مقالات مختارة

فزّاعة سوريا لم تُخِف 5 ملايين متظاهر

حسين لقرع
1300x600
1300x600

قدّم أكثر من 5 ملايين متظاهر في 48 ولاية جزائرية في مسيرات الجمعة أوّل آذار/مارس درسا تاريخيا للوزير الأول أحمد أويحيى وكل مسؤول لم يتورّع في الأيام الأخيرة عن إطلاق تصريحات خطيرة، تتحدّث عن العودة إلى العشرية الحمراء والدّم والدمار وإمكانية تكرار السيناريو السوري في الجزائر.


في كل المدن الجزائرية، أبدى المتظاهرون تشبّثا بالغا بسلمية المظاهرات، ورددوا بصوت عال: “الجزائر ليست سوريا”، و“سلمية سلمية”، باستثناء حادثتي محطة بنزين أول ماي وفندق الجزائر، وهما حادثتان معزولتان ومشبوهتان قام بهما شبانٌ قليلون تحت تأثير المهلوسات، فإنّ باقي المسيرات كانت سلمية حضارية، وكانت أبلغ ردّ على أويحيى الذي قال إن “المسيرات في سوريا بدأت بالورود وانتهت بالدم”.


يذكر الجميع أن الشعب السوري خرج للتظاهر سلميا منذ 15 آذار/مارس 2011 والمطالبة برحيل بشَّار، وإقرار حقه في الديمقراطية والحريات والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم، بعد أربعة عقود من الحكم الشمولي الوراثي، وكانت المظاهراتُ سلمية في أشهرها الأولى، لكن النظام السوري رفض تماما الاستماع إلى صوت الشعب، وتصرّف وكأنّ الحكم حقّ خالص له لا يجوز لشعبه مطالبته بتركه، وأمعن في إطلاق الرصاص الحيّ على المتظاهرين، وقتل المئات منهم، وكان يهدف بذلك إلى إجبار المتظاهرين سلميا على عسْكَرة الانتفاضة، ومن ثمّة، تبرير سحقها عسكريا والخلود في الحكم، وكانت النتيجة دخول سوريا في حرب أهلية دموية لم تنتهِ إلى حدّ الساعة، سقط فيها نصف مليون قتيل، وقرابة مليوني مصاب، وشُرِّد نصف الشعب من دياره ومدنه التي دُمِّرت وتحوّلت إلى أنقاض، وتجاوزت الخسائر المادية 400 مليار دولار وعادت سوريا نحو 30 سنة إلى الوراء، ولولا التدخّل الروسي، لانهارت وتفكّكت إلى عدة دويلات هزيلة طائفية وعرقية، وهو كما نرى أنموذجٌ بائس ينبغي ألا يستهوي أيّ نظام في العالم مهما حرص على التشبّث بالحكم.


نشعر بأنّ هناك مسؤولين في حاشية الرئيس يريدون دفع الأوضاع إلى الانفلات، وأنّ سلمية المظاهرات لم ترُق لهم وهم يريدون انزلاقها إلى العنف والتخريب، لتبرير قمعها وفرض الأمر الواقع على الجزائريين، أإلى هذه الدَّرجة تصل الأنانيات والرغبة في البقاء في السلطة ولو على حساب الوطن واستقراره؟!


الواضح أن الشعب متشبِّثٌ بحقّه في التغيير السلمي، ولن تخيفه التهديدات بتكرار الأنموذج السوري الدموي؛ لأنه لن ينزلق إليه مهما ساءت الأوضاع، وهو مجرّد فزاعة تُشهر لتخويفه ودفعه إلى الاستسلام لواقعه، وقد كان على أويحيى وسلال وسيدي السعيد وعمارة بن يونس وغيرهم، أن يكتفوا بالحثّ على سلمية المظاهرات، ولا يهدّدوا أحدا، ولا يستفزّوا الشعب بتصريحات نارية تنكر عليه حقّه في التظاهر السلمي لرفض الأوضاع القائمة والسعي إلى تغييرها، ومن حسن الحظّ أن الشعب كان في مستوى الحدث مرة أخرى، ومرّت مظاهرات 1 آذار/مارس في سلمية تامة بكل ولايات الوطن، ليبرهن الشعب بذلك عن كونه أكثرَ وطنية ووعيا وتعقّلا وشعورا بالمسؤولية من بعض المحيطين بالرئيس.. رب اجعل هذا بلدا آمنا.

 

عن صحيفة الشروق الجزائرية

0
التعليقات (0)