أفكَار

قيادي إخواني: تجربتنا لم تفشل وأُجهضت بانقلاب عسكري

محمد سودان: الإخوان سيبقون القوة الرئيسية رغم سياسات الاستئصال (صفحة سودان)
محمد سودان: الإخوان سيبقون القوة الرئيسية رغم سياسات الاستئصال (صفحة سودان)

لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.

لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الإنتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع  يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.

في الجزء الثاني نعرض للتجربة الإسلامية الأم في العالم العربي، وهي مصر، التي شهدت ميلاد تيار الإسلام السياسي مع جماعة الإخوان المسلمين مطلع القرن الماضي، ينفي عضو مجلس شورى الجماعة الدكتور محمد سودان،أطروحة فشل الإخوان وأكد الدليل على ذلك أن تجربتهم تم إسقاطها بانقلاب عسكري. 

 

وفيما يلي نص مقاله:

 

قيادي إخواني: تجربتنا لم تفشل وأُجهضت بانقلاب عسكري

جوبهت الظاهرة الإسلامية منذ نشأتها من الداخل والخارج بوسائل عديدة، واشتدت وتيرة استهدافها بعد وراثتها للتيارات السياسية التي سبقتها، وتسيّدها للفضاء الثقافي في المنطقة بأسرها.

واستُخدم تكتيك التفرقة بذكاء بارع لتفتيت الظاهرة إلى معتدلين ومتطرفين وتقليديين؛ وبرغم السياسات التي اتُخذت للحد من انتشار الظاهرة الإسلامية، إلا أن الإسلاميين تقدموا بخطى واسعة واحتلوا الفضاء الثقافي بالمنطقة في نهاية المطاف، وعقب الربيع العربي اختارتهم شعوب المنطقة لاعتلاء سدة الحكم في أكثر من قُطر.

 

تجربة الإخوان في الحكم لم تكتمل بعد، فهي أُجهضت بقوة الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، وخبرة التاريخ تقول إن من يُنتزع من الحكم ببنادق العسكر بالرغم من قوة مشروعه يعود ثانية وبقوة.


وفي تفسير سبب بقائهم وتجذرهم رغم قسوة الحملات التي واجهتهم قبل الربيع العربي، وانتخاب الشعوب لهم بعد انطلاقه، يمكن القول أولا: إن الإسلاميين كانوا الفصيل القائد في مقاومة الاحتلال في كل الساحات العربية، بما في ذلك الساحة الفلسطينية. وثانيا: لأنهم كانوا في طليعة القوى التي قارعت الاستبداد العربي، واكتظت سجون حكامه بقياداتهم ومختلف عناصرهم، ولا زالت مكتظة. وثالثا: لأن مشروعهم الثقافي يتماهى مع هوية شعوب المنطقة، ويتحد مع مقدسها، مما حدا بالشعوب لأن تلتف حولهم، وأن تحتفي بمشروعهم الثقافي والسياسي.

والسؤال الآن: هل فشل الإخوان في الحكم في مصر أم تم إفشالهم؟

 

إقرأ أيضا: هل فعلاً فشل الإخوان وينبغي أن يحلوا أنفسهم؟

رغم الترويج الواسع لمقولة فشل الإخوان في الحكم في مصر، إلا أن مشكلة هذه الأطروحة ضعيفة لعدة أسباب:

تجربة الإخوان في الحكم لم تكتمل بعد، فهي أُجهضت بقوة الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، وخبرة التاريخ تقول إن من يُنتزع من الحكم ببنادق العسكر بالرغم من قوة مشروعه يعود ثانية وبقوة.

ولأن من يرددها هم خصوم الإخوان، وهي تأتي في إطار الصراع السياسي القائم بينهم وبين القوى الأخرى المناوئة لهم في فضاء المرحلة الانتقالية التي أعقبت الربيع العربي.

 

لم يكن في حكومة الرئيس مرسي سوى 7 وزراء من الاخوان من 35 وزيرا


مدة حُكم الإخوان في مصر لم تتعدّ العام؛ نُصبت فيها المكائد والحيل والمؤامرات ليس فقط من المؤسسة العسكرية، بل ومن الدولة العميقة ونظام مبارك ودعم من بعض دول الخليج، بل ومن المجتمع الدولي وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية.

لم يستأثر الإخوان في مصر بالحكم كما يدعي المنافقون، لم يكن في حكومة الرئيس مرسي سوى 7 وزراء من الاخوان من 35 وزيرا، على رأسهم الدكتور هشام قنديل الذي لم يكن من الإخوان، بل كان وزيراً للري إبان حكم المجلس العسكري الذى دام أكثر عام ونصف بعد 25 يناير، و كذلك لم يعين مرسي سوى 9 محافظين من الإخوان من مجموع 27 محافظ، ولم يُتهم أحد هؤلاء أو أي موظف من الإخوان بتهمة فساد واحدة طوال حكم الإخوان، وعلى العكس في حكم السيسي بعد عام واحد أعلن المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات وهي الجهة المنوطة بمراقبة الشؤون المالية للدولة عن فساد بحكومة السيسي بمقدار 600 مائة مليار جنيه، والذي يقبع الآن في سجون العسكر جزاءً علي إصداره هكذا تقرير وغير من تصريحات ضد العسكر وحكمهم الفاشي.

هناك أخطاء

نعم كانت هناك أخطاء إبان حكم الإخوان وهذا شيء طبيعي لما يُكال لهم من مؤامرات ومكائد وعدم تعاون من مؤسسات وأجهزة الدولة، وكذلك التقارير الفاسدة التي كانت تقدم من المؤسسات الأمنية والمخابراتية باعتراف جميع رؤساء هذه المؤسسات بما فيهم وزير الداخلية ومديرا المخابرات العامة والحربية، ولو أن الإخوان فشلوا بالفعل لتركوهم العسكر دون انقلاب عسكري حتى يسقطهم الشعب، لكن بعد فشل العسكر في تشويه سمعة الإخوان وإعاقتهم بكل الوسائل لم يكن لديهم سوى الانقلاب العسكري الدموي لإبعادهم عن السلطة التي وصل إليها الإخوان بانتخابات نزية نادرة لم تحدث في مصر من قبل ولا من بعد، ولم يرتكبوا جريمة واحدة إبان حكمهم كما يفعل العسكر الآن.

أقول إن الإخوان سيبقون القوة الأكبر في المشهد السياسي في مصر بل في كل المنطقة العربية مهما تُدبر لهم المؤامرات وبرغم إزاحة بعضهم عن الحكم كما حدث في مصر، وبرغم إصرار أعدائهم المحليين والإقليمين وبعض دول الغرب، وذلك:

لأن الأسباب التي دفعت الشعوب لانتخابهم والالتفاف حولهم ما زالت قائمة، وما يزالون الأقوى تنظيماً والأوسع انتشاراً واتصالاً مع الجماهير، التي ستلتف حولهم أكثر بسبب الظلم الذي يقع عليهم جراء الحملة القاسية التي يتعرضون لها في الوقت الراهن، والمحاكمات الباطلة والمسيسة التي يتعرضون لها إما بالقضاء العسكري أو المدني الفاسد.

 

الإخوان سيبقون القوة الأكبر في المشهد السياسي في مصر بل في كل المنطقة العربية مهما تُدبر لهم المؤامرات وبرغم إزاحة بعضهم عن الحكم


كما أن للإخوان مشروعهم الفكري والذي ما زال منتشراً بين شعوب المنطقة، وإزاحتهم عن الحكم بقوة الجيش في الحالة المصرية تثبت أن لا بديل عنهم سوى العسكر، أما سائر القوى الأخرى فليست سوى ديكور أكمل مشهد الانقلاب العسكري، وأعطاه الوجه المدني صوريا.

ولأنهم في الحالة المصرية على سبيل المثال قدموا نموذجاً رائداً في الحكم والمعارضة، فحكم مرسي لم يشهد مساساً بحقوق الإنسان، ولم يتعرض لحرية الإعلام، وأعطى مثلاً مشرفاً عن الشفافية المالية، لدرجة أن الرئيس ذاته لم يكن يتقاضى راتباً من الدولة، ولم يقم يوماً في القصور التابعة للدولة بل كان يسكن وأسرته في شقة متواضعة بالإيجار كما أن الإسلاميين كمعارضة يتمسكون حالياً بسلميتهم بصلابة مدهشة بالرغم من قسوة حملة الاستئصال التي يتعرضون لها.

وإذا كان العديد من قطاعات الشعب المصري متأثراً بالإعلام الفاشي التابع للتوجيه المعنوي للمؤسسة العسكرية حالياً لتشويه سمعة الإخوان مقابل رفع شأن الحكم العسكري الذي سيطر علي البلاد تماماً من النواحي التنفيذية حيث أصبح معظم الوزراء و المحافظين في البلاد من العسكر و لم يجرؤ أحد الإعلامين أن يتحدث عن عسكرة الدولة كما كانوا يدعون أخونة الدولة إبان حكم الريس مرسي، فإن الشعب سيستفيق بأكمله لاحقا من هذا الثبات العظيم، نتيجة القهر و الظلم و الكبت و تكميم الأفواه الذى زاد عن حده.

أختم بقول الله عز وجل: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ? إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ).

 

إقرأ أيضا: قيادي إخواني: نحن جماعة دعوية وسياسية هدفها الإصلاح

التعليقات (2)
الله الهادي
الجمعة، 08-03-2019 10:52 م
على المعارضة المصرية ان تتوحد وتذعن لهذا التوحد.على المعارضة ان تبدد تخوفها من استلام الاخوان للحكم امام الجميع او تنتظر عشرين سنة ودون طائل من الاحلام،يجب ازاحة الخوف، كلنا نعرف ان نعارض ولكن لا ثقة بيننا فيمن سيتراس.
مصري جدا
الجمعة، 08-03-2019 10:08 م
مازالت ثقافة الدفاع والتبرير هي النمط السائد لبقايا قيادات الجماعة ،، وكنت أظن أن الأستاذ سودان والذين يعيشون في الغرب ربما تعلموا طريقة تفكير مختلفة عن طريقة تفكير المنطقة العربية لاعتبارات البيئة والعلاقات ،،، لكن من الواضح انها ثقافة تدرس وجينات تورث بغض النظر عن كون الأفراد في منطقة الجهل والتخلف او في منطقة العلم والتقدم ،، لا امل إلا في منصة قيادة جديدة تفكر بطريقة مختلفة ،،،