صحافة دولية

فورين أفيرز: 40 عاما على علاقات أمريكا والصين.. ماذا تغير؟

فورين أفيرز: تجربة الثورة الثقافية لا تزال ذاكرتها حاضرة بالنسبة لكثير ممن عاشوها- جيتي
فورين أفيرز: تجربة الثورة الثقافية لا تزال ذاكرتها حاضرة بالنسبة لكثير ممن عاشوها- جيتي

نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للكاتب ويجيان شان، يقول فيه إن الذكرى الأربعين لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين أمريكا والصين وبداية "الإصلاح والانفتاح" الصيني، تصادف هذا الشهر. 

 

ويشير شان في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه في أواخر سبعينيات القرن الماضي كانت الصين لا تزال تخرج من تحت ظل ثورة ماو تسي تونغ الثقافية، التي جرفت معها معظم المؤسسات السياسية والاجتماعية في الصين، ودمرت الاقتصاد غير المتطور فيها.

 

ويلفت الكاتب إلى أن "الصين حققت تقدما ملحوظا منذ ذلك الحين، ولا تشبه الصين اليوم بأي شكل الصين في تلك الفترة، لكن تجربة الثورة الثقافية -التي كانت فترة فوضى وانقلابا اجتماعيا قاسيا- لا تزال ذاكرتها حاضرة بالنسبة للكثيرين ممن عاشوها، بمن فيهم أنا والعديد من الطبقة الحاكمة في الصين اليوم، ومع أن معظمهم لا يناقشون الموضوع علنا، إلا أن الثورة الثقافية كان له أثر أكيد على كثير من الناس الذين يقودون الصين، وعلى أكبر شركات الصين أيضا".

 

ويبين شان أنه "نشأ في أعقاب الثورة الثقافية مدرستان فكريتان حول كيفية حكم الصين وإدارة اقتصادها، ففضلت بعض قيادات الحزب الكبار حرية سياسية محدودة وإصلاحات تساعد السوق، في الوقت الذي فضل فيه آخرون قمع المعارضة، والدعم الثابت للمدرسة القديمة بخصوص سياسات الدولة، ولا يزال هذا الحوار يثقل كاهل الصين، وهو المنظار الرئيسي الذي ينظر المراقبون الأجانب للسياسة الصينية من خلاله، لكن الأجانب أحيانا لا يستطيعون استيعاب كيفية تشكل هذا الحوار بناء على التجربة المشتركة للثورة الثقافية، فالعيش خلال الفوضى الاجتماعية ترك أثرا عميقا على الكثير من النخبة في الصين، وأدى بهم إلى مجموعة واسعة من الاستنتاجات حول الشكل الذي يجب أن يكون عليه المجتمع الصيني، لكن فهم تفكيرهم ورؤاهم المتنافسة يساعدنا أن تكون لدينا فكرة عن شكل الحياة في تلك الأوقات المظلمة الانفعالية، وكانت تجربتي أنا نمطية تقريبا". 

 

ويقول الكاتب: "في صيف 1966، كان عمري 12 سنة، وكنت أعيش في غرب بكين، وكنت على أبواب إنهائي للمرحلة الابتدائية المدرسية، وقضيت تلك الأيام الحارة أدرس لامتحاناتي النهائية".

 

ويضيف شان: "في الأشهر القليلة التي سبقتها كان هناك حديث عن الثورة الثقافية، وفي وثيقة اطلعني عليها والدي قرأت بعض تعليقات ماو، التي ينتقد فيها بشدة النظام التعليمي، فقال ماو إن الأساتذة يتعاملون مع الطلاب على أنهم أعداء، وأن الامتحانات تشبه (الهجمات المفاجئة)، وقال إن مثل هذا النظام لا يشجع الإبداع، وقال ماو إن أعظم إمبراطورات الصين في التاريخ لم يكونوا متعلمين بشكل جيد، وأن المتعلمين كانوا فاشلين، وقال إنه يجب أن يسمح للطلاب أن يتهامسوا خلال الامتحانات، ويتبادلوا الأوراق المكتوبة، وأن يرجعوا لكتبهم. هذه التعليقات كانت مفرحة للطلاب، بمن فيهم أنا وأصدقائي، لكن الثورة كانت تبدو بعيدة بالنسبة لنا، حتى يوم في حزيران/ يونيو، فإنها لم تعد كذلك". 

 

وينوه الكاتب إلى أن "غاو جيان جينغ، وهو قائد فصل في المدرسة، قام بقيادة مظاهرة إلى مجلس المدينة في بكين، ذهبوا باسم الثورة، فلم يجرؤ أي من الأساتذة أو حتى المدير على إيقافهم، لم أشارك في المظاهرة، وبقيت في المدرسة، حيث كنت مركزا على التحضير لامتحاناتي النهائية، ولم تصرفني عنها التهامسات حولي".

 

ويقول شان: "أخبرني غاو وغيره كيف قام المتظاهرون بإلقاء الخطابات أمام العمدة ونائبه حول ضرورة الثورة، ثم شاهدوا عددا من الثوار يعتدون على مغني الأوبرا المبدع ما ليان ليانغ، وكسروا رجله، وأغمي عليه، حيث كان إعلام الدولة قد وصفه بأنه (عشب سام)، (وكان ليانغ قد ظهر في إنتاج قبل ذلك بفترة وجيزة واعتبر ماو أنه ينتقده ضمنيا)، ومات ليانغ قبل نهاية العام بسبب تلك الإصابات". 

 

ويضيف الكاتب: "أخبرني غاو أن الثوار الذين كانوا يرددون الشعارات ويخطبون ويضربون الناس يسمون الحرس الأحمر، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها هذا المصطلح".

 

ويتابع شان قائلا: "بدا ذلك أكثر إثارة من الدراسة للامتحانات النهائية، كما كان من المثير أن المدرسة لم تفعل شيئا لمنع زملائي من الخروج في المظاهرة لمبنى مجلس المدينة، بل إن المدرسة أرسلت لهم حافلة لتعيدهم، وسمعنا أن بعض المدارس، خاصة المتوسطة والجامعات، ثار فيها الطلاب ضد الأساتذة، ورفضوا تقديم الامتحانات النهائية".

 

ويمضي الكاتب قائلا إنه "بعد تلك المظاهرة بفترة بسيطة بدأ بعض الأساتذة باتهام بعض زملائهم بأنهم (عناصر سيئون)، وكان يمكن لسمعة شخص أن تشوه بين ليلة وضحاها، وقام شخص بتعليق لافتات في أنحاء المدرسة معلنا أن الطباخ في المدرسة (عنصر سيئ)، وجريمته هي أنه جلب معه من بلد أجنبي، حيث كان يعمل طباخا في السفارة الصينية فيها، مجموعة بطاقات لعب كانت تحمل على ظهرها صور نساء عاريات".

 

وينوه شان إلى أن "المدرسة انحدرت بسرعة إلى حالة من الفوضى، فأصبحنا نحن الطلاب نعلم أن كثيرا من أساتذنا المحترمين هم في الواقع (عناصر سيئون)، وكنا كلنا نحب ممرضة المدرسة حتى علمنا أنها عملت ممرضة لدى الجيش القومي خلال الحرب الأهلية، فأصبحت الآن عدوة طبقية، وفي التجمعات الكبيرة التي كان يحضرها الطلاب والأساتذة كان الناس يتناوبون على إهانة وشتم هؤلاء (العناصر السيئين)".

 

ويقول الكاتب: "انضممت في يوم من الأيام للطلاب الذين دخلوا غرفة الأستاذة كاي في السكن التابع للمدرسة، وكانت مدرسة فن شابة وجميلة، وكانت لها شعبية بين الطلاب الذين أحبوا درسها، لكن علمنا أن لديها تمثالا صغيرا لامرأة نصف عارية على طاولة في غرفتها، وكان يمثل هذا الرأسمالية، وقد تغير الزمن الآن فنحن ثوار، فدخلنا الغرفة وكسرنا التمثال، ولم تجرؤ أن تنبس بكلمة، بالرغم من قوة شخصيتها في العادة، وكلنا شعر بالانفعال والفخر، لكني أيضا أحسست بشيء من التعاطف مع المدرسة كاي عندما رأيت الدموع في عينيها، (ولم أدرك إلا بعد فترة طويلة أن ذلك التمثال كان نسخة عن تمثال فينوس)".

 

ويفيد شان بأن "المدارس لم تكن هي المكان الوحيد الذي قلبت فيه الثورة الثقافية كل شيء على رأسه، فمع نهاية الصيف توقف نظاما القضاء وفرض القانون عن العمل، واختفى عناصر الشرطة من مواقعهم في الشارع لتنظيم السير، وأصبح المشاة وراكبو الدراجات وسائقو السيارات يتحركون بحرية دون تنظيم للسير، وحتى أنه كان هناك اقتراح جاد بتغيير نظام إشارات المرور، فلماذا على الناس أن يقفوا على الإشارة الحمراء، والأحمر هو شعار الثورة؟ فيجب أن يعني الأحمر السير، والأخضر التوقف".

 

ويجد الكاتب أنه "مع ذلك، فإن انقلاب الأدوار في المدارس كان دراماتيكيا بالذات، وفي وقت لاحق من ذلك الصيف ذهبت أنا وأصدقائي إلى مدرسة البنات المتوسطة، بالقرب من مدرستنا، لنحضر اجتماعا يسمى (جلسة نضالية)، كانت تعقد مثل تلك الجلسات في كل مكان في بكين، بما في ذلك المدارس المتوسطة جميعها تقريبا، وقام الحرس الأحمر بجر الأشخاص المصنفين على أنهم (أعداء الثورة) إلى المنصة، وكان بينهم أساتذة ومديرون، ويكره المتهمون بمعاداة الثورة بالاعتراف بجريمتهم، ويتم إلباسهم قبعة أغبياء ورقية، ويعلق لوح خشبي ثقيل على رقابهم، يكتب عليه اسم الشخص وجرائمه، وقام الطلاب واحد تلو الآخر بشجب أساتذتهم". 

 

ويذكر شان أن "الاجتماع استمر على وتيرة واحدة مملة، فانسللت أنا وأصدقائي من الاجتماع، وتجولنا حول المدرسة، وكانت العتمة سائدة مع قليل من الأضواء، وفي زاوية ملعب رأينا كومة مغطاة ببطانية، وقال لنا أحدهم إن تلك كانت جثة مديرة المدرسة، حيث قامت مجموعة من البنات المراهقات -كلهن تابعات للحرس الأحمر- بضربها حتى الموت في وقت سابق من ذلك اليوم".

 

ويقول الكاتب: "في الوقت الذي كنا فيه نغادر المدرسة سمعنا صراخا من إحدى البنايات القريبة، فنظرنا خلال نافذة، ورأينا في غرفة إنارتها خافتة، أربع أو خمس فتيات يقفن في دائرة ويلوحن بأحزمة جلدية، وفي وسط الدائرة كانت امرأة كبيرة، ربما في الستينيات من عمرها، وكان رأسها وجسدها مغطى بالدم، وتصرخ من الألم بصوت ضعيف، وكانت البنات يتناوبن على ضربها.. وعلمت فيما بعد أنها كانت نائبة مديرة المدرسة، وأنها لم تنج بحياتها في تلك الليلة".

 

ويختم شان مقاله بالقول إن "ماو قد وعد بأن الثورة الثقافية ستجلب (فوضى عظيمة تقود إلى حكم عظيم)، لكنني بدأت وقتها أظن أنها لن تقود إلا لمزيد من الفوضى".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)