كتاب عربي 21

قمة الوقح والمدّعي

شريف أيمن
1300x600
1300x600

اجتمع السيسي وماكرون أمس الاثنين (28 كانون الثاني/ يناير) في الذكرى الثامنة لجمعة الغضب، التي كسر فيها المصريون الدولة العسكرية القائمة منذ 1952، واستطاع العسكر استعادة الحكم سريعا لأسباب كثيرة ليس هذا محلها، لكن المهم أن المؤتمر الصحفي لهما عقب الاجتماع أبْدَى مرتكزات العقيدة السياسية المصرية منذ منتصف 2013، كما أبْدَى طبيعة السياسة الفرنسية خاصة والغربية بشكل عام تجاه ما يجري في مصر. وكان العطل (غير المعهود) في السماعات الداخلية، مناسبا لعدم التقاط أي طرف للأصوات المتألمة من السياسات المصرية والدولية، وكاشفا للضعف المصري في التنظيم، حتى على مستوى قمة بذلك المستوى.

كان ملفتا تحدّث السيسي عن تأثر "النخبة المصرية المثقفة بكتابات مفكري عصر النهضة الفرنسية"، ومن يستمع إلى خطابات السيسي وتوجهاته يعلم أنه لا علاقة له إطلاقا بأي مجال فكري أو ثقافي، حتى يتحدث بأريحية عن مفكري عصر النهضة، فضلا عن أن أهم إسهامات مفكري عصر النهضة يجافيها السيسي ونظامه السياسي على طول الخط. ولا وجه يبدو لتأثر السيسي بمونتسيكيو، مؤسس نظرية الفصل بين السلطات، ولا جان بودان، ناحت مفهوم السيادة واستقلال القرار الوطني عن العوامل الخارجية. فالسيسي لا توجد لديه أسس قانونية ولا فكرية ولا ثقافية ولا علمية تحكم إدارته، خاصة أنه من قال: "يعمل إيه التعليم في وطن ضائع"، وأنه من قال: لو كنا نقوم بدراسات الجدوى لما تحقق ربع الإنجاز الحالي في مصر، لكنه على كل حال مشهور بالجرأة غير العادية على اقتحام ما لا يحسنه.

 

من يستمع إلى خطابات السيسي وتوجهاته يعلم أنه لا علاقة له إطلاقا بأي مجال فكري أو ثقافي، حتى يتحدث بأريحية عن مفكري عصر النهضة، فضلا عن أن أهم إسهامات مفكري عصر النهضة يجافيها السيسي ونظامه

كان ملفتا كذلك خوض السيسي في قضية حقوق الإنسان أثناء خطابه وأثناء إجابته على سؤال صحفي فرنسي، وأراد السيسي أثناء خطابه أن يشير إلى خصوصية الحالة المصرية بقول: "إن مؤسسات المجتمع المصري، بجميع أشكالها التنفيذية والتشريعية والقضائية والمدنية، تتضافر جهودها لتطوير منظومة حماية حقوق الإنسان من منطلق فهم معمق لعوامل التاريخ والحضارة والتراث التي تقود إلى حركة التطور الطبيعي للمجتمع، وفقاً لدرجة امتلاكه للعناصر اللازمة التي تدفعه من مرحلة إلى أخرى، اتساقاً مع تطلعاته الوطنية ومسئولياته الإنسانية. ولا يخفى هنا ضرورة التعامل مع قضايا حقوق الإنسان بمفهومها الشامل؛ لأن جميع تلك الحقوق متشابكة ومتداخلة وتعزز بعضها البعض بحيث لا يمكن تجزئتها؛ فالحق في الحياة، والأمن، وحرية الرأي والتعبير، والتنمية بما يشمل الحصول على غذاء ورعاية صحية وتعليم ومسكن لائق، إنما هي حقوق توليها مصر أولوية كبيرة انطلاقاً من مسؤوليتها تجاه مواطنيها والتزاماً ببنود الدستور التي تعد أساساً راسخاً لحماية حقوق الإنسان، وأن الشعب المصري صاحب الحق في تقييم مدى ما يتمتع به من حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية. كما يجدر بنا في هذا المقام تأكيد ضرورة ألا تثنينا التحديات التي تواجهنا، سواء في المنطقة أو أوروبا، من انتشار لظاهرة الإرهاب وزيادة معدلات الجرائم المرتبطة بالعنصرية وكراهية الأجانب، عن التشبث بمواصلة توفير الحماية والتقدم لمواطنينا".

ففضلا عن أكاذيب جهود المؤسسات المصرية لتطوير منظومة حقوق الإنسان، المعلوم واقعها المتدهور، فإن السيسي يصر دائما على التأكيد أن هناك منظورا آخر لحقوق الإنسان يغفل عنه الغرب، وهو يقف هنا موقف المنظّر مدعي الحكمة والفلسفة. ومعلوم مدى ابتعاده عن هذا المجال بملايين السنين الضوئية، خاصة عندما قال وهو يتحدث عن حقوق الإنسان في مصر: "لسنا كأوروبا وأمريكا، وكل دولة لها خصوصيتها. التعدد والتنوع بين الدول طبيعي، ومحاولة تغيير التنوع إلى مسار واحد لن يكون جيدا"، وهو هنا يشير إلى تنوع بين القمع والحريات. وهذه المقارنة تظهر مدى الثبات الانفعالي لماكرون، إذ لم ينفجر ضاحكا من هذه السذاجة والحماقة.

وطالب السيسي الأوروبيين بألاّ يروا المصريين بعيون أوروبية، بل بعيون مصرية، وتلعثم وهو يستكمل عبارته الغريبة وتشبيهه المثير للضحك كالعادة. ثم انتقل السيسي في رده على كلام ماكرون الناقد لمصر بأنه نابع من حرصه على سمعة مصر كصديق لها، فكان رد السيسي المزلزل: "من يقوم بعمل سمعة دولية هي الاتهامات، لو محدش اتكلم عن موضوع حقوق الإنسان، كان الموضوع انتهى"، فالسيسي كما يطالب الإعلام المصري بالسكوت، فإنه يطالب المجتمع الدولي والإعلام العالمي بالسكوت، ليصر على إهانة مصر، عندما يبدو للإعلام والمجتمع الدوليين أن هذا الجنرال محدود القدرات يحكم دولة بحجم مصر.

 

يشير إلى تنوع بين القمع والحريات. وهذه المقارنة تظهر مدى الثبات الانفعالي لماكرون، إذ لم ينفجر ضاحكا من هذه السذاجة والحماقة

أمام هذه الأكاذيب والسذاجات اللامنطقية، كان خطاب ماكرون واضحا في دعمه للسيسي، فهو تحدث عن التقاء في وجهات النظر حول ليبيا "وعمل في الميدان" كذلك، وتحدث عن نفس التلاقي في وجهات النظر حول سوريا لمكافحة ما أسماه ماكرون بوقاحة "الإرهاب الإسلامي"، ثم عاد ماكرون ليؤكد أن البلدان واجها "آفة الإرهاب الإسلامي"، ليضيف أن أمن واستقرار مصر "أهمية استراتيجية لنا، ومعركتكم هامة لنا". وبالطبع، لم يقف السيسي ليرفض كلمة الإرهاب الإسلامي من ماكرون، بل ربما أكّدها وهو يتحدث عن فشل إقامة "دولة دينية في مصر"، وهذا هو المتوقَّع من مغتصب للسلطة، يبحث عن شرعية خارجية بعدما فقدها داخليا.

 

خطاب مخفف حول "بعض أسماء تبدو هامة" لفرنسا، فيما يشير إلى انتقادات انتقائية لحقوق الإنسان، وكذلك لم يتحدث ماكرون عن القتل بالشوارع، ولا القتل بالجملة في سيناء

كان خطاب ماكرون داعما للسيسي في ما أسماه مواجهة الإرهاب الإسلامي، وواضحا في دعمه للعملية الاقتصادية التي أفقرت المصريين وقصمت ظهورهم، واعتبر ما يقوم به السيسي "إصلاحات اقتصادية طموحة"، مما دفعه لتعزيز الشراكة الفرنسية بمليار يورو على مدى أربع سنوات قادمة، ثم توجه بدعم كامل بقوله: "رسالتي للشركات الفرنسية: مصر تتحول، مصر تحدّث نفسها، مصر تتطور، وشركاتنا يجب أن تستغل الفرص العديدة". وكانت هذه الكلمات عقب حديث ماكرون عن حقوق الإنسان في مصر وانتقاده "الصوري"ّ لها، إذ لا تمكن مقارنة ما قام به ماكرون من دعم سياسي واقتصادي للسيسي، مع خطاب مخفف حول "بعض أسماء تبدو هامة" لفرنسا، فيما يشير إلى انتقادات انتقائية لحقوق الإنسان، وكذلك لم يتحدث ماكرون عن القتل بالشوارع، ولا القتل بالجملة في سيناء. صحيح أنه ليس مطالبا بذلك، لكن بما أنه تحدث عن "حالات فردية ظهر له أنها لا تزعزع الاستقرار"، فكان الأجدر به أن يتحدث عن حالات جماعية تصنع قنابل موقوتة بالمنطقة كلها.

كنا أمام قمة بين وقح انتقائي في حديثه عن حقوق الإنسان، ومدافع عن انتهاكها طالما لا تمس من يشبهونه في الأفكار، وموقفه من ابن سلمان يؤكد هذا التوجّه المتسم بالنقد الخافت دون فاعلية، والطرف الآخر في القمة، كاذب مدّعٍ للحكمة والنزاهة، وهي قمة تليق بالحكام الغربيين والشرقيين على السواء، وتبيّن مأزق السياسة الدولية في هذه المرحلة اللاأخلاقية، مما يؤكد يوما بعد يوم أن النظام الدولي فقد صلاحيته، وهو بانتظار لحظة إسدال الستار على مرحلة وضيعة من التاريخ البشري، تشبه تماما مرحلة تأسيسه عقب حرب مات فيها عشرات الملايين، وصاغ أسسها أكثر الأطراف إجراما.

التعليقات (1)
متفائل
الثلاثاء، 29-01-2019 10:07 م
ماكرون رضع من ثدي فرنسا الاستعمارية ، وموقفه من إنسان المستعمرات هو موقف أجداده ، لم يتغير ، لكنه يتجدد ، و سيتجدد ، حتى وإن سقط ماكرون تحت ضغط الشارع الفرنسي ، إذ لا يمكن أن تتغير نظرة ساسة فرنسا تجاه إنسان المستعمرات ، للأسف الشديد ، فقد وجد ماكرون من يشفي غليله ، وجد إنسانا غريبا عن مصر ، لا يمت بصلة لشهامة مصر ، ولا يعبر من بعيد أو قريب عن شعب مصر ، السيسي مثال سيء ، و عنوان سيء ، إلى الحد الذي جعل ماكرون ، يبدو في نظر بعض المصريين حريصا و مهتما بحقوق المصريين المسحوقين ، ماذا قدم هذا الزائر للمصريين الغلابى ؟ و بماذا وعدهم ؟ لا شيء ، فقط جاء ليوصي زعيم الانقلاب بتنظيف مظهره والاعتناء به ، لأنه بات مصدر إزعاج في نظر الأوربيين ، أما أهم توصية فهي تفعيل المجتمع المدني ، و معنى ذلك أن يجتهد السيسي و فريقه في تفعيل سياسة التمييع والتعويم لكل ما هو نظام و منظومة ، و دلالة ذلك محاربة كل قيمة و فضيلة حتى يتحول المجتمع المصري إلى مجتمع يدين لأمثال ماكرون ، فينتظرون منه القليل من الشفقة ، و قليلا من الحرية ، كل ذلك ، وفق تصريح ماكرون ، لإلحاق الهزيمة بالإرهاب ، والإرهاب في نظرهم أن يطالب المصريون بحقهم في اختيار رئيسهم ، ومن يقوم على إدارة شؤونهم ، مثل هذا خط أحمر ، لن تسمح فرنسا وأمريكا و إسرائيل بتجاوزه أبدا ، لذلك لم يقل ماكرون ولا ترامب ولا نتنياهو ، ولا حتى خادم الحرمين الشريفين ، ولا حتى خامنئي ، كلمة واحدة بخصوص سجن الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي ، إلى هذا الحد بات عالمنا غريبا ، و بات الحديث عن حقوق المستضعفين في اختيار من يحكمهم من المحرمات و الممنوعات ، لكننا لا نشاطر هؤلاء الساسة ، و لن نشاطرهم نظرتهم و رؤاهم التي باتت وصمة عار .