قضايا وآراء

الهرولة إلى سفاح دمشق

أميرة أبو الفتوح
1300x600
1300x600
بدأت تخرج علينا بعض التصريحات من هنا وهناك؛ عن ضرورة عودة سوريا إلى الحضن العربي، لتملأ مقعدها الشاغر في جامعة الدول العربية بعد غياب دام سبع سنوات؛ كانت بالنسبة لهم سنوات عجاف! علقت فيها الجامعة العربية عضوية سوريا بعد أن سقط شرعية النظام بالمجازر الذي ارتكبها بحق شعبه وتدميره لبلده!

ثماني سنوات هي عمر الثورة السورية المظلومة التي تآمر عليها القريب قبل البعيد.. لم تقدم أي ثورة في العالم على مدار التاريخ، كم التضحيات التي قدمتها الثورة السورية من دماء أبنائها.. مليون شهيد ومئات الآلاف ما بين معتقل في سجون السفاح الظالم؛ وبين مطارد ولاجئ ومهاجر خارج وطنهم!

ولكن القوم تغاضوا عن كل ذلك، فهم في شوق جارف لعودة السفاح القاتل "بشار الأسد" إلى جامعة الدول العربية بعد إعادة تأهيله!! ومَن الذي تقدم بهذا الطلب؟! إنه الكيان الصهيوني.. ولا عجب في ذلك، فهذا النظام الأسدى، منذ أنشأه حافظ الأسد بعد أن سلم الجولان للصهاينة على طبق من ذهب في هزيمة حزيران/ يونيو 1967.. أنشأه كي يكون حرس الحدود للكيان الصهيوني والحامي له. فمنذ أكثر من 45 عاماً لم يطلق هذا النظام رصاصة واحدة على العدو الصهيوني؛ الذي يحتل أرضه، وعندما يعتدي عليه بطائراته وصواريخه التي وصلت ذات مرة إلى القصر الجمهورى، وكان آخرها (وبالطبع ليست الأخيرة) الأسبوع الماضي باعتراف نتنياهو، رئيس الوزراء الصهيوني، لا يرد بالمثل، وخاصة أنه يروج لنفسه على أنه النظام الممانع والمقاوم الوحيد في الدول العربية، ولكنه يزعم أنه سيرد في الوقت المناسب الذي لا نعرف متى يحين حتى الآن!!

حسب موقع "ميدل أيست أي"، فإن هناك خطة خليجية إسرائيلية مشتركة لإعادة تأهيل بشار وإعادته للجامعة، وذلك بهدف تهميش النفوذ الإقليمي لتركيا وإيران. وكما ذكر الموقع، فإن رئيس الموساد "يوسي كوهين" اجتمع سراً الشهر الماضي بكبار المسؤولين في أجهزة المخابرات من ثلاث بلدان عربية (السعودية والإمارت ومصر) لمناقشة سبل مواجهة النفوذ التركي في المنطقة، حيث اعتبر كوهين أن التهديد الحقيقي والخصم العسكري الرئيسي هي تركيا وليس إيران، حيث أن إيران قوتها هشة، بينما تركيا لديها قدرات أكبر بكثير. وناقش المجتمعون خطة معينة، الهدف منها مواجهة النفوذ التركي وانتهوا إلى ضرورة عودة الأسد بعد تأهيله إلى الجامعة العربية!

وقد يتساءل البعض: لماذا يخشى الصهاينة الإسرائيليون وصهاينة العرب من تركيا، وهي عضو في حلف الناتو، ويعدون لها الخطط ويريدون مواجهتها؟!

والإجابة: لأن تركيا اليوم ليست تركيا الأمس.. تركيا في عهد الرئيس "رجب طيب أردوغان" عادت لوجهها الإسلامى، ولجذورها الراسخة في صلب بنيانها، بعد أن نفضت عنها بعض إرث "كمال أتاتورك"، ومن هنا يكمن الخوف؛ لأنها تصبح قادرة على الإخلال بموازين القوى الدولية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وهي موازين ترفض أن تصبح أي دولة مسلمة ذات قوة دولية مؤثرة في العالم.. مرفوض أن تفرض تركيا نفسها كلاعب أساسي في موازين القوى الدولية، ولذا يجتمعون ويضعون الخطط لتحجيمها وحصارها، ولعل التهديد الأخير للرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوضح ذلك، حيث قال: "سندمر تركيا اقتصادياً إذا هاجمت الأكراد في شمال سوريا"، كما أنهم يريدون إضعافها عسكرياً في مواجهة مع هذه الدول العربية المجتمعة في شمال سوريا، بذريعة حماية الأكراد ووحدة الأراضي السورية.. كل الاحتمالات مفتوحة في ظل مراوغة ترامب وتلاعبه بجميع الأطراف المعنية وتلكئه في الانسحاب من سوريا. فبعد أن أعلن الانسحاب من سوريا، عاد وقال إنه سيتم الانسحاب بعد ثلاثة أشهر، وبعد اتصال للرئيس أردوغان وقوله له "سوريا لك"، جاء تصريح مستشاره للأمن القومى "جون بولتون" من القدس المحتلة "بأن انسحاب الولايات المتحدة مرهون بتطمينات تركيا بشأن سلامة الأكراد في سوريا"، مما اعتبره الرئيس أردوغان إهانة لتركيا ورفض مقابلته.

عموما، هذا التقرير تؤكده الوقائع على الأرض، ففي الشهر الماضي أكد وزير الخارجية السعودي أن السعودية لا تمانع من عودة سوريا إلى الجامعة العربية، أعقبته تصريحات مماثلة من الإمارات التي أعادت فتح سفارتها في دمشق، وزارها نائب رئيس المخابرات الإماراتي ومكث فيها أسبوعاً كاملاً، ومن ورائهما بالطبع البحرين. أما مصر، فقد أوضحت على لسان وزير الخارجية "سامح شكرى"، أن على سوريا أتخاذ عدد من الإجراءات تمهد لعودتها للجامعة العربية، ولم يوضح ما هي تلك الإجراءات؟ لكن حسب تقرير الموقع نفسه "ميدل إيست آي"، فإن مصر تريد من الحكومة السورية تصريحاً علنياً تقول فيه إن أعداءها الرئيسيين هم تركيا وقطر والإخوان المسلمين. ومما يعزز هذا القول، أن "علي مملوك"، المستشار الأمني الخاص للأسد، قام بزيارة علنية مؤخراً للقاهرة، ولم تكن الزيارة الأولى له لمصر، فقد زارها قبل أكثر من عام، ولكنها كانت زيارة سرية لم يعلن عنها في حينها، لكن كشفتها وسائل الإعلام العالمية آنذاك.

ولعل زيارة الرئيس السوداني "عمر حسن البشير" لسوريا الشهر الماضي كانت تمهيداً لخطوة عودتها إلى الجامعة العربية. وكما تسرب من معلومات تداولتها بعض الصحف، فإن الإمارات قد دفعت مليار دولار للبشير ليقوم بهذه الزيارة؛ التي كان هدفها الرئيس هو كسر العزلة الدولية المفروضة على السفاح "بشار الأسد" من كل دول العالم، لتتبعها زيارات مماثلة من رؤساء بعض الدول العربية، ففي الطريق إليه رئيس موريتانيا..

ليس مستغرباً أن تهرول دول الخليج إلى سوريا دعماً لبشار، فهو يصب في مصالحها في المنطقة، كما أنها ترى فيه انتصاراً لثوراتها المضادة التي قادتها ضد ثورات الربيع العربي؛ حماية لعروشها المتهاوية من أي رياح قد تصل إليها من ذاك الربيع فتقصف بها وتسقطها..

بصراحة شديدة، أنا لا يهمني عودة سوريا من عدمه إلى جامعة الدول العربية، فهذه الجامعة في نظري ولدت ميتة منذ إنشائها عام 1945؛ على يد المحتل الإنجليزي بعد الحرب العالمية الثانية، لتقسيم الأمة الإسلامية بين عربي وأعجمى ولبث الفرقة بينهما بالنعرات القومية والنزاعات العرقية، بعد أن قسمها من قبل إلى دول ودويلات بموجب اتفاقية "سايس بيكو" عام 1918، عقب الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة الإسلامية وانتهاء الخلافة العثمانية وتوزيع التركة العثمانية بين الدول الاستعمارية. وربما هذا ما يدفعنا للتساؤل: ماذا فعلت الجامعة العربية في القضايا العربية، وعلى رأسها القضية المركزية للأمة، فلسطين، بعد أن حولتها من قضية إسلامية جامعة، لقضية عربية خاصة، ثم اختزلتها لقضية فلسطينية بحتة، ثم قزمّتها في منظمة واحدة أطلق عليها "منظمة التحرير الفلسطيني"؟! ما الذي فعلته عند الحروب المتكررة من قِبل العدو الصهيوني على قطاع غزة، بل ما الذي فعلته إزاء حصار غزة من قِبل الدول العربية المجاورة؟! وماذا فعلت الجامعة العربية أمام تهويد القدس والتطبيع مع العدو الصهيوني وهي صاحبة اللاءات الثلاث: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض.. هذا الشعار الذي رفعته في قمة آب/ أغسطس 1967؛ وهي ترى التطبيع يمشي على قدم وساق باعتراف العدو نفسه؟! وماذا فعلت عند الغزو الأمريكي للعراق؛ والدول العربية تفتح مجالها الجوى للطيران الأمريكي، وتسمح باستباحة أرضها من الجيش الأمريكي ليغزو من خلالها دولة عربية شقيقة عضوا في الجامعة التي تُسمى الجامعة العربية؟! وماذا فعلت تجاه ثورات الربيع العربي؟! هل وقفت مع الشعوب العربية التي تطالب بالحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الإحتماعية، أم مع الأنظمة الديكتاتورية الفاشية؟! إجابة هذا السؤال توضح أن جامعة الدول العربية أنشئت لتعمل ضد إرادة الشعوب العربية، ولخدمة الطغاة والمستبدين من الحكام العرب. فمن المنطق ومن الطبيعي أن تنحاز للسفاح بشار الأسد وتفتح ذراعيها لاستقباله في أحضانها، ولتسقط كل القيم والمبادئ، وليمت الشعب السورى جوعاً وعطشاً في المخيمات والملاجئ والشتات والمعتقلات، فلا بواكي لهم من ذوي القربى؛ لأنهم أول المتآمرين عليهم وعلى ثورتهم المغدورة. ولنتذكر نداء الثوار منذ بداية الثورة في آذار/ مارس 2011: "ما لنا غيرك يا الله".. الله وحده القادر على توحيد صفوفهم من جديد، لتستمر ثورتهم ولينتصروا على السفاح بشار ويحرروا سوريا من هذا الطاغية، هنا فقط سينصاع العالم كله لسوريا الجديدة، سوريا الحرة وليست سوريا الأسد، فالعالم يتعامل مع الطرف المنتصر عسكرياً أيا كان هذا الطرف الغالب.. العالم لا يتعامل إلا مع الأقوياء، ولا يعبأ بالقيم والمبادئ بل تحكمه المصالح والتحالفات..
التعليقات (1)
سناء موسى
الخميس، 17-01-2019 01:22 ص
احسنت سيدتي . إن العالم العربي والإسلامي لن يحقق العزة والكرامة لشعوبه إلا بعد استئصال أبطال القسام لذلك السرطان المسمى إسرائيل و تزول عروش أتباعهم معهم من خونة العرب المتصهينين عندها تنول الشعوب العربية حرياتها. تحياتي لحضرتك

خبر عاجل