مقالات مختارة

«عمر» يشبهنا تماما..

حسين الرواشدة
1300x600
1300x600

فيما كدنا نستسلم لحالة «العجز» التي أطبقت على عالمنا العربي، خرج الفتى الصغير عمر أبو ليلى من «سلفيت» ليعيد إلينا ما افتقدناه من أمل، ويضيف إلى أعمارنا عمرا جديدا.


ويا لها من مفارقة، الأمة بكل ما تمتلكه من مقدرات في كفة تنتظر مصير قضيتها الأولى ومقدساتها دون أن تتحرك للدفاع عنها، وعمر الذي لم يبلغ العشرين من عمره بجسمه النحيل «والشيكلات» المدين بها على صاحب الدكان، في كفة أخرى، لكنها أثقل، يتحرك على قدميه النحيلتين، أعزل من السلاح فيربك العدو، ويستولي على أسلحة جنوده، ثم يقتل ويصيب نحو 12 منهم، ثم ينسحب ويختفي، وبعد أيام يصل خبره إلى العسعس، فيجهّز العدو وحدة كاملة مدججة بأحدث الأسلحة لمهاجمته، وبعد النزال يرتقي عمر المحاصر في منزله شهيدا مجللا بالغار.


يشبهنا «عمر» تماما، يشبهنا نحن الأردنيين والفلسطينيين، المغروسين كسنابل القمح في الحقول، فنحن مثل «عمر» كنا نقف وحيدين في مواجهة صفقة مغشوشة يتواطأ على تمريرها الخصوم والأقربون، ونحن مثله كنا نبحث وسط حطام الضعف والاستضعاف عن همة ننقشها بأظافرنا في الصخر، وعن روح تعيد لأمتنا «أوكسجين» الحياة، ونحن مثله يدفعنا الإحساس بالخيبة ممن ومما حولنا إلى المغامرة بكل ثمين لنحافظ على أوطاننا لتبقى عزيزة، وعلى مقدساتنا لنبقى أعزة وأحرارا.


كنا بحاجة إلى روح عمر لترفرف حولنا، ليس فقط من أجل أن تبعث برسائلها للعدو الذي أشهر وفاتنا وقرأ مزاميره على أرواحنا «الطاهرة»، وإنما من أجل أن تذكرنا بأننا أمة لم تمت بعد، فهنا وهناك، في البقعة المقدسة وما حولها تلد النساء في بلادنا مع طلوع كل فجر ألف.. ألف عمر، وهناك حيث ترفع القباب آذانها وتدق الكنائس أجراسها، ويردد الصامدون أهازيج المقاومة، تخرج إرادة اقوى من الصخر، وإيمان لا تزعزعه الهزائم، وأمة لا تهاب من الموت .

 

مقابل صفقة القرن التي يريدون أن تكون قدرنا المحتوم الذي لا مفر منه إلا إليه، ثمة صفقة أخرى معجونة بالصمود والمقاومة ومجبولة بالدماء الغالية ، هذه رسالة عمر التي أراد أن تصل إلينا واليهم على حد سواء، وهذا هو «قدرنا» الصحيح الذي كتبه لنا عمر لكي نتمسك به أمام جحافل الجراد التي تحاول أن تسطو على حقولنا الخضراء، ولكي نقذف به وجوه الأبطال «الكاذبين» الذين يتقافزون على مسارحنا، تارة باسم الجهاد والدين وتارة باسم النضال و السياسة.

 

بعد «عمر « الشهيد الكبير ..الأكبر من كل ما نراه من «أزلام»، وبعد «عمر» البطل الذي أهدانا أجمل أيام عمره على طبق من كرامة، سينقلب السحر على الساحر، وسنكتشف -مثلما يكتشفون- أن الطريق إلى القدس سيكون وعرا ومرصوفا بالجماجم والدماء، وأن العبث بنواميس الأمة الدينية والقومية سيفجر براكين الغضب في كل مكان.

 

ألقيت يا عمر عصاك في «بحر» استكبارهم، فتلقفهم دمك، وأغرقتهم صيحتك، ثم انشق أمامنا البحر لنعبر إلى كرامتنا، ونصنع غدنا الجديد بما وهبت قناديلنا من دم، وبالفتيل الذي صنعته يا عمر يداك.

عن صحيفة الدستور الأردنية

0
التعليقات (0)