صحافة دولية

لاكروا: جريمة المسجدين تهز مجتمع نيوزيلندا الحاضن للأديان

الهجوم الإرهابي على مسجدين في نيوزيلندا الجمعة راح ضحيته 50 من المصلين- الأناضول
الهجوم الإرهابي على مسجدين في نيوزيلندا الجمعة راح ضحيته 50 من المصلين- الأناضول
نشرت صحيفة "لاكروا" الفرنسية تقريرا سلّطت من خلاله الضوء على التغييرات التي طرأت على المجتمع النيوزيلندي المسالم تحت تأثير صدمة مذبحة يوم الجمعة 15 آذار/ مارس.

وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21" إنه في يوم الأحد 17 آذار/ مارس، أحيت نيوزيلندا حفل تكريم للمصلين الخمسين الذين قُتلوا قبل ذلك بيومين في مسجدين بمدينة كرايست تشرش، على يد برينتون تارانت، وهو متطرف أسترالي يبلغ من العمر 28 سنة.

في هذا الصدد، أفادت رئيسة الوزراء النيوزيلندية، جاسيندا أرديرن، بأن يوم هذه الحادثة من "أحلك الأيام" في تاريخ نيوزيلندا. وقد أثارت المأساة في البلاد التي يبلغ عدد سكانها حوالي خمسة ملايين نسمة، 1 بالمئة منهم مسلمون، حالة من الصدمة، علما وأن نيوزيلندا تُعرف بحسن الضيافة، فضلا عن معدل جريمة متدنّ.

وأشارت الصحيفة نقلا عن مديرة المركز الآسيوي التابع للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، فرانسواز نيكولا، إلى أن "نيوزيلندا تعتبر المكان الأخير في العالم الذي يمكن أن نشهد فيه مثل هذا العمل الإرهابي". ومن الواضح أن هذا البلد يرسّخ مبدأ التكافل والتسامح بين الديانات، وهو ما يظهر من خلال التبرعات لفائدة الضحايا التي بلغت قيمتها ملايين الدولارات. في الأثناء، يستمر التحقيق في هذه الواقعة، حيث أُلقي القبض على منفذ الهجوم وأُدين بتهمة القتل. و من المقرر أن تجتمع الحكومة لتحديد السبب وراء عدم تفطّن أجهزة المخابرات أو الشرطة لنزعة الجاني المتطرّفة.

تجدر الإشارة إلى أنه قبل وقت قصير من وقوع المجزرة، نشر المجرم برينتون تارانت بيانا على حسابه على تويتر، الذي يتضمّن العديد من المراجع الإيديولوجية، لا سيما الأوروبية منها. وأوضح تارانت أنه اختار نيوزيلندا لإثبات أن "الغزاة منتشرون في كل مكان على أراضينا".

ونوّهت الصحيفة بأن عنوان بيانه "البديل العظيم"، مستوحى من نظرية شائعة للمفكر الفرنسي رينو كامو، التي تنص على أن "الشعوب الأوروبية" سيقع استبدالها بمجموعات من المهاجرين غير الأوروبيين. علاوة على ذلك، يذكر البيان المؤلف من 74 صفحة، حدثين حاسمين، يتمثل أحدهما في وفاة الطفلة البالغة من العمر 11 سنة، إبا أكرلوند، وهي واحدة من بين خمس ضحايا لهجوم نفذه متطرّف مناصر لتنظيم الدولة في استوكهولم سنة 2017. وقد تبيّن أن اسم الفتاة التي رغب المشتبه به في "الثأر" لها، مكتوب على أحد الأسلحة المستخدمة في تنفيذ العملية.

اقرأ أيضا: NYT : هذا ما يجب فعله لدعم المسلمين بعد جريمة نيوزيلندا

وأوردت الصحيفة أن مؤلف البيان استشهد أيضًا بالعديد من منفذي الهجمات العنصرية، أبرزهم النرويجي أندرس برينغ بريفيك، الذي تسبب في مقتل حوالي 77 شخصا، في تموز/ يوليو سنة 2011. وفي محاولة لمواجهة حالة الفزع التي تجتاح البلاد، تحرص نيوزيلندا على إعادة إحياء قيمها.

وحيال هذا الشأن، صرّح كاتب العمود في صحيفة "هيرالد" النيوزيلندية، ستيف براونياس، قائلا: "ستعود نيوزيلندا إلى حالتها الطبيعية، نحن حقا بارعون في تحقيق السعادة، إن السعادة هي هواية وطنية بالنسبة لنا"، مع ذلك، أورد براونياس أن الأمر "سيستغرق بعض الوقت".

الجدير بالذكر أنه وفقا لمؤشر السلام العالمي، احتلت نيوزيلندا المرتبة الثانية سنة 2018، بعد آيسلندا، على قائمة البلدان الأكثر إرساء للسلام باعتماد عدد من المعايير على غرار معدّل الجريمة والإنفاق العسكري.

وأفادت الصحيفة بأن لورنس كيمبرلي، وهو كاهن بكنيسة كرايستشرش الأنجليكانية، قدّم "رواية مضادة تفيد بضرورة السير من الخوف إلى الثقة، ومن الحرب إلى السلام ومن اليأس إلى الأمل".

 من جانبه، قال إمام مسجد لينوود، إبراهيم عبد الحليم: "ما زلنا نحب هذا البلد"، مضيفا أن المتطرفين "لن ينجحوا أبدا في تقويض ثقتنا".

وذكرت الصحيفة نقلا عن "هيرالد" النيوزيلندية، ما أشار إليه كريس كاهيل من شرطة نيوزيلندا الذي قال: "لم يكن مرتكب مجزرة كرايست تشرش قادرا على التزود بالأسلحة التي كان يحملها، من بلده أستراليا، نظرا لأن هذه الدولة تطبق نظام الحد من التسلح على خلفية عمليات القتل التي وقعت في مدينة "بورت آرثر" سنة 1996، والتي أسفرت عن مقتل 35 شخصًا. في المقابل، لا تزال القوانين النيوزيلندية في هذا المجال غير ملزمة".

اقرأ أيضا: هل يفلت إرهابي المسجدين بنيوزيلندا من تهم الإرهاب؟

وأضافت الصحيفة أنه في نيوزيلندا، يتسنى لأي شخص يبلغ من العمر 16 سنة، وشارك في دورات تدريبية في مجال الأمن، الحصول على ترخيص لامتلاك أسلحة نارية كتلك التي كان يحملها الجاني. من هذا المنطلق، تعتزم رئيسة الوزراء أرديرن، تدارك هذا التهاون من خلال سنّ قوانين أكثر صرامة. وقد أعلنت يوم الاثنين 18 آذار/ مارس عن أن حكومتها وافقت من حيث المبدأ على تشديد التشريعات المتعلقة بالأسلحة، وستعمل في المستقبل القريب على اتخاذ التدابير اللازمة في هذا الصدد.

وفي الختام، ذكرت الصحيفة أنه من المحتمل أن تباشر السلطات النيوزيلندية تطبيق هذه التدابير من خلال تشديد الرقابة على مالكي الأسلحة، وكذلك حظر استخدام الأسلحة نصف آلية، كتلك المستخدمة في فاجعة 15 آذار/ مارس. وفي إطار سعي نيوزيلندا للحفاظ على قيمها المسالمة، ستعمل على وضع حد للإهمال.
التعليقات (0)