكبة الأولى 1948، ثم البلد كلها في النكبة الثانية 1967 (إضافة إلى الجولان وسيناء)، هو وضع أسس المشاريع الاستراتيجية (العسكرية الاستيطانية) للدولة العبرية، ولا أحد من قيادته أو أعضائه يتباهى بالحديث عن اللبنة الأولى والمعركة الأولى، وبالأحرى المجزرة الأولى ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية.

عموماً، يحيي الأخوة والأصدقاء الفتحاويون ذكرى انطلاقتهم في ظل استقطاب فلسطيني سياسي حزبي تنظيمي حاد، وقد بدت العاطفة طاغية على احتفالاتهم هذه السنة. ومن هنا، وبعد تهنئتهم طبعاً بالذكرى (عاشت الذكرى كما يقولون)، أود الإعراب عن التعاطف معهم أيضاً لثلاثة أسباب رئيسية؛ كونهم يعيشون مرارة الانقسام الوطني العام بين فتح وحماس، كما مرارة الانقسام الحزبي الفتحاوي الداخلي، ثم المرارة أو الصدمة من موقف نظام السيسي المحبوب لديهم تجاه القضية الوطنية بشكل عام، والانقسام والخلاف مع حماس بشكل خاص.

الفتحاويون يعانون ألم ومرارة الانقسام الوطني السياسي الجغرافي العام، بين فتح وحماس وبين الضفة الغربية وغزة. الأمر يتعلق طبعاً بالشعور بالهم الوطني لديهم، وتأثير الانقسام المدمر على القضية الجامعة، إضافة إلى المعاناة من ممارسات سلطتي الاستبداد في رام الله غزة ضد بعضهم البعض، والمتمثلة بحملات الاعتقال والملاحقات والتضييق على الأنشطة السياسية الحزبية في المنطقتين.

 

الفتحاويون يعانون ألم ومراراة الانقسام الوطني السياسي الجغرافي العام، بين فتح وحماس وبين الضفة الغربية وغزة


الفتحاويون يعيشون كذلك مرارة الانقسام الحزبي الداخلي بين تيار الرئيس عباس الرسمي والمركزي، وتيار القيادي المفصول محمد دحلان.. هي مرارة قد تكون أشد مضاضة ووطأة عليهم؛ كون الانقسام عاصف في داخل البيت الحزبي الواحد بين الأهل الأشقاء والأصدقاء.

المرارة الثالثة غير معلنة، أو تكاد تكون غير مرئية للبعض، كون الفتحاويين لا يعبرون عنها أو يتناقشون فيها علناً، وتتمثل بالموقف من نظام السيسي الانقلابي في مصر الذي دعمه الفتحاويون من اللحظة الأولى، واصطفوا خلفه من الجدار للجدار؛ لعدة أسباب فكرية وسياسية، منها أن فتح تصرفت باعتبارها جزء من الطبقة السياسية أو الأحزاب السلطوية العربية التي اندلعت ضدها الثورات؛ التي كانت كفيلة بحدوث تغيير كامل في المشهد السياسي العربي لصالح خصومهم الإسلاميين، وربما نتيجة المماحكات والمكايدات مع حماس، واحتفال هذه الأخيرة المبالغ فيه بفوز الرئيس السابق محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية (2012) الشعور أنه كان منحازا إلى حماس وسلطتها في غزة على حساب فتح وسلطتها في الضفة، كما تبدى مثلاً من حرب 2012 التي نجح في وقفها بعد أسبوع واحد فقط، لكن بتجاهل تام للرئيس عباس وسلطته، رغم أن الحجة كانت السعي لإيقاف الحرب بأسرع وقت ممكن عبر العودة لتفاهمات حرب 2008 التي توسط فيها النظام السابق، بمعرفة واطلاع عباس وسلطته.

والآن، فإن الفتحاويين يعرفون أن السيسي هو عراب صفقة القرن، ويسمعون ما يقوله قادتهم في المجالس الخاصة، كما سمعوا علناً ما جاء على لسان عضو اللجنة المركزية القيادى جبريل الرجوب في تسريبه الشهير. وهذا بالتأكيد يغضبهم ويستفز شعورهم الوطني؛ كون صفقة (أو صفعة القرن) المتورط فيها (بل أحد عرابيها) السيسي؛ هي وسيلة لتصفية القضية، كما يقول صائب عريقات،و لا بد من مواجهتها حتى الموت، كما يقول الرئيس عباس أيضاً.

الفتحاويون يعرفون (أيضاً ويلمسون) ما يقوله قادتهم في مجالسهم الخاصة، وما تقوله الصحافة الإسرائيلية علناً عن أن نظام السيسي متورط في سيناريو إسرائيلي شيطاني لتقوية وإبراز حماس، ضمن خطة شيطانية مركبة ومعقدة تلحظ إضعاف الطرفين (فتح وحماس)، وبث الفتنة بينهما، وصولاً إلى إبقاء، بل تأبيد الانقسام بين الضفة غزة، في سياق تهيئة الأرضية أمام تمرير صفقة القرن سيئة الصيت، وهو ما يستفز ويجرح الحس الوطني، وحتى الحزبي، لديهم.

 

صفقة (أو صفعة القرن) المتورط فيها (بل أحد عرابيها) السيسي؛ هي وسيلة لتصفية القضية، كما يقول صائب عريقات،و لا بد من مواجهتها حتى الموت، كما يقول الرئيس عباس أيضاً.

ومع ذلك، فهم لا يجرؤون على البوح؛ لأن ثمة تعليمات رسمية وحزبية من قيادة الحركة بعدم انتقاد النظام المصري علانية، وهم يعرفون كذلك على المستوى الإنساني والسياسي ثمن انتقاد النظام البشع، شريك الاحتلال في حصار غزة، والمتحكم بعديد من مناحي الحياة فيها، بما فيها الحرية الأساسية المتعلقة بالسفر والتنقل.

رغم كل ما سبق، وبسببه ربما، خاصة في ما يتعلق بغياب الديمقراطية وقواعد الحكم الرشيد وطبيعة الواقع الذي تعيشه السلطة الفلسطينية التي غادرت مربع التحرر الوطني، دون أن تصل إلى مربع الدولة والاستقلال. وبسبب الاستقطاب والانقسام الحاد الحزبي والسياسي، ما زالت فتح تتمتع بشعبية واضحة.. هي لم تعد طبعاً التنظيم القائد أو المركزي بعدما لم تنل في الانتخابات الماضية، ولن تنال في أي انتخابات تنافسية ونزيهة قادمة النسبة التي تمكنها من الحكم منفردة، إلا أن الفتحاويين خاصة، الإخوة والأصدقاء منهم، يستحقون تهنئتنا، وبالتأكيد تعاطفنا أيضاً.
التعليقات (0)