كتاب عربي 21

المرتزقة وشبكات التسفير والإرهاب

محمد هنيد
1300x600
1300x600

لن ينفك مصطلح الإرهاب والسرديات المصاحبة له والدائرة في فلكه عن ملء الساحة السياسية والإعلامية عربيا ودوليا لأسباب كثيرة، أهمها ما يحققه هذا الملف من أجندات توسعية وما يخفيه من مشاريع تتعلق بالنظام الدولي الجديد الذي فرضته الولايات المتحدة على العالم منذ الحادي عشر أيول (سبتمبر) 2001. 

لكن هذه الظاهرة الخطيرة التي تتعلق بالأمن الدولي وبسلامة المجتمعات العربية وغير العربية عرفت منعرجا مُهما بعد ثورات الربيع من شأنه أن يساهم في تبيّن أبعاد الظاهرة وحدودها ومختلف الأجندات التي تقف خلفها. 

 

إقرأ أيضا: ثورات الربيع العربي بين الإرهاب والاستبداد

لقد ساهم ملف الإرهاب بشكل كبير في انتصار الثورات المضادة على ثورات الشعوب وتمكنت الأنظمة الاستبدادية من العودة إلى السلطة ومن التشريع لعمليات القتل والتعذيب والاغتيال عبر بوابة الإرهاب وباسم الحرب على الإرهاب. لكن ورغم كل ذلك تبقى معطيات كثيرة وفواعل هامة بحاجة إلى مزيد من التأمل والتوضيح نظرا للمعطيات الجديدة الطارئة.

الإرهاب الجديد

اليوم تعلن الولايات المتحدة عن قرار انسحابها من سوريا بعد ما اعتبر الرئيس الأمريكي ترامب أن المهمة قد أنجزت وأن تنظيم داعش قد تم القضاء عليه تقريبا هناك. لكن عواصم أوروبية كثيرة أبدت رفضها للقرار الأمريكي معتبرة أن التهديد الإرهابي لا يزال قائما هناك وفي مناطق مشتعلة أخرى كثيرة. صحيح أن أوروبا تتخوف من عودة الجهاديين إلى أرضها وتتباين الاستراتيجيات الإقليمية في هذا الصدد لكن هذا الخلاف يخفي خللا كبيرا في التعامل الأوروبي والأمريكي خاصة مع هذا الملف المعقد والخطير في آن واحد وهو ما يمكن أن نجمله في جملة من الملاحظات.

 

إقرأ أيضا: الولايات المتحددة تقرر سحب قواتها من سوريا وترامب يعلق

تتعلق الملاحظة الأولى بالمقاربة الأمنية الخالصة للملف، حيث تكاد تقتصر الاستراتيجيات الأوروبية على ثلاثة مستويات تتعلق بمراقبة الأشخاص المشتبه بهم أولا وتجفيف منابع التمويل الإرهابي ثانيا ومكافحة خطاب العنف والكراهية في أماكن العبادة ثالثا. لكن كل هذه الآليات لا تشمل ولا تتضمن معالجة سبب أساسي من أسباب انتشار الظاهرة الإرهابية وهو محاربة أسباب الظاهرة بضرب جذورها وتجفيف التربة الاجتماعية التي تنبتها خاصة في المنطقة العربية. 

إن حالة الحرب والفوضى والاقتتال والعنف التي تمارسها الأنظمة العربية ضد شعوبها هي المغذي الأساسي لتيارات التطرف الديني وللجماعات الارهابية بمختلف مسمياتها. لقد أنتج النظام الرسمي العربي أخصب المناطق لولادة مثل هذه الجماعات التي تعتبر إفرازا طبيعيا للقمع والفقر والفساد وانعدام الأفق الاجتماعي لملايين الشباب في البلاد العربية.

 

إقرأ أيضا: تونس تعلن تفكيك شبكة لـ"تسفير الفتيات" إلى سوريا

من جهة أخرى لا يشكل الإرهاب خطرا على الدول الأوروبية فحسب بل هو أولا وقبل كل شيء تهديد وجودي للمنطقة العربية التي كانت أول وأهم ضحاياه. فالإرهاب يضرب في كل مكان ويتسبب في حالة من الفوضى الكبيرة التي أثرت بشكل كبير ومباشر على المجتمعات العربية وعلى طبيعة تصور هذه المجتمعات لعلاقتها بالدين والسلطة والممارسة السياسية عامة. 

شبكات التسفير 

من بين الملفات الحارقة التي تطرح اليوم في مجال الربيع إنما تتمثل في مشكلة المقاتلين العرب في مناطق التوتر وخاصة في سوريا بعد الحديث عن وجود مجموعات كبيرة هناك، حيث يقاتل الكثير منهم في مختلف التشكيلات العسكرية ضد النظام أو إلى جانبه. هذا الملف يُطرح اليوم في تونس بقوة بعد الحديث عن أعداد كبيرة من التونسيين الذين ذهبوا إلى سوريا للقتال ووجود شبكات تسفير قائمة تشرف عليها جهات غامضة. لكن المشكل لا يطرح في إطار محاولات الكشف عن المسؤولين الفعليين عن هذه الشبكات بما هو مطلب كل التونسيين وعلى رأسهم عائلات الشباب المغرر بهم غالبا والذين هم الضحايا الحقيقيون لهذه الشبكات والعصابات المنظمة. إنما يطرح الملف في إطار الحرب السياسية والأيديولوجية للأحزاب ضد بعضها البعض ومحاولة كل فريق توريط الفريق المقابل في ملف على قدر كبير من الخطورة والحساسية.

 

إقرأ أيضا: المقاتلون الأجانب وتدوير الفوضى
 
تحاول الأحزاب المرتبطة بالنظام القديم وقوى الثورة المضادة توريط خصمهم الأيديولوجي وتحديدا الإسلاميين في المسؤولية عن هذه الشبكات لكن دون تقديم دليل مادي واحد على ذلك. بل هم يستفيدون من الحرب الإقليمية التي يرعاها النظام الرسمي العربي ضد الثورات المضادة وخاصة ضد ممثلي الإسلام السياسي من أجل ربطهم بالإرهاب وبالمسؤولية المباشرة عنه. لكن كلما حاولت السلطات الأمنية إثارة الملف بشكل قانوني تقني صرف فإن نفس هذه الأطراف ترفض الخوض فيه بشكل قد يكذب ادعاءاتها أو يورطها هي في المسؤولية عنه. من ناحية أخرى لم يبد المجتمع الدولي وآلياته القانونية أية بادرة للتحقيق الجدي والمستقل في هذا الملف الشائك بشكل يقدم تحقيقا فعالا في الغرض.

المرتزقة والإرهاب 

لكن إلى جانب الجماعات المقاتلة نشطت في السنوات الأخيرة ظاهرة المقاتلين الأجانب أو ما يعرف بالمرتزقة خاصة في سوريا واليمن وفي ليبيا أيضا. وهي ظاهرة لا تختلف في وظيفتها وخصائصها عن الظاهرة الإرهابية لكن المجتمع الدولي يرفض تصنيف هذه الجماعات إرهابيةً لأسباب تتعلق بأجنداته في مناطق النزاع، خاصة إذا علمنا مدي الارتباط الوثيق بين المرتزقة من ناحية وبين القوى الغربية التي ساعدت على وصولهم إلى هذه المناطق أو تورط القوى العربية والحكومات الداعمة للثورات المضادة  في استجلابهم إلى مناطق النزاع.
 
يشكل المقاتلون الأجانب اليوم في اليمن وفي سوريا بشكل خاص ظاهرة جديرة بالدراسة والتأمل بسبب آثارها الكارثية على المنطقة وعلى مسارات الانتقال السياسي هناك اليوم. إذ تنشط مجموعات كبيرة من الكولومبيين والأوغنديين والنيباليين وغيرهم من الجنسيات الإفريقية والأوروبية والأمريكية دون رقابة دولية لأن أغلب هاته الجماعات لا تنخرط في جيوش نظامية يمكن تتبع عملياتها بل هي تقوم بالمهام القذرة لصالح الطرف المشغّل من إغتيالات وتصفيات والإشراف على السجون السرية والمعتقلات وغرف التعذيب والاستجواب خارج إطار القانون. 

 

إقرأ أيضا: مؤتمر بباريس يبحث دور "المرتزقة" في المنطقة العربية

هكذا يبدو ملف الإرهاب ملفا معقدا لا يظهر من مكوناته الحقيقية إلا جزء بسيط يعمل الإعلام العربي والدولي المرتبط بأجندات سياسية خاصة إلى توظيفه حسب الهدف المراد منه. لكن يبدو أن الضرر الكبير الذي ألحقه هذا الملف بثورات الشعوب التي انزلق بها إلى الفوضى والعنف ووسمها بالإرهاب والتطرف توجب اليوم على الجميع التصدي لهذه الظاهرة بالتحليل والقراءة والنقد من أجل وضع تصور موضوعي ودراسة علمية مغايرة لتلك التي يعمل المجتمع الدولي ووكلاؤه العرب على فرضها على الشعوب التي تعتبر أول ضحايا الإرهاب والإرهابيين والمرتزقة والمقاتلين بمختلف أنواعهم.

التعليقات (0)