قضايا وآراء

مؤتمر لندن والتأثير السلبي على سوق العمل الأردني

محمود أبو هلال
1300x600
1300x600

مع تزايد أعداد اللاجئين الذين وصلوا إلى الدول الأوروبية عبر المتوسط عامي 2014 و2015 ، قررت دول الاتحاد الأوروبي أن تحد من تدفق اللاجئين اليها، ووقف ما أطلقت عليه "الهجرة غير الشرعية"، فقامت بنشر السفن الحربية على امتداد المياه الإقليمية، ووضعت سواحلها تحت الرقابة المشددة. إلا أن حادثة غرق الطفل السوري "إيلان الكردي" قبالة السواحل الأوربية؛ وضعت الدول الأوروبية أمام استحقاق أخلاقي وإنساني، أيضا أمام قرار سياسي بعدم استقبال المزيد من اللاجئين. وبين هذا وذاك، جاء التفكير سريعا من خلال الأخذ بنصيحة "كولير"، الذي بيّن في كتابه "الخروج"؛ أنه يفضّل مساعدة اللاجئين في مناطق تواجدهم، خاصة في الأردن ولبنان.

لم يتم التوصل لأي اتفاق مع لبنان؛ لأن الرأي الغالب لسياسييها كان يدفع باتجاه إخراج السوريين وعدم إبقائهم في لبنان، فركز الجانب الأوروبي جهوده على الأردن، وبدأ البنك الدولي ووحدة التنمية الاقتصادية في بريطانيا بمناقشة التّفاصيل مع الأردن؛ وأسفرت المناقشات عن تعهدات ووعود بقروض ميسّرة من البنك الدولي ومنح، مقابل إزالة بعض الحواجز التي تمنع اللاجئين السوريين من دخول سوق العمل في الأردن.

 

 

جاء التفكير سريعا من خلال الأخذ بنصيحة "كولير"، الذي بيّن في كتابه "الخروج"؛ أنه يفضّل مساعدة اللاجئين في مناطق تواجدهم، خاصة في الأردن ولبنان

في شباط/ فبراير 2016، عُقد مؤتمر لندن، حيث تم تخصيص مبلغ 12 مليار دولار لمساعدة اللّاجئين السّوريين في الأردن، وشملت بنود الاتفاق تقديم مبلغ 1.7 مليار دولار على شكل منح خلال الثلاث سنوات الأولى؛ تخصص لدعم مشاريع البنية التحتية، مقابل التزام الحكومة الأردنية بخلق 200 ألف فرصة عمل للسوريين.

الأوروبيون كانوا أفضل للأردن من المفاوض الأردني، حيث اقترحوا أن تكون 50 ألف فرصة عمل في قطاعات يتجنّبها الأردنيّون تماما، وأن تستحدث بقيّة الوظائف في المناطق الاقتصادية الأردنيّة الخاصّة (SEZs)، فيما سيزيل الاتّحاد الأوروبي التعرفة الجمركية على البضائع المصنّعة في تلك المناطق، لتحفيز الاستثمارات وخلق وظائف جديدة للأردنيين.

بعد المؤتمر، اقترح الأردن أن يكون إصدار تصريح عمل هو البديل لمصطلح "فرصة عمل"، في حين كان الأوروبيون يعتقدون أن إصدار "تصاريح عمل" ليس هو النهج الصحيح، وأنه معيار غير دقيق، لتحقيق هدف إيجاد وظائف للسوريين والأردنيين، لكنهم وافقوا بعد تأكيدات من الأردن على قدرته توفير 200 ألف تصريح عمل بشكل منظم.

بدأت الحكومة الأردنية العمل على الاتفاق مباشرة، وسارعت لاتخاذ إجراءات تساهم في تحقيق ما تعهدت به، فخفضت رسوم تصريح العمل للسوري لأقل من عشرة دنانير، ورفعت تصريح العمل للوافد غير السوري إلى 580 دينارا. وبضربة واحدة، خسر الأردن 100 مليون دينار كان من المفروض أن يستوفيها بدل تصاريح عمل لـ200 ألف سوري. ثم ألغت الحكومة الأردنية شرط التسجيل في الضمان الاجتماعي لاستصدار تصريح العمل، واكتفت بدفع 50 دينارا سنويا بدل تأمين صحي، كما ألغت طلبها شهادة خلوٍّ من الأمراض للسوريين.

بدأت محاولات إصدار التصاريح تصطدم بعدة عوائق، حيث يفضل السوري العمل في مهن حرة، ولديه عزوف عن الوظيفة في بعض المناطق الخاصة، مثل مصانع الألبسة في منطقة الضليل، فلجأت الحكومة الأردنية لتقديم عروض وإغراءات للسوريين المتواجدين في مخيم الزعتري للخروج من المخيم وإصدار تصاريح عمل ميسرة لهم، دون الأخذ بتأثير ذلك على سوق العمل في الأردن بشكل عام.

 

 

 

لم تستطع الحكومة الأردنية توفير 200 ألف فرصة عمل للسوريين في مهن لا يعمل بها الأردنيون، ولم تستطع خلق فرص لوظائف للأردنيين

كانت معظم تصاريح العمل التي يطلبها السوريون المتواجدون في مخيم الزعتري تذهب لقطاع الزراعة، كونها الأسهل، ولا تتطلب عقد عمل أو رب عمل ثابت أو اشتراكا في الضمان الاجتماعي، لذلك اتخذت الحكومة الأردني قرارا بوقف تصاريح العمل لغير السوريين لمدة عام ونصف تقريبا، لتشجيع المَزارع على تبديل العمال الوافدين بعمال سوريين، الأمر الذي جاء بنتائج سلبية على قطاع الزراعة، كون العامل الوافد غير السوري يمتلك مهارات وقدرة على العمل أكثر من السوريين الذين يقطنون مع عوائلهم، بعكس العامل الآخر، وتبين أن معظم السوريين الذين حصلوا على تصاريح عمل زراعية لم يعملوا فيها، الأمر الذي ترك آثارا سلبية. وحسب الاتحاد العام للمزارعين الأردنيين، فإن هذا الخلل ترك ثلث غور الأردن دون حراثة عام 2016، الأمر الذي حدا بالحكومة للعودة عن قرار تجميد تصاريح العمل، ولكن صاحبته اجراءات تبدو تعجيزية، حيث اشترطت على المزارعين أن يودعوا مبلغا يزيد عن عشرة آلاف دينار كضمانة مالية مقابل أن يعينوا عمالة وافدة غير سورية، إضافة إلى رفع رسوم تصريح العمل لغير السوري -كما أسلفنا- إلى 558 دينارا أردنيا.

بعد الآثار السلبية التي أضرت بقطاع الزراعة وبدلا من معالجتها، اتجهت الحكومة لقطاع الإنشاءات، ووقّعت مع غرفة تجارة الأردن اتفاقا في حزيران/ يونيو 2017 يقضي بإصدار عشرة آلاف تصريح عمل للقطاع، والسماح لعمال المياومة بالعمل بشكل قانوني دون الارتباط برب عمل واحد. تبيّن بعدها أن معظم الذين حصلوا على تصاريح في هذا القطاع بدأوا بالعمل بشكل حر ودخلوا في منافسة مع بعض المهن اليدوية للأردنيين (كالقصارة والبلاط والدهان)، مما تسبب لما يشبه البطالة لدى الأردنيين، كون السوري يقبل بأجر أقل مما يتقاضاه الأردني.

بالنتيجة، لم تستطع الحكومة الأردنية توفير 200 ألف فرصة عمل للسوريين في مهن لا يعمل بها الأردنيون، ولم تستطع خلق فرص لوظائف للأردنيين. ليس هذا، وحسب بل زادت من حجم البطالة في بعذ القطاعات. وكل الذي حصلنا عليه منحة بسيطة للبنية التحتية، وباقي ما تبقى عبارة عن قروض تُراكم على الأجيال القادمة.

 

التعليقات (0)