أفكَار

مسار تحالفات إسلاميي مصر.. التعثر والنجاح (2من2)

كاتب مصري يدعو القوى السياسية المصرية إلى التوحد على القواسم المشتركة ضد الانقلاب  (الأناضول)
كاتب مصري يدعو القوى السياسية المصرية إلى التوحد على القواسم المشتركة ضد الانقلاب (الأناضول)

لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.

لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الإنتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع  يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.

اليوم يقدم الكاتب والباحث المصري قطب العربي، في الجزء الثاني والأخير من عرضه لتجربة الإسلاميين في مصر، سردا تاريخيا لتجارب الإسلاميين في مصر لتحالفها مع بقية مكونات المشهد السياسي المصري حتى إنجاز ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011.

وبهذا نكون قد أتينا على متابعة أغلب تجارب الإسلاميين في العالم العربي، وبه سنفتح المجال لنشر تعقيبات علمية على ما تم نشره، بالإضافة إلى نشر أهم التعليقات التي سجلها قراء "عربي21" حول المواد المنشورة في ملف الإسلاميين في العالم العربي.

مسار تحالفات إسلاميي مصر.. التعثر والنجاح (2من2)

في الثاني من آذار (مارس) تأسست الجمعية الوطنية للتغيير بقيادة الدكتور محمد البرادعي، وضمت طيفا واسعا من القوى السياسية والرموز الوطنية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار والإسلاميين، ومثلت أكبر مظلة للعمل الجبهوي، وأصدرت الجمعية وثيقة إصلاح تتضمن 7 مبادئ مشتركة وقع عليها مليون مصري، وكان للإخوان حضور قوي في هذه الجمعية، كما دشن المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد حملة كبرى لجمع التوقيعات، وأسسوا لها موقعا خاصا نجح في جمع 850 ألف توقيع وتمكن موقع الجمعية الوطنية من جمع أكثر من مائتي ألف توقيع، وكانت هذه الوثيقة وتلك التحركات هي الممهدة لثورة يناير 2011..

كان المرشد العام للإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع قد دعا لحوار وطني من أجل مصر عقد 5 جولات قبيل ثورة يناير، وكانت جولته السادسة في شهر فبراير بعد الثورة بأسابيع قليلة، وطرح الإخوان منذ البداية مبادرة للتوافق على مرشح وطني لرئاسة الدولة لكن الفكرة قوبلت بالرفض من القوى الأخرى، كما طرح الإخوان مبادرة لخوض الانتخابات البرلمانية بقائمة وطنية مشتركة، وتم عقد العديد من الجلسات لبلورة هذه القائمة.

كانت البداية واعدة بمشاركة حوالي 40 حزبا، كما تم التوافق على وثيقة التحالف من أجل مصر التي صاغها الكاتب الليبرالي وحيد عبد المجيد، لكن المشاركة النهائية اقتصرت على 10 أحزاب إلى جانب حزب الحرية والعدالة، وكان من هذه الأحزاب حزب الكرامة الذي يرأسه حمدين صباحي وحزب غد الثورة برئاسة الدكتور أيمن نور، ولم تستطع جماعة الإخوان وحلفاؤها من القوى الإسلامية الأخرى إنجاز شراكة وطنية مع القوى المدنية الليبرالية واليسارية الأخرى لاحقا، وانعكس ذلك بأزمات متكررة في تشكيل الجمعية التاسيسية للدستور، والأزمات التالية وصولا إلى الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 والذي دفع القوى المدنية لتشكيل جبهة الإنقاذ التي مثلت الظهير السياسي لانقلاب العسكر لاحقا، ولا يمكننا هنا إلقاء المسؤولية على الجانب الإسلامي فقط في فشل الوصول إلى حالة توافق أو تحالف سياسي ولكن القوى الليبرالية واليسارية تتحمل نصيبها أيضا، كما أن مؤامرات الأجهزة الأمنية خاصة المخابرات لعبت دورا رئيسيا في منع حدوث هذا التوافق.

تحالفات ما بعد الإنقلاب

عقب انقلاب الثالث من يوليو 2013 جرت بعض المحاولات للتنسيق والتحالف، وكانت أولاها في التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الإنقلاب والذي استهدف توفير مظلة لكل رافضي الانقلاب من كل التيارات، لكنه اقتصر عمليا على قوى وحركات إسلامية انسحب بعضها تباعا.

وتكرر الأمر لاحقا في تجربة ما عرف بوثيقة بروكسل التي ضمت عشر مبادئ مشتركة، وكان المستهدف جمع أكبر عدد من الرموز المعارضة للانقلاب إليها، وتأسيس كيان جديد بناء على تلك المبادئ، ورغم انضمام بعض الشخصيات الليبرالية في البداية للوثيقة مثل الدكتور أيمن نور زعيم حزب غد الثورة، وثروت نافع وكيل حزب الجبهة الوطنية إلا أنهما لم يشاركا لاحقا في المجلس الثوري الذي تأسس على قاعدة هذه المبادئ، والذي تحول لاحقا إلى مظلة لشخصيات إسلامية أو قريبة من الإسلاميين أيضا، وكانت أحدث التجارب هي الجبهة الوطنية المصرية التي قامت أيضا على وثيقة مبادئ العمل المشترك، وضمت شخصيات ليبرالية وإسلامية، وبرغم تعثرها العملي إلا أنها تظل هي الشكل الأكثر تمثيلا حتى الأن لرموز متنوعة، ولكنها أيضا لم تستطع أن تجذب الكثيرين من معارضي نظام السيسي بحكم ولادتها خارج مصر، وهو ما يمثل عقدة للرموز المقيمة في الداخل من ناحية، ولقناعة الكثير من الرموز والقوى المدنية بغلبة المنتمين للتيار الإسلامي على تشكيلها من ناحية أخرى..

ملاحظات على تجارب التحالفات.

ومع هذه التجارب الثرية للتحالفات بين القوى الإسلامية وغير الإسلامية في مصر منذ منتصف الثمانيات، هاك بعض الملاحظات الضرورية: 

أولا أن تلك التحالفات كانت هشة، لم تصمد كثيرا، بسبب حرص كل طرف على تحقيق الكسب الأكبر لنفسه، وعدم القناعة بنظرية الكسب للجميع، فالإخوان يرون أنفسهم القوة الجماهيرية الأكبر وهو ما ينبغي أن ينعكس على الطاولة، بينما ترى القوى المدنية الأخرى أنها صاحبة خبرة سياسية وأنها تمتلك أحزابا شرعية، وأنها بمجرد تحالفها مع الإخوان فإنها ستعطيها غطاء شرعيا هي في حاجة إليه، ولهذا ينبغي أن تكون لها القيادة.

ثانيا أن ضعف البنية السياسية الحزبية المصرية، والتدخلات الأمنية لإفشال أي محاولة للتقارب، واختراق الأجهزة الأمنية للعديد من الأحزاب كانت أسبابا مهمة في تعثر محاولات التحالف ومنع استمرارها لفترات طويلة، بل إن هذه الأجهزة تدخلت لفك التحالف الأطول يين حزب العمل والإخوان عبر تفجير الحزب من الداخل وحله بقرار من لجنة الأحزاب، وتقديم عدد من قادته للمحاكمات بتهمة التعاون مع الإخوان، وكان ذلك رسالة لغيره من الأحزاب أيضا.

ثالثا أن الكثير من تجارب التحالفات قامت على وثائق مبادئ مشتركة، إلا أن أيا من تلك الوثائق لم تكن صلبة بالقدر الكافي الذي يمنحها القدرة على الصمود، ويؤهلها لأن تكون أساسا لأي دستور مستقبلي، ولذلك حين وقعت الثورة، وتشكلت لجنة تاسيسية لإصدار دستور جديد لم تكن أمامها وثائق مشتركة قوية يمكن أن توقف التجاذبات التي جرت.

رابعا أن تحالفا واسعا بين القوى االسياسية المعارضة للحكم العسكري بمختلف اتجاهاتها الإسلامية والليبرالية واليسارية، وكذا القوى المجتمعية والنقابية الأخرى أصبح ضرورة أكثر من أي وقت مضى، بعد أن ذاق الجميع ويلات هذا الحكم العسكري الذي لم يعد يفرق بين إسلامي وليبرالي، وهناك محاولات متواصلة لإنجاز هذا التحالف، لكن روح الاستقطاب التي ولدت عقب ثورة يناير وخلال حكم الرئيس مرسي لا تزال مانعا قويا لتحقيق الاصطفاف، رغم قناعة الكثيرين من كل التيارات بأهميته.

خامسا تحتاج القوى السياسية المختلفة لتناول بعض الدواء المر، عبر تقديم تنازلات متبادلة حتى يمكنها كسر حالة الجمود الحالية وصولا إلى تشكيل تحالف سياسي قادر على تقديم بديل سياسي للنظام الإنقلابي الحالي، وقادر على إقناع الراي العام المصري والعالمي بصلاحيته لتحمل المسئولية، ومالم يتم ذلك فإن الطبيعي هو بقاء الحكم العسكري لفترات لا يعلمها إلا الله.

 

إقرأ أيضا: مسار تحالفات إسلاميي مصر.. التعثر والنجاح (1من2)

التعليقات (0)

خبر عاجل