قضايا وآراء

هل اقتربت زيارة سلمان بن عبد العزيز للقدس

محمود عبد الله عاكف
1300x600
1300x600
منذ عدة أيام نشرت، جريدة الجارديان البريطانية أن هناك خلافا بين عاهل السعودية وولي عهده، وأن نهاية ولي العهد قد اقتربت، ثم اتضح أن الخبر غير صحيح وأنه قد تم دسه على الجريدة البريطانية العريقة. وقد نقلت العديد من وسائل الإعلام العربية للخبر المدسوس، بعضها سرورا بالخلاف والأخرى فرحا وتمنيا لقرب إزاحة ولي العهد.

وقد ذكرني هذا الخبر المدسوس على جريدة الجارديان بخبر آخر تم نشره في نفس الجريدة منذ ما يزيد على ثماني سنوات، وتحديدا يوم الرابع من شباط/ فبراير 2011، عندما نشرت خلال أحداث الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2011 أن ثروة مبارك وعائلته تصل إلى سبعين مليار دولار وديون مصر في ذات الوقت 43 مليارا. أيضا روجت للخبر بعض القنوات التي كانت تعادي النظام المصري وقتها، بل كانت تمني المصريين أن هذه الثروة سوف يتم توزيعها على المصريين في حالة ذهاب مبارك، كما قال السيسي للمصريين "انتم نور عيني". ثم ظهر أيضا أن الخبر المنشور وقتها كان غير صحيح ولم يثبت حتى الآن، وكان مدسوسا عليها. فهل خبر 2019 سيؤدي لنفس النتيجة، ولكن في العربية السعودية؟

وكان سلمان عبد العزيز في زيارة لشرم الشيخ لحضور المؤتمر العربي الأوروبي، ونظرا لكبر سنه، فقد قُدم ليرأس المؤتمر وتكون له كلمة الافتتاح. وخلال هذه الزيارة، أصدر ولي العهد عددا من القرارات الملكية في غياب والده. وقد أثار خبر الجارديان المدسوس هذه الواقعة للتدليل على الخلاف بين الأب وابنه، وكأن القرارات الملكية التي تصدر في وجود سلمان بالرياض هو الذي يصدرها. فمن الواضح، بل من المؤكد، أن كافة القرارات التي تصدر عن العاهل السعودي منذ ما يقرب من الأربع سنوات الماضية يصدرها الابن باسم أبيه، منذ تعيينه وليا لولي العهد في نيسان/ أبريل 2015، وحتى في وجود ابن عمه محمد ابن نايف، ولي العهد المستعفى من منصبه.

ومن القرارات التي صدرت كان تعيين ريم بندر ابنة بندر بن سلطان بن عبد العزيز سفيرة للعربية السعودية في الولايات المتحدة، بهدف تجميل وجه الدولة السعودية في الخارج، وللتغطية على معاملة السعودية للمرأة في الداخل. وكما هو معروف، فإن ريم بندر تربت في الولايات المتحدة وتعايشت مع المجتمع الأمريكي خلال شغل والدها لمنصب سفير السعودية هناك لفترة طويلة، امتدت لأكثر من عشرين عاما.

القرار الثاني، وهو الأهم، كان بشأن تعيين خالد سلمان نائبا لوزير الدفاع السعودي، أي نائب أخيه محمد ولي العهد. وهو كان يشغل منصب سفير العربية السعودية في الولايات المتحدة، وبعد أحداث اغتيال جمال خاشقجي رحمه الله، وتعالت بعض الأصوات في الولايات المتحدة بتورطه في الجريمة وضرورة محاسبته، فكر النظام الحاكم في السعودية بسحبه إلى الداخل وتلميعه داخليا ليتم تأهيله للوظيفة والمنصب القادم.

ونائب وزير الدفاع السعودي ذو تخصص عسكري، وكان طيارا وشارك في غارات التحالف في اليمن، كما تدرب في مناورات الجيش الأمريكي في الولايات المتحدة وفي السعودية. ويمكن القول إن الوظيفة التي يشغلها الآن تناسب الشهادات التي حصل عليها والخبرات التي مارسها خلال حياته العملية. ولكن كما ذكرت، فإنه في الغالب أن يكون هذا التعيين وصدور ذلك القرار هو بهدف تحضيره للوظيفة القادمة، وهي تعينه وليا للعهد في العربية السعودية، عندما يستلم أخوه محمد الحكم بعد تنازل سلمان بن عبد العزيز أو وفاته المتوقعة في أي لحظة، بعد ما رآه الكافة خلال مؤتمر شرم الشيخ في مصر وهو عليل ويعاني الأمراض. وليعلم خالد بن سلمان أن توليه ولاية العهد سيكون لفترة محدودة، حتى يكبر أولاد محمد ويتولون ولاية العهد، كما فعل الملك عبد الله الثاني مع أخيه حمزة.

ويجري هذا على نفس الدرجة من التحرك والاستعجال، وبالتوازي مع ما نراه في ملف فلسطين لتحقيق تسوية، أو ما يطلق عليها صفقة القرن. ففي خلال الأيام الماضية قام جاريد كوشنر، زوج ابنة ترامب، بعدد من الرحلات المكوكية لعدد من العواصم العربية، وأهمها مسقط والرياض وأبو ظبي والدوحة، بهدف وضع الخطوط الأخيرة لهذه الصفقة، وما دور كل هذه العواصم في هذه الصفقة، وخصوصا الدور الاقتصادي أو الدور الترويجي لتحقيق الصفقة. فبعد أن أوقفت الولايات المتحدة الدعم الذي كانت تقدمة لوكالة الغوث الفلسطينية وازدياد تدهور الأوضاع الاقتصادية، سواء في غزة أو على مستوى فلسطين بالكامل، وبعد أن استعملت أمريكا العصا، فهل يأتي وقت الجزرة من جيوب الخليجيين؟ وكما ذكر كوشنر في حديثه مع سكاي نيوز عربية، فإن خطة السلام في ما يطلق عليها صفقة القرن؛ تعتمد على الترويج للصورة الوردية وتحسن الأوضاع في المنطقة، ليس في فلسطين بطرفيها فقط، بل -كما ذكر- سوف تشمل الأردن ومصر ولبنان.. نفس الأحلام والأماني التي رددها الأمريكان للسادات، وبالتالي للشعب المصري خلال مراحل السلام بين مصر والكيان الصهيوني، وخصوصا أنها بدأت في عام 1977، والتي تعتبر من السنوات العجاف التي خضعت فيها مصر لضغوط صندوق النقد ورفع الأسعار، وغير ذلك من أسباب.

ويتوقع الكثيرون ألا ينتهي عام 2019، وخصوصا بعد انتخابات نتنياهو في نيسان/ أبريل القادم، وصعوبة موقف ترامب مع الديمقراطيين، وقرب الإعلان عن نتائج التحقيقات في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية الماضية، بالإضافة إلى تضييق الحزب الديمقراطي الخناق حول ترامب ومساعديه في قضايا الضرائب والتلاعبات المالية.. ولذلك يتوقع ألا ينتهي العام إلا وستكون الهرولة من جانب معظم الدول العربية، وخصوصا الخليجية للتطبيع مع الكيان، والتلويح بالجزر للشعب الفلسطيني في رام الله وفي غزة.

ويبدو أن الخلاف الخليجي أوشك على الانتهاء باوامر أمريكية، بحجة كأس العالم وزيادة عدد الفرق. وسيتشارك الجميع في تنفيذ خطة السلام الدائم حسب تقديرهم وأمانيهم، وخصوصا أن يتزامن ذلك مع زيادة الضغوطات المصرية على حماس، سواء ماليا أو من خلال تأجيل الرحلة التي كان من المفترض أن يقوم بها إسماعيل هنية لعدد من الدول في نهاية العام الماضي وزيادة الحصار على شعب غزة.

ولعل موقف رئيس مجلس الشورى السعودي في مؤتمر البرلمانيين العرب في الأردن، عندما اعترض على إضافه توصية في البيان الختامي للمؤتمر برفض التطبيع مع الكيان الصهيوني وطالب بحذفها من البيان، يمثل نموذجا لهذا الترويج، أو كما يمكن أن يقال إنها لجس النبض بشكل علني للسير في الخطوات التالية.

لذلك، فإنه من المتوقع أن يحدث حدث كبير تهتز معه المنطقة العربية اهتزازا شديدا مشابها لما حدث عندما قام السادات بزيارة الكنيست، لتكون الخطوة الأولى في ما نحن فيه الآن. ويبدو أن الخطوة الثانية على نفس الطريق قد حُلت، ولن يكون أكثر ملاءمة من قيام سلمان عبد العزيز بهذه الخطوة، فهل يفعلها؟ وهناك عدة تبريرات بأنه يود زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى في حياته، وقبل تخليه عن الحكم لابنه، وفي نفس الوقت أن محمد ابنه لن يتمكن من الحكم لو غاب ترامب عن المشهد لأي سبب أو انشغل في المعركة الانتخابية العام القادم، ولذلك أتى بأخيه خالد ليوليه ولاية العهد "مؤقتا"، حتى يقطع الطريق على أبناء عمومته، وينحصر الحكم في أبناء سلمان. ولكن وكما في قوله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال: "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ، وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ".

لذلك، فالأمل في الله سبحانه وتعالى ثم في الشعوب المسلمة لوقف وإفشال هذه الخطوات، وقد لا نرى النتائج الآن، ولكن علينا بالعمل وبذل الجهد. ونحن على يقين من نصر الله، حيث يقول سبحانه وتعالى: "إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمد: 7).

والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.
التعليقات (0)