قضايا وآراء

سورية.. إشكاليات المنطقة الآمنة

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600

على مدار سنوات الأزمة السورية طرح خيار "المنطقة الآمنة" عدة مرات، خصوصا من الجانب التركي الذي كان يرغب مع بداية الثورة في تشكيل شريط حدودي آمن يحمي النازحين من بطش النظام أولا، ويخفف من وطأة الهجرة إلى الأراضي التركية ثانيا.

ومع حلول عام  2016 بدأت الرؤية التركية لـ "المنطقة الآمنة" تتغير، فلم يعد الغاية منها حماية المدنيين كما كان الأمر مع بداية الثورة بعدما حصلت على بقعة جغرافية (درع الفرات)، وإنما الغاية شرعنة الوجود التركي في سورية عبر قرارات أممية أو في الحد الأدنى عبر تفاهمات دولية، وليس فقط مجرد تفاهمات تركية ـ روسية.

وفي مطلع 2017 عاد الحديث مجددا عن "المنطقة الآمنة" مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب نيته إنشاء مناطق آمنة في سورية.

 

إقرأ أيضا: تفاصيل المنطقة الآمنة التي تنوي تركيا إقامتها على حدود سوريا

وكانت تركيا أول الدول المرحبة بالفكرة شرط أن تتوافق مع رؤيتها من ناحيتين:

الناحية الأولى: أن تكون "منطقة آمنة SAFE ZONE " وليس "منطقة عازلةBUFFER ZONE "، الأولى تعني حماية السوريين الهاربين من ظلم النظام السوري، وتعني أنها منطقة خاضعة لإدارة مدنية بغض النظر عن القوى العسكرية التي تحميها، في حين أن "المنطقة العازلة" ذات مفهوم عسكري أكثر منه إنساني، ومثل هذه المناطق لا إمكانية إلى تطبيقها في سورية، فضلا عن أنها لن تدوم مثل "المنطقة الآمنة".

الناحية الثانية: إصرار أنقرة على أن لا تكون "المنطقة الآمنة" في مناطق "قوات سوريا الديمقراطية"، لأن مثل هذه المنطقة ستصبح خارج النزاع، أي منطقة مغلقة للهيمنة الكردية، يصعب على تركيا مهاجمتها إن اقتضى الأمر.

ومع إعلان ترمب مؤخرا نيته تشكيل "منطقة آمنة" في شرق الفرات، عاد الحديث مرة أخرى عن ماهية هذه المنطقة، وعن إمكانية إنشائها بعدما فشلت كل المحاولات السابقة؟ وهل ترمب جاد فعلا في إقامة هذه المنطقة، أم لمجرد تمرير الوقت؟

 

صعوبات إجرائية 


الصعوبات التي تواجه تشكيل "المنطقة الآمنة" لا تتعلق بطول المسافة، سواء كانت على كامل الشريط الحدودي من عين العرب في محافظة حلب غربا إلى المالكية في أقصى الشمال الشرقي من سورية، أو أجزاء من الشريط الحدودي، ولا تتعلق أيضا بالعمق الجغرافي داخل الأراضي السورية.

الصعوبات مرتبطة بمسائل أخرى، منها إجرائي، متعلق بالشروط العسكرية التي يجب أن تتوافر لإنجاح هذا المشروع، ومنها استراتيجي متعلق بمستقبل الهيمنة على هذه المنطقة ودور الأكراد فيها.

 

من الواضح أن ترمب يميل إلى قوى مشتركة تهيمن على "المنطقة الآمنة" كحل وسط يرضي تركيا من جهة ويؤكد الموقف الأمريكي


"المنطقة الآمنة" تطرح بالضرورة مسألة حظر الطيران الجوي، ومع أن المفهومين منفصلان نظريا، إلا أنهما متداخلان على أرض الواقع حسب ما بينت التجارب التاريخية في العراق والبوسنة والهرسك وليبيا، إذ لا إمكانية لإقامة مثل هذه المنطقة دون حظر للطيران لحماية المنطقة من أي عدوان خارجي، أكان من تركيا أو من النظام السوري.

وهنا تطرح المسألة الثانية، هل ستكون القوى المسيطرة من لون واحد (المعارضة السورية المدعومة من تركيا)، أم من قوى مستقلة وتحظى بقبول من الطرفين التركي والكردي، أم من قوى مشتركة من الجميع؟

ومن الواضح أن ترمب يميل إلى قوى مشتركة تهيمن على "المنطقة الآمنة" كحل وسط يرضي تركيا من جهة ويؤكد الموقف الأمريكي الذي يأخذ المصالح التركية العليا بعين الاعتبار، ويرضي الأكراد من جهة ثانية ويؤكد الموقف الأمريكي الداعم والحامي لهم من أي عدوان.

وربما تكون عبارة "القوى المحلية" التي ذكرها ترمب هي نقطة التباين الأمريكي ـ التركي، أو ربما نقطة التلاقي، والمقصود بالقوى المحلية أن تهيمن القوى العربية في المناطق ذات الغالبية العربية كما هو الحال شمالي الرقة، وأن تهمين القوى الكردية في المناطق ذات الغالبية الكردية.

 

إقرأ أيضا: بهتشلي: لا نعترض على منطقة آمنة شمال سوريا بإشراف تركيا


وضمن ترتيبات الحل الوسط، لا يكون في "المنطقة الآمنة" أي حضور عسكري يتبع تركيا بشكل مباشر (فصائل المعارضة)، ولا يكون ثمة حضور عسكري لـ "وحدات حماية الشعب" الكردي، ويكون البديل إدخال قوات عربية محايدة مثل قوات النخبة التابعة للجربا وقوات "بشمركة روج أوفا" التابعة للمجلس الوطني الكردي، مع مشاركة القوات العربية التابعة لـ "قوات سورية الديمقراطية".

وضمن ترتيبات الحل الوسط أيضا، تُترك مسألة إدارة "المنطقة الآمنة" لإدارات مدنية تعكس ثقل المكونات الاجتماعية القائمة، بحيث تبقى الهيمنة الإدارية الكردية في المناطق ذات الغالبية الكردية كما هو الحال في الحسكة شرقا، وفي عين العرب غربا، فيما تخضع المناطق العربية لإدارات من المكون العربي (الرقة).

كاتب وإعلامي سوري

التعليقات (0)