أفكَار

إسلاميو ليبيا شاركوا في الإطاحة بالقذافي برصيد سياسي ضعيف

كاتب ليبي: الإسلاميون توحدوا في الإطاحة بالقذافي لكنهم اختلفوا في بناء الدولة (الأناضول)
كاتب ليبي: الإسلاميون توحدوا في الإطاحة بالقذافي لكنهم اختلفوا في بناء الدولة (الأناضول)

لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.

لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الإنتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع  يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.

في الجزء الثالث والأخير من عرضه لملف الحركة الإسلامية في ليبيا، يسلط الكاتب والباحث الليبي جمال أبو زيد الضوء على تجربة الإسلاميين في ليبيا أثناء الثورة على نظام القذافي وبعدها.

إسلاميو ليبيا كانوا عمود الثورة التي أطاحت بحكم القذافي

من تونس انفجرت ثورات الربيع العربي، ونجحت تونس في التخلص من زعيمها المستبد الذي جثم على صدر شعبه ما يقارب ربع قرن، وما لبث أن سقط فرعون مصر بعد ثلاثين عاما من الحكم، وفي الوقت ذاته كانت ثورة اليمن تكافح من أجل إسقاط زعيمها، الذي أمضى أكثر من ربع قرن في السلطة. 

في ذلك الجو المكفهر، كانت ثمة دعوات في منصات التواصل الإجتماعي  تدعو الليبيين للخروج في مظاهرات ضد القذافي يوم 17 شباط (فبراير) 2011 أسوة بإخوانهم العرب. استبق نظام القذافي يوم الخروج باعتقال محامي ضحايا سجن بوسليم فتحي تربل، فاستفز ذلك الفعل أهالي ضحايا سجن بوسليم، مما دفعهم إلى الخروج للمطالبة بإطلاق سراح المحامي. 

أخذت تلك الاحتجاجات السلمية تتوسع وتنتشر حتى شملت عددا كبيرا من المناطق. سارعت قوات الأمن لإخماد تلك الإحتجاجات وبادرت لإسكات الحناجر التي تطالب بالحرية والعدالة، ففتحت النّار على المحتجين موقعة بينهم ضحايا. أشعلت تلك الرصاصات أوار الثورة في قلوب الليبيين، التي لم تلبث أن صارت تتدحرج ككرة الثلج. أخذت رقعة الاحتجاجات تتسع في بنغازي وغيرها من المدن الشرقية، ثم سرعان ما انتقلت شرارتها إلى العاصمة طرابلس ومصراتة والمدن الغربية. 

 

إقرأ أيضا: إسلاميو ليبيا.. مزيج من الفكر الوطني وإرث التصوف والإخوان

ازدادت شراسة النظام ضد المحتجين، وخرج القذافي يزبد ويرعد ويتوعد المتظاهرين بالسحل والقتل ما لم يتوقفوا عن الثورة. لم يتردد سيف الإسلام في الإنحياز إلى والده، فلبس لبوس الحرب، وهدد الثوار، الذين وصفهم بأنهم مجموعة من الحشاشين، بسوء المصير. سارع القذافي إلى إرسال كتائبه المسلحة لتنفيذ وعيده. 

لم تجد الجماعات الإسلامية بدّا إلاّ رفع السلاح لمواجهة شراسة النظام للدفاع عن نفسها وأهليها. فشاركت في العمل المسلح ضد النظام الذي آلى على نفسه أن يقتل شعبه ما لم يعد لبيت الطاعة مرغما. كان على رأس تلك الجماعات؛ جماعة الأخوان المسلمين، والجماعة المقاتلة، التي كانت لديها خبرة في العمل المسلح والقتال، شكّلت الجماعة المقاتلة، بقيادة عبد الحكيم بلحاج كتيبة مسلحة، باسم "كتيبة 17 فبراير" التي شاركت في القتال ضد كتائب القذافي في عدة مدن ليبية مستفيدة من الدعم الذي قدمته قوات النيتو للثوار. فرّ القذافي من طرابلس حين طفقت قوات الثوار تزحف نحو العاصمة من الجبل الغربي وشرق طرابلس. كان لكتيبة 17 فبراير دورها الفاعل في تحرير العاصمة.

وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2011 قتل القذافي على يد الثوار ليسدل الستار على حقبة تراجيدية مريرة مرّت بها ليبيا. وبذهاب القذافي تنفست الحركات الإسلامية الصعداء، إذ تخلصت من أكثر الأنظمة دموية، الذي جثم على صدور الليبيين لأربعة عقود ونيف. 

الحركات الإسلامية والمشاركة السياسية

طفقت الحركات الإسلامية في إعادة تنظيم صفوفها ولملمة أوراقها، كي تنخرط في العمل السياسي الذي فتحت الثورة الباب على مصراعيه لكافة الأحزاب السياسية للتنافس على السلطة تحت قبة المؤتمر الوطني العام "البرلمان". وسارعت تلك الحركات إلى تشكيل أحزاب سياسية للدخول في معركة الديمقراطية والمشاركة في الانتخابات التشريعية. 

خاضت جماعة الإخوان المسلمين الانتخابات تحت مسمى "حزب العدالة والبناء" بينما انقسمت الجماعة المقاتلة إلى حزبين: "حزب الوطن" بزعامة عبد الحكيم بلحاج، و"حزب الأمة الوسط" بزعامة سامي الساعدي. كان من الواضح افتقار الجماعتين للخبرة السياسية والتنظيمية فلم تتمخض مشاركتهما عن نتائج تذكر في الانتخابات ولم يتحصل الحزبان على أصوات في القائمة الحزبية ولكن في المقابل نجحا في الدّخول إلى المؤتمر الوطني، البرلمان، عن طريق القوائم الفردية. وقف أعضاء الحزبين: حزب الوطن، الأمة والوسط إلى جانب حزب العدالة والبناء في كثير من المواقف السياسية تحت قبة المؤتمر الوطني العام، حيث شكلت تلك الأحزاب تحالفا لتمرير أو عرقلة كثير من القرارات التي أصدرها المؤتمر. كان لانتشار السلاح في العاصمة ووجود بعض الكتائب المسلحة والمليشيات القبلية والجهوية الأثر الكبير على عمل المؤتمر وتنفيذ قراراته. لم يسلم المؤتمر نفسه من الاجتياح والتخريب على يد مليشيات غاضبة.

أنصار الشريعة وتنظيم الدولة

أعلنت مجموعة من الحركات الإسلامية المسلحة في بنغازي عن تشكيل جماعة أنصار الشريعة، التي تتماهى في أفكارها مع القاعدة، ولكن الجماعة نفت علاقتها بتنظيم القاعدة وتبرأت من تلك العلاقة وأعلنت أنها تنظيم داخلي لا ارتباط له بالخارج البتة. وعلى الرغم من ذلك فقد صنفت الولايات المتحدة الأمريكية أنصار الشريعة على أنها منظمة إرهابية إثر إغتيال السفير الأمريكي في بنغازي في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). حاول تنظيم أنصار الشريعة كسب ودّ السكان بالقيام ببعض المبادرات كتفعيل الخدمات العامة، والمؤسسات الحدمية التي تخدم المواطن.
 
وفي أيار (مايو) 2014 أعلن خليفة حفتر ما يسمى بـ "عملية الكرامة" وأوقف العمل بالإعلان الدستوري، وأخذ يجمع ضباط الجيش وضباط الشرطة حوله تحت ذريعة إنقاذ ليبيا وإعادة هيبة الجيش والشرطة. شن قوات حفتر الذي كان مدعوما ببعض القبائل في المنطقة الشرقية حربا شعواء على أنصار السنة بدعم من دولة الإمارات، والجيش المصري وكان نتيجة عملية الكرامة تدمير معظم مدينة بنغازي، وتهجير جلّ سكانها.

الحركات الإسلامية في مواجهة حفتر

وجدت الحركات الإسلامية نفسها في خندق واحد ضد الجنرال المتقاعد المتعطش للسلطة، خليفة حفتر، باستثناء التيارات السلفية التي انحازت إلى عملية الكرامة، ووقفت مع حفتر بفتاوى من شيوخها في السعودية. كان للمداخلة التي تنسب نفسها إلى التيار السلفي حضورا بارزا في ليبيا منذ الثمانينيات، وكان الفكر السلفي يلتقي آنذاك مع بعض الأفكار مع بقية التيارات الإسلامية. 

في التسعينيات تبنّى الساعدي القذافي الفكر السلفي وبدأ ينافح عنه ويقرب المنتمين إليه شعورا من النظام أن هذا الفكر هو صمام الأمان ضد الأفكار التكفيرية أو الجماعات العنيفة التي تتبنى الفكر الجهادي، كما أن للجماعة خصومة عقدية مع جماعة الأخوان المسملين أخذت تنمو يوما بعد يوم. وهذا ما يفسر غياب الجماعات السلفية عن المشاركة في الثورة، إذ كانت ضد قيامها باعتبارها فتنة، وبذلك فضلوا الانحياز للمساجد وعدم المشاركة في "الفتنة" كما يقول منظروهم. 

بيد أن هذه الجماعات سرعان ما شكلت كتائب مسلحة وسيطرت على بعض المناطق في المنطقة الغربية، أما في المنطقة الشرقية فقد شاركت "كتيبة التوحيد" إلى جانب حفتر في قتاله ضدّ أنصار الشريعة الذين يدعونهم بـ "الخوارج" تلبية لفتاوى صدرت من مشايخ التيار "المدخلي" نسبة إلى ربيع بن هادي المدخلي.
 
ومع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في في ليبيا وإعلانه عن نفسه ومبايعته لزعيم التنظيم في العراق والشام، أبوبكر البغدادي، عام 2014، ازداد المشهد السياسي إرتباكا في ليبيا. حاول التنظيم السيطرة على الهلال النفطي في سرت، ودخل التنظيم في صراع ضد الجماعات الإسلامية. كان التنظيم يحاول بسط سيطرته على أجزاء واسعة من ليبيا. مُني التنظيم بهزيمة في أهم معاقله مثل: درنة وسرت، وبذلك كسرت شوكته في ليبيا.

فردانية القذافي وسطوته لم تمنع تنوع المشهد الإسلامي الليبي

 

التعليقات (0)