قضايا وآراء

هل تهاوت مقولة "شوفوا سوريا"؟

عبد الله المجالي
1300x600
1300x600


يعيد الحراك الشعبي في كل من السودان والجزائر الربيع العربي سيرته الأولى.

ما يحدث في البلدين العربيين نسخة طبق الأصل لما حدث في بعض البلدان العربية عام 2011.

ذات الحراك، وذات الدوافع، وذات المطالب.

في 2011 ثارت الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن.

كانت مطالب الشعوب، ولا زالت، بسيطة للغاية: نريد الحرية، نريد أن نختار حكامنا بحرية، نريد عدالة اجتماعية، كفى للظلم، كفى للاستبداد، كفى للفساد.

مطالب السودانيين والجزائريين هي ذات مطالب الشعب السوري التي عبر عنها في حراك شعبي اجتاح جميع المحافظات السورية بشكل حضاري، إلا أن تعنت النظام ومواجهة الحراك السلمي بالقمع والقتل والسجن؛ أحاله إلى ما لا تحمد عقباه، حيث انتهت سوريا إلى ساحة تتشابك فيها مصالح العالم كله، يصدّر إليها كل شيء، من السلاح إلى الرجال.

 

مطالب السودانيين والجزائريين هي ذات مطالب الشعب السوري التي عبر عنها في حراك شعبي اجتاح جميع المحافظات السورية بشكل حضاري

استثمرت قوى الثورة المضادة بشكل مثالي في سوريا، وأصبحت سوريا "أيقونة" الثورة المضادة، وأصبحت الأنظمة العربية تمتلك سلاحا فتاكا في وجه أي حراك شعبي: "هل تريدون أن يحصل لنا مثل سوريا".

بالاستخدام الذكي والفعال لما يحدث في سوريا، أصبحت سوريا رديفا للدمار والقتل والتشريد والترويع والتهجير؛ أصبحت مصطلحا دخل قاموس الإعلام والسياسة، بما يمثله من ترهيب وتحذير للشعوب من أي تحركات شعبية ضد الأنظمة الحاكمة.

طيلة ست سنوات، بعد الانقلاب على الربيع العربي صيف 2013، أثبتت الفزاعة السورية نجاعتها في لجم الحراكات الشعبية في البلدان العربية كافة.

في السودان والجزائر لم تكن الثورة السورية محل ترحيب لدى نظامي البلدين، ظل التذكير بمآسي سوريا سيدة الموقف وطليعة الخطة الرسمية لإجهاض أي حراك شعبي.

 

قطاعات كبيرة من الشعوب العربية باتت مقتنعة تماما بأن ما حدث في سوريا كان نتيجة الحراك الشعبي غير المحسوب، وأن أي حراك شعبي غير محسوب سيوفر البيئة المناسبة للتدخلات الخارجية

نجحت الخطة كما نجحت في غيرها من البلدان العربية، لدرجة أن قطاعات كبيرة من الشعوب العربية باتت مقتنعة تماما بأن ما حدث في سوريا كان نتيجة الحراك الشعبي غير المحسوب، وأن أي حراك شعبي غير محسوب سيوفر البيئة المناسبة للتدخلات الخارجية وللأعداء المتربصين بالوطن للنفاد لتخريبه وبث الفوضى وعدم الاستقرار.

باتت الاحتجاجات الشعبية على الأوضاع هي الوجه الآخر للفوضى وعدم الاستقرار. هذه أصبحت حقيقة راسخة؛ رسختها الأنظمة بطرقها ووسائلها.

في بداية الأزمة في السودان والجزائر، لم تملّ الأنظمة هناك بتذكير شعبيهما بما يحدث في سوريا، معتقدة أن الأمر سينجح كما نجح طيلة السنوات الست الماضية، بل إن كثيرا من المراقبين اعتقدوا أن ذلك سينجح أيضا، لكن المفاجأة كانت أن الشعبين تجاوزا "فزاعة" أو "فوبيا" سوريا، وتركاها وراء ظهورهما، واندفعت الجماهير إلى الشوراع بذات المطالب التي بدأت عام 2011، وبدا للأنظمة وعرابي الثورة المضادة أنهم دفنوها عام 2013.

 

انهيار حائط الصد المتمثل بـ"شوفوا شو صار في سوريا" يرتب على الأنظمة العربية كافة، وعلى الأنظمة التي رعت واستثمرت في الثورة المضادة، مخاطر كبيرة

انهيار حائط الصد المتمثل بـ"شوفوا شو صار في سوريا" يرتب على الأنظمة العربية كافة، وعلى الأنظمة التي رعت واستثمرت في الثورة المضادة، مخاطر كبيرة، خصوصا إذا ما علمنا أن كل أسباب الانتفاضات العربية لا زالت قائمة، بل تزايدت.

نجاح الحراك الشعبي في السودان والجزائر سيغري شعوبا أخرى؛ لعل الشعب المصري يكون في مقدمتها، ولذلك فإن عرابي الثورات المضادة لن يقفوا مكتوفي الأيدي، وسيبذلون جهدهم لإجهاض التحركات الشعبية الجديدة أو احتوائها وتفريغها من مضمونها أو إلهائها، وسيحاولون منذ اللحظة تفعيل خطة "سوريا"، وسيدعمون بكل قوة نظامي البلدين، للوقوف ضد مطالب الشعبين، وسيحاولون إغراءهما لمنعهما من تقديم أي تنازل، علّ الأوضاع تصل إلى الصدام والقتل، لتعاد سيرة سوريا بدل أن تعاد سيرة الربيع العربي الناصع.

التعليقات (0)