قضايا وآراء

الرياض والمسار الآسيوي المتعرج

1300x600
1300x600

اضطر ولي العهد السعودي للعودة إلى الرياض من "إسلام أباد" لاستكمال جولته الآسيوية بعد أن رفضت الهند أن يتوجه إليها مباشرة جوا مرورا بالأجواء الباكستانية الهندية؛ مسار متعرج أدخل السعودية في صلب الجدل المتعلق بآلية إدارة الصراع والتنافس بين نيودلهي وإسلام أباد؛ زاده تعقيدا حادثة كشمير التي قتل فيها 44 جنديا هنديا، دافعا الهند للمطالبة بإضافة "مسعود أزهر" زعيم "جيش محمد" على قوائم الإرهاب في الأمم المتحدة؛ جهد تم إحباطه نتيجة الجهود الصينية والسعودية.

مسار الطائرة المتعرج عكس طبيعة العلاقة المعقدة التي نسجتها الرياض مع الخصمين في نيودلهي وإسلام أباد والتي يمتد تأثيرها إلى الصين؛ مسار عكس طبيعة الشراكات التي تربطها بالدول التي تحولت إلى قوى متطلبة تستثمر بشكل سلبي في الصعوبات التي تواجهها المملكة العربية السعودية وتزيد من كلف هذه العلاقة بتأثير من حرب اليمن وأزمة خاشقجي وحصار قطر؛ ذلك أنها عوامل ضاغطة مؤثرة في فاعلية الدبلوماسية الاقتصادية والسياسية السعودية سواء باحتواء إيران أو تعويض الخذلان الأمريكي والأوروبي لها كحليف موثوق بات يستهدفها بالعقوبات والنقد الذي يطال العديد من الملفات السياسية والحقوقية والاقتصادية.

 

إقرأ أيضا: ما سر الطفرة الاستثمارية السعودية في باكستان؟

حقائق برزت في جولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إذ رفض التعليق رسميا على أحداث كشمير أو الإشارة إلى ملف الاحتلال الهندي للإقليم رغم الحماسة التي أبداها الباكستانيون؛ بل وأُعلن بأن ولي العهد السعودي لن يتطرق إلى الملف أثناء زيارته إلى الهند فالشركاء من الممكن أن يكونوا متطلبين وأكثر تمنعا في الانسياق خلف الرغبات السعودية رغم شراكاتهم الاقتصادية القوية مع المملكة.

 

الشريك التجاري الرابع للهند


فالسعودية موطن لـ 2.7 مليون مغترب هندي وتعد الشريك التجاري الرابع للهند بحجم تبادل تجاري يقدر بـ 28 مليار دولار؛ كما تزود الرياض الهند بـ 20% من احتياجاتها النفطية؛ ما دفعها للسعي لتطوير هذه الشراكة ببناء أكبر ميناء لتخزين وتصدير النفط غرب البلاد بقيمة تفوق الـ 40 مليار دولار؛ وهي شراكة تجارية تتفوق على مثيلتها مع باكستان وطهران ورغم ذلك فإنها تحتفظ نيودلهي بعلاقات قوية مع إيران لدرجة تجاوز العقوبات الأمريكية على استيراد النفط.

 

إقرأ أيضا: مودي يخرج عن البروتوكول في استقبال ابن سلمان (شاهد)

مقابل هذا التطور في العلاقات الاقتصادية بين الرياض ونيودلهي بقيت العلاقة مع إسلام أباد تدور في الفضاء الأمني والعسكري إلى حد كبير؛ إذ انصب التركيز على إقامة تحالفات مع إسلام أباد تساعد الرياض على احتواء تهديدات إيران ومحاصرتها؛ وتتشعب لتشمل الانفتاح على مشاريع الصين الطموحة مسألة تزيد من حجم الشكوك الغربية والأمريكية بالتوجهات السعودية التي ناقشت وسائل إعلامها واستخباراتها مؤخرا في لجان الكونجرس الأمريكي وبشكل متزامن مع جولة ولي العهد السعودي مخاطر امتلاك السعودية للتكنولوجيا النووية؛ خصوصا بعد أن وقعت الرياض 14 اتفاقا بقيمة 20 مليار دولار؛ ينفق منها 10 مليارات دولار لتطوير ميناء "جوادر" الذي يعد امتدادا لمشروع "حزام واحد ـ طريق واحد" الصيني؛ والباقي يذهب لدعم الاقتصاد الباكستاني الذي يعاني من إشكالات كبيرة منها تراجع الاحتياطات النقدية في البنك المركزي لتقترب من 8 مليارات دولار فاقمها العقوبات الأمريكية على إسلام أباد ووقف الدعم والمنح الموجهة إليها؛ دافعا السعودية ومن قبلها الإمارات العربية لتقديم دعم بمقدار 3 مليار دولارات لباكستان استبقت فيها زيارة ولي العهد السعودي.

 

التوجهات السعودية الجديدة رغم أهميتها إلا أنها تمثل كلفة إضافية سياسية ودبلوماسية وأمنية واقتصادية تضاف كأعباء على المملكة العربية السعودية؛ إذ تتم في ظل ظروف إقليمية ودولية متأزمة مع الحلفاء الغربيين


إسلام أباد ونيودلهي تتنافسان بقوة على تطوير العلاقة مع الرياض؛ وكل منهما يتمتع بأفضلية فرغم  الأهمية الاقتصادية للهند فإن الباكستان تعد حليفا قويا للمملكة السعودية، فهي شريك في التحالف الإسلامي لمكافحة الارهاب ورئيس أركانها السابق "رحيل شريف" يعد الآن رئيسا للتحالف؛ كما تملك إسلام أباد حضورا عسكريا في السعودية؛ والأهم من ذلك أنها جار لإيران الخصم القوى للمملكة العربية السعودية في المنطقة ما يجعل من إدارة العلاقات المشتركة الهندية الباكستانية السعودية مسألة غاية في التعقيد تزداد تحديا وتزداد كلفة بمرور الوقت لكافة الأطراف المنخرطة فيها؛ فـ "بلوشستان" ليست معضلة إيرانية بل وباكستانية، فبعد مقتل 27 جنديا ايرانيا في الإقليم تعرض 6 من الجنود الباكستانيين لذات المصير.

 

إقرأ أيضا: غوتيريش يقترح وساطة أممية بين الهند وباكستان

الهند والباكستان تعد العقبة الأولى التي واجهها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جولته الآسيوية تخللها الكثير من المناورات التي أثرت على الجدول الزمني للزيارة ومسارها الجوي؛ ويربك جدول الزيارة بأكمله الذي يشمل الصين؛ بل وأفضت إلى تأجيل كامل للزيارة لكل من ماليزيا وأندونيسيا إلى أجل غير معلوم.

التوجهات السعودية الجديدة رغم أهميتها إلا أنها تمثل كلفة إضافية سياسية ودبلوماسية وأمنية واقتصادية تضاف كأعباء على المملكة العربية السعودية؛ إذ تتم في ظل ظروف إقليمية ودولية متأزمة مع الحلفاء الغربيين؛ وتتعاطى مع شركاء متنافسين ومتصارعين كالصين والهند وباكستان وهي دول تملك أولويات وتحالفات متباينة بل وتملك علاقات استراتيجية مع إيران وعدد من القوى المنافسة للمملكة العربية السعودية؛ مسألة تزيد من التحديات والكلف السياسية والاقتصادية لإدارة العلاقات السعودية الخارجية؛ مسار متعرج ومكلف؛ حقيقة ستعاني منها السعودية لوقت غير قصير في ظل حالة التصارع العربي وانعدام الاستقرار واليقين فما تحتاجه السعودية؛ مراجعة شاملة لسياساتها وعلاقاتها الدولية وعدم الاكتفاء بالمناورات الاقتصادية والدبلوماسية. 

 

إقرأ أيضا: ابن سلمان يصل الصين في ثالث محطات جولته الآسيوية

التعليقات (0)