سياسة دولية

MME: مباحثات أوروبية مع دول شرق أوسطية لتبادل بيانات أمنية

من بين الدول التي تجرى معها مباحثات مصر- أ ف ب (أرشيفية)
من بين الدول التي تجرى معها مباحثات مصر- أ ف ب (أرشيفية)

نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا تحدث فيه عن تبعات توجه الاتحاد الأوروبي نحو التعاون مع السلطات الأمنية في مصر فيما يتعلق بتبادل البيانات، لاسيما وأن هذا التعاون الثنائي قد يسفر عن مزيد تعميق معاناة الشعب المصري.

وقال الموقع، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن العديد من المسؤولين في الاتحاد الأوروبي باشروا إجراء محادثات مع نظرائهم في العديد من دول الشرق الأوسط، على غرار مصر وتركيا، وذلك بشأن اتفاقيات مشاركة البيانات المقترحة. ومن شأن هذه الاتفاقيات تمكين وكالة تطبيق القانون الأوروبية من تبادل المعلومات الشخصية للأفراد مع سلطات إنفاذ القانون المحلية.

وفي بعض الظروف، يمكن لهذه الاتفاقيات السماح بنشر معلومات تخص انتماء الشخص وعرقه وآرائه السياسية ومعتقداته الدينية وعضويته النقابية وبياناته الوراثية، فضلا عن العديد من المعلومات المتعلقة بصحته وحياته الجنسية.

من جهته، ينظر الاتحاد الأوروبي لهذه الاتفاقيات على أنها جزء من الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب في أفريقيا، وذلك على الرغم من المخاوف التي أثيرت حول سجلات حقوق الإنسان في هذه الدول من قبل هيئات حماية البيانات الخاصة. ومنذ مطلع السنة الحالية، أعدمت السلطات المصرية عددا من المساجين المتهمين في قضايا، أسفرت عن تعرضهم للتعذيب بناء على اعترافات قسرية.

علاوة على ذلك، حكمت السلطات القضائية على المئات من الأشخاص بالإعدام، وهو ما وصفته حملة "ريبريف" لمناهضة الإعدام بأنها "أزمة حقوق إنسان شاملة". والجدير بالذكر أن عدد هذه الأحكام ازداد بشكل كبير منذ تولي عبد الفتاح السيسي للحكم عقب انقلاب سنة 2013. ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى عقد اتفاقيات تبادل بيانات مع العديد من الدول الأخرى، على غرار إسرائيل وتونس والجزائر والأردن ولبنان والمغرب وتركيا.

وتطرق الموقع إلى تصريح متحدث باسم المفوضية الأوروبية، التي تعتبر الهيئة الإدارية للاتحاد الأوروبي والتي تضطلع بقيادة هذه المحادثات، الذي ورد فيه أن المفاوضين أجروا جولة أولى من المحادثات مع تركيا في بروكسل في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وأضاف المصدر ذاته أن المفوضية عقدت اجتماعا مع ممثلين من الجزائر ومصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس في الثالث من كانون الأول/ديسمبر الماضي.

ونقل تصريح مديرة منظمة ريبريف، مايا فويا، التي أعربت عن قلقها من سعي الاتحاد الأوروبي إلى توطيد علاقاته مع الأجهزة الأمنية المصرية التي تورطت في انتهاكات واسعة النطاق، بما في ذلك تعذيب المساجين وإصدار المئات من أحكام الإعدام في إطار محاكمات جماعية. وفي هذا الصدد، صرحت فويا، أنه "يجب على الاتحاد الأوروبي دعوة السيسي لوضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان التي تقف وراء عمليات الإعدام الجماعي، وضمان ألا يؤدي أي تبادل للمعلومات إلى تواطؤ الاتحاد الأوروبي مع نظام عقوبة الإعدام الوحشي في مصر".

وفي حديثها إلى موقع "ميدل إيست آي"، قالت ممثلة الاتحاد الأوروبي البارزة في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ليزلي بيكمال، إن "هذا الأمر يعتبر تطورا مثيرا للقلق بشكل كبير. ففي الواقع، تتعاون العديد من الدول الأوروبية مع مصر بشكل ثنائي، وعلى درجات متفاوتة. وسيؤدي موقف الاتحاد الأوروبي المماثل لهذا التوجه إلى مزيد تطبيع التعاون مع أجهزة الأمن المصرية المعروفة بانتهاكات حقوق الإنسان بشكل ممنهج. لقد استُخدمت هذه الانتهاكات مرارا وتكرارا على اعتبارها وسيلة لانتزاع الاعترافات من أشخاص اعتُبِروا مشاركين في قضايا إرهابية، ومن ثم تعرضوا لمحاكمات جائرة قد تؤدي إلى أحكام بالسجن لفترات طويلة أو عقوبة الإعدام".

 

إقرأ أيضا: 9 منظمات حقوقية تدين توظيف أحكام الإعدام بمصر سياسيا

وأفاد الموقع أن المفوضية الأوروبية دعت إلى تدابير تتعلق بتبادل البيانات حتى يقع الاتفاق عليها مع الدول الثمانية على اعتبارها جزءا من حزمة من التدابير لمكافحة الإرهاب، التي وقع إماطة اللثام عنها في تشرين الأول / أكتوبر سنة 2017. وقد أبدى كل من المجلس الأوروبي، الذي يتكون من قادة 28 دولة المنضوية تحت راية الاتحاد الأوروبي، والبرلمان الأوروبي موافقتهما على المفاوضات. ويأتي ذلك على الرغم من أن البرلمان الأوروبي قد حذر من سجل حقوق الإنسان في مصر في بيان رسمي السنة الماضية.

وشددت كلا الهيئتين على أن أي اتفاقات نهائية ستتضمن شروطا ملزمة لبقية الدول حتى تعمل على جعل قوانين حماية البيانات الخاصة بها تتوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي. فضلا عن ذلك، ينبغي أن تلتزم بتطبيق ضوابط لضمان احترام حقوق الإنسان.

من جهتها، أفادت لجنة الحريات المدنية بالبرلمان بأنه من الضروري إجراء تقييم شامل للمخلفات المترتبة بهدف تحديد المخاطر الكامنة وراء الاتفاقات المقترحة. فضلا عن ذلك، لا بد من أن يقر البرلمان بموافقته قبل أن يتم توقيع أي اتفاقيات نهائية.

وبين الموقع أنه في ورقة رأي نشرت السنة الماضية، صرحت وكالة حماية البيانات الأوروبية أنه بات من الملح تكريس ضوابط وضمانات للتأكد من أن عمليات نقل البيانات لم تخرق التزامات حقوق الإنسان. كما قدمت اللجنة توصياتها بشأن ضرورة أن يشمل أي اتفاق ضمانات تحيل إلى أن نقل البيانات من وكالة تطبيق القانون الأوروبية لن يستخدم في قضايا تؤدي إلى تطبيق عقوبة الإعدام. والجدير بالذكر أن إسرائيل تعد الدول الوحيدة من بين البلدان الثمانية التي ألغت عقوبة الإعدام.

وورد في ورقة الرأي أن "وكالة حماية البيانات الأوروبية أشارت إلى أن بعضا من دول العالم الثالث التي يتم النظر في إمكانية تعاونها مع وكالة تطبيق القانون الأوروبية ثبت أنها عمدت إلى خرق مثل هذه الحقوق الأساسية. فضلا عن ذلك، شددت لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة على أوجه القصور الجسيمة في بعض من هذه الدول في علاقة بالحالات المعلن عنها بخصوص عمليات تعذيب وسوء معاملة، والوضعية المزرية لمراكز الاحتجاز واستخدام أدلة حصل عليها بالإكراه، ناهيك عن انعدام أي ضمانات حماية أساسية لصالح المحتجزين والأوضاع المعيشية في مخيمات اللجوء".

وجاء في المبادئ التوجيهية الصادرة عن المفوضية الأوروبية لمفاوضيها، على اعتبارها أسس الاتفاقيات المستقبلية بشأن تشارك البيانات مع كل دولة، أن الاتفاقيات يجب أن تسهل "التعاون المشترك للتصدي ومكافحة الجريمة والإرهاب العابرين للحدود"، ولكن أيضا لابد من "ترسيخ ضوابط تكرس حماية الخصوصية والبيانات الشخصية والحقوق الأساسية وحريات الأفراد".

لكن يبدو أنهم تركوا المجال مفتوحا أمام تبادل البيانات الشخصية المتعلقة بالمعتقدات السياسية والدينية، وحتى التفاصيل المتعلقة بالحياة الجنسية للمشتبه به، في الحالات التي يعتبر فيها تبادل هذه البيانات "ضروريا ويتناسب مع المعايير".

ووفقا للمبادئ التوجيهية الصادرة عن المفوضية، يحظر تبادل البيانات الشخصية التي تكشف عن الأصول العرقية أو الإثنية أو الآراء السياسية أو المعتقدات الدينية أو الفلسفية أو العضوية في النقابات العمالية أو البيانات الوراثية أو حتى البيانات المتعلقة بصحة الشخص أو حياته الجنسية من قبل وكالة اليوروبول، ما لم يكن ذلك ضروريا ويتناسب مع المعايير في الحالات المنفردة التي تهدف إلى منع أو مكافحة الجرائم الجنائية على النحو المشار إليه في الاتفاقية التي تخضع لضوابط ملائمة".

وذكر الموقع أن إبراهيم حلاوة، مواطن أيرلندي يبلغ من العمر 17 سنة تم اعتقاله في مصر سنة 2013 واحتجز في السجن لأكثر من أربع سنوات، صرح بأن المشاركة المحتملة للبيانات بين قوات الشرطة المصرية والأوروبية يعد أمرا مثيرا للقلق. وأضاف حلاوة، الذي اعتُقل عند مداهمة قوات الأمن مسجدا بالقاهرة لجأ إليه محتجون مناهضون للحكومة، أنه "من المثير للقلق رؤية دول تمارس وتدعو للديمقراطية تدافع عن الدكتاتورية التي تنتهك بوضوح حقوق الإنسان وحرية التعبير". وتجدر الإشارة إلى أن حلاوة قُدِّم للمحاكمة مع المئات من المصرين بتهم تستدعي عقوبة الإعدام، لكن تمت تبرئته في نهاية المطاف.

وحيال هذا الشأن، قال حلاوة، إن "الأمر مثير للقلق بالنسبة للمصريين الذين يعيشون في الخارج والمواطنين من جميع دول الشرق الأوسط. ففي الواقع، هم يخبرونك بأنك لست بمأمن لأنه بإمكانهم تقديم بياناتك إلى الحكام الدكتاتوريين والمجرمين في بلدان أخرى. في حال تطرقت إلى جوهر مفهوم الإعدام، فلن يقتصر تفسيره على كونه "مجرد شخص يقتل شخصا آخر، لأن هذا المصطلح ينطوي أيضا على أولئك الذين يساعدون على تنفيذ مثل هذه الإجراءات".

ومن جهتها، قالت بيكمال، من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إن تبادل البيانات بين قوات الشرطة قد يزيد من تعرض النشطاء والمعارضين والأشخاص الذين يعيشون في المنفى المقيمين في أوروبا للخطر. وأضافت بيكمال، أنه "يمكن أن تنطوي اتفاقية مشاركة البيانات هذه على تهديدات إضافية للمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين السلميين ولأي مواطن يحاول الهرب من القمع الممارس من قبل قوات الأمن المصرية ودول أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في حال سفرهم إلى أوروبا، لأن ذلك يؤدي إلى إتاحة بياناتهم الشخصية إلى وكالات تطبيق القانون غير المتعاطفة التي يمكنها ترحيلهم أو الكشف عن مكان وجودهم للسلطات المصرية".

وفي قرار صدر في شهر كانون الأول / ديسمبر، أعرب البرلمان الأوروبي عن قلقه الشديد إزاء المحاكمات الجماعية، التي تجريها المحاكم المصرية، بالإضافة إلى العدد الهائل من أحكام الإعدام والسجن لفترات طويلة.

وقال الموقع إن البرلمان قد دعا الاتحاد الأوروبي إلى وقف تصدير تقنيات المراقبة والمعدات الأمنية إلى مصر، التي يمكن أن تسهل استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي. كما دعا البرلمان الديبلوماسية البارزة في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، إلى ضرورة إيلاء الأولوية واهتمام أكبر بمعاناة المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر، وإدانة الوضع المفزع في البلاد فيما يتعلق بحقوق الإنسان، من بينها تطبيق عقوبة الإعدام. وألح البرلمان على استخدام موغيريني جميع وسائل التأثير الموضوعة تحت تصرفها لممارسة الضغط على مصر من أجل تحسين وضع حقوق الإنسان ووقف تنفيذ عمليات الإعدام الوشيكة.

وأفاد بأن موغيريني وغيرها من القادة والمسؤولين الأوروبيين سيحضرون قمة الاتحاد الأوروبي مع جامعة الدول العربية، الذي ينعقد اليوم وغدا في شرم الشيخ، بمصر. وتجدر الإشارة إلى أن زعماء المعارضة المصرية قد أرسلوا، يوم الجمعة، رسالة إلى كل من موغيريني وقادة الاتحاد الأوروبي الآخرين لإقناعهم بمقاطعة الحدث، محذرين من أن عمليات الإعدام ستصبح حدثا أسبوعيا.

وقد أخبر متحدث باسم المفوضية الأوروبية موقع ميدل إيست آي، أنه لم يتم وضع خطة لإجراء أي محادثات بين مسؤولي الاتحاد الأوروبي والمسؤولين من الدول الست في جامعة الدول العربية بخصوص التعاون في مجال إنفاذ القانون.

وردا على السؤال المطروح عليه بشأن ما إذا كانت عمليات الإعدام الأخيرة في مصر ستؤثر على تقدم سير المحادثات المتعلقة بمشاركة البيانات، صرح هذا المتحدث أن "الأمور المرتبطة بحقوق الإنسان تلعب دورا هاما في التعاون بين سلطات إنفاذ القانون، بما في ذلك المفاوضات التي تجري في هذا السياق. وبالنسبة لعمليات الإعدام الأخيرة، يعارض الاتحاد الأوروبي بشكل قاطع تنفيذ عقوبة الإعدام في جميع الحالات وتحت أي ظرف، كما أنه يطالب باستمرار بإلغاء هذا الحكم في جميع أنحاء العالم".

التعليقات (0)