سياسة عربية

لوحة "المخلص" التي بيعت بمبلغ 450 مليون دولار لم يعد لها أثر

اشترى مقرب من ابن سلمان اللوحة بـ 450 مليون دولار - جيتي
اشترى مقرب من ابن سلمان اللوحة بـ 450 مليون دولار - جيتي

قال الكاتب، دافيد كيركباتريك، إن متحف اللوفر في أبوظبي، لم يعرض اللوحة التي وعد أن تتربع على عرش مقتنياته، وهي لوحة سلفاتور مونتدي التي نسبت إلى الفنان ليوناردو دافينشي، والتي اشتراها مقرب من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان بـ450 مليون دولار.


وتابع الكاتب في مقاله بصحيفة "ذي نيويورك تايمز" بأن "الدائرة الثقافية في أبوظبي أعلنت بعد ما يقرب من شهر من إقامة المزاد العلني أنها بشكل أو بآخر حازت على "سلفاتور موندي" وأنه سيتم عرضها في اللوفر المحلي، إلا أنه تم إلغاء حفل عرضها الذي كان مقرراً في سبتمبر الماضي دون إبداء أسباب".


وأشار إلى أن متحف اللوفر في باريس، لم يتمكن حتى الآن من تحديد مكان وجود "سلفاتور موندي"، وذلك بحسب ما يقوله مسؤول مطلع على محادثات المتحف مع أبوظبي، وقد رفض هذا المسؤول الإفصاح عن اسمه نظراً لخصوصية تلك المحادثات.


وتاليا المقال كاملا:

أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة –

 

قد يبدو لك متحف اللوفر في أبوظبي وقد حاز على كل ما يخطر ببالك في واحد من أرقى المتاحف في العالم، بتصميمه الفاخر وقاعاته التي تظلها قبة ضخمة تبدو للرائي كما لو كانت تحلق فوق مياه الخليج الفارسي، حيث يوجد بداخلها لوحات لفنانين مثل رامبراندت وفيرمير ومونيه وفان غوخ وموندريان وباسكيا.

إلا أن اللوحة التي وعد متحف اللوفر في أبوظبي ذات مرة بأن تتربع على عرش مقتنياته لا وجود لها، إنها لوحة سلفاتور موندي، التي تصور يسوع المسيح وتنسب إلى الفنان ليوناردو دا فينشي.

لا تكاد تجد لوحة أثارت من الفضول والجدل ما أثارته تلك اللوحة سواء في عالم الفن أو في أوساط أمراء وشيوخ دول الخليج. أولاً لأن جدلاً كثيفاً أحاط بصحة نسبتها إلى ليوناردو وأثيرت شكوك حول ما إذا كانت فعلاً من عمل يديه أم لا. ثم أصبحت في شهر نوفمبر من عام 2017 أثمن عمل فني على الإطلاق يعرض للبيع في مزاد علني، حيث بيعت لمضارب مجهول بمبلغ 450.3 مليون دولار، ثم اتضح أن هذا المضارب حليف مقرب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وربما كان يتصرف نيابة عنه.

والآن يكتنف اللوحة غموض جديد: أين هي لوحة سلفاتور موندي؟

ورغم أن الدائرة الثقافية في أبوظبي أعلنت بعد ما يقرب من شهر من إقامة المزاد العلني أنها بشكل أو بآخر حازت على "سلفاتور موندي" وأنها سيتم عرضها في اللوفر المحلي، إلا أنه تم إلغاء حفل عرضها الذي كان مقرراً في سبتمبر الماضي دون إبداء أسباب. وبينما ترفض الدائرة الثقافية الإجابة على أي أسئلة بهذا الشأن يُسر لك العاملون في متحف اللوفر في أبوظبي بأنه لا علم لهم بمكان وجود اللوحة.

وحتى اللوفر في باريس، الذي يؤجر اسمه لمتحف أبوظبي، لم يتمكن حتى الآن من تحديد مكان وجود "سلفاتور موندي"، وذلك بحسب ما يقوله مسؤول مطلع على محادثات المتحف مع أبوظبي، وقد رفض هذا المسؤول الإفصاح عن اسمه نظراً لخصوصية تلك المحادثات.

وكان المسؤولون في الحكومة الفرنسية، التي تملك اللوفر في باريس، قد أبدوا حرصاً على وجود "سلفاتور موندي" ضمن عرض بارز سيتم تنظيمه هذا الخريف بمناسبة الذكرى المئوية الخامسة لوفاة ليوناردو، ويقولون إنهم مازالوا يأملون في أن تظهر اللوحة مجدداً في الوقت المناسب. (رفض ممثل لمتحف اللوفر في باريس التعليق على الأمر).

إلا أن الخبراء في أعمال ليوناردو يقولون إنهم يشعرون بالفزع بسبب انعدام اليقين بشأن مكان وجود اللوحة ومستقبلها وخاصة بعد إعلان أبوظبي أن اللوحة سيتم عرضها حتى يتمكن الجمهور من مشاهدتها.

تقول ديان مودستيني، الأستاذة في معهد الفنون الجميلة التابع لجامعة نيويورك والتي كانت ذات مرة قد عملت في مشروع ذي علاقة بلوحة سلفاتور موندي: "إنها مأساة. ليس من العدل حرمان محبي الفنون وكثيرين غيرهم الذين أثرت فيهم هذه الصورة التحفة والنادرة."

أما مارتين كيمب، مؤرخ الفنون في جامعة أكسفورد والذي درس اللوحة، فيقول إنه يمكن اعتبارها "النسخة الدينية من لوحة مونا ليزا" وإنها تمثل "أقوى تصريح صدر عن ليوناردو في ما يخص مراوغة الإله."

وأضاف: "أنا أيضاً لا أعرف أين هي الآن."

بالإشارة إلى أنه لم يكن جلياً بتاتاً كيف حصلت أبوظبي على اللوحة من السعوديين في المقام الأول – هل أهديت أم أعيرت أم بيعت – ذهب البعض إلى التخمين بأن ولي العهد محمد بن سلمان ربما قرر ببساطة الاحتفاظ بها. وعندما وجه سؤال حول ذلك إلى السفارة السعودية في واشنطن رفض المسؤولون فيها التعليق.

لربما لم يكن ولي العهد البالغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً هو أول شخصية ملكية تملكها. فقد كانت اللوحة، التي يعتقد بأنها رسمت في العام 1500 ميلادي تقريباً، واحدة من لوحتين مشابهتين أدرجتا ضمن قائمة مقتنيات عاهل إنجلترا الملك تشارلز الأول بعد إعدامه في عام 1649 حسبما يقوله البروفيسور كيمب. إلا أن اللوحة ما لبثت أن اختفت من السجل التاريخي في أواخر القرن الثامن عشر.

فيما بعد، ظهرت اللوحة، التي بيعت بسعر خيالي في مزاد علني، ضمن مقتنيات رجل أعمال بريطاني في القرن التاسع عشر. وكانت قد تعرضت للرسم فوقها بكثافة حتى بدت، كما يقول بروفيسور كيمب كما لو كانت خنفوساً أصابه مس من الجنون بسبب تعاطيه لجرعة كبيرة من المخدرات. وحينها نسبت اللوحة لأحد أتباع ليوناردو. وفي عام 1958 بيعت بسعر يعادل بنقود هذه الأيام ما قيمته 1350 دولاراً.

أما الزعم بأنها من أعمال ليوناردو نفسه فالأصل فيه ما ذهب إليه اثنان من تجار اللوحات الفنية كانا قد لمحاها في مزاد علني في مدينة نيو أورلينز في عام 2005 وجاءا بها إلى الأستاذة موديستيني في جامعة نيويورك.

فقامت الأستاذة بنزع الرسم المضاف إلى اللوحة وأصلحت التلف الذي سببه الانفصال في القاعدة الخشبية وأعادت ترميم التفاصيل، بما في ذلك ما بدا من أن إحدى يدي يسوع كان لها إبهامان، ولربما كان السبب في ذلك أن الفنان غير رأيه إزاء مكان الإبهام فقام بإعادة الرسم فوق الإبهام الأصلي. وهذا ما تم الكشف عنه فيما بعد من خلال الكشط، وقامت الأستاذة موديستيني بتغطية الإبهام الذي اعتقدت بأن ليوناردو ما كان ليرغب في وجوده.

اكتسبت اللوحة بفضل نسبتها الجديدة إلى ليوناردو موقعاً في عام 2011 ذا أثر رجعي ضمن لوحاته التي يُحتفظ بها في المعرض الوطني للفنون في لندن. وبعد عامين اشتراها الملياردير الروسي ديمتري إي رايبولوفليف بمبلغ 127.5 مليون دولار – أي بأقل من ثلث الثمن الذي بيعت به في عام 2017 عندما عرضتها مؤسسة كريستي في نيويورك للمزاد العلني.

ونظراً لإخفاق متحف اللوفر في أبوظبي في عرض لوحة "سلفاتور موندي" كما وعدوا فقد تجددت الشكوك حول ما إذا كانت اللوحة فعلاً من عمل الفنان ليوناردو، وراح المتشككون يخمنون أن المالك الجديد للوحة ربما بات يخشى افتضاح أمرها.

بل إن خبيراً بأعمال الفنان ليوناردو، واسمه جاك فرانك، أرسل خطاباً إلى مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يثير الشكوك حول صحة نسبتها. فرد عليه مدير مكتب الرئيس ماكرون، فرانسوا زافيير لاوش، قائلاً إن الرئيس "يبدي اهتماماً كبيراً بما يساوره من قلق."

وقال آخرون إن اللوحة تعرضت لإصلاحات وترميمات مكثفة من قبل الأستاذة موديستيني لدرجة أنها باتت من شغلها بقدر ما هي من شغل ليوناردو.

فما كان منها إلا أن ردت عليهم في مقابلة أجريت معها قائلة: "هذا كلام فارغ. إنها مزاعم سخيفة."

في العادة تقدم مؤسسات المزادات العلنية كفالة مدتها خمسة أعوام لضمان أصالة العمل الفني وموثوقيته. إلا أن التوثيق الرسمي الموسع وما صاحبه من نقاش قبل عملية البيع في عام 2017 قد يجعل من العسير على المشتري استعادة ما دفعه ثمناً للوحة من خلال التشكيك في نسبتها إلى ليوناردو.

كان المشتري المجهول في مزاد نيويورك هو الأمير بدر بن عبدالله بن محمد بن فرحان آل سعود، وهو عضو غير بارز في فرع ناء من فروع العائلة السعودية الحاكمة، ولم يكن يعرف عنه حيازته لثروة كبيرة أو انشغاله بأعمال الفن ناهيك عن أن يكون جامعاً لها. ولكن ما يعرف عنه أنه كان صديقاً مقرباً جداً من ولي العهد محمد بن سلمان. ويذكر أنه بعد شهور قليلة من المزاد، أعلن الديوان الملكي عن تعيين الأمير بدر في منصب أول وزير ثقافة في المملكة.

حاولت مؤسسة كريستي في البداية التستر على هوية الأمير بدر أثناء المزاد لدرجة أنها أوجدت حساباً برقم خاص له لم يعرف به إلا عدد قليل من المدراء داخل المؤسسة. إلا أن الاتصالات والمراسلات التي حصلت عليها صحيفة ذي نيويورك تايمز تظهر بوضوح أن الأمير بدر هو نفسه المشتري المجهول.

فيما بعد صرح المسؤولون الأمريكيون المطلعون على عملية الشراء بأن الأمير بندر كان بالفعل يتصرف بالوكالة عن ولي العهد محمد بن سلمان نفسه، وأن ولي العهد هو المشتري الحقيقي للوحة "سلفاتور موندي".

ويذكر أن عدوانية ورعونة الأمير محمد بن سلمان أصبحت محط انتباه ومتابعة حثيثة في الغرب بعد أن خلصت أجهزة المخابرات الأمريكية إلى أنه هو الذي أمر في الخريف الماضي بقتل المعارض جمال خاشقجي، الكاتب في صحيفة ذي واشنطن بوست، الذي نُصب له كمين ثم قتل وقطعت أوصاله على يد عملاء سعوديين داخل القنصلية السعودية في إسطنبول. وعلى كل حال، كان الأمير قد استبق المزاد بإظهار نهمه لتجميع المقتنيات الثمينة، حيث كان قبل ذلك قد دفع 500 مليون دولار ثمناً لقارب ودفع 300 مليون دولار ثمناً لقصر في فرنسا.

بينما كانت صحيفة ذي نيويورك تايمز في شهر ديسمبر من عام 2017 على وشك نشر مقال حول دور الأمير بدر في المزاد، قام متحف اللوفر في أبوظبي – على الأغلب في محاولة لتحويل الأنظار عن البذخ السعودي في الإنفاق – بنشر تغريدة أعلن من خلالها أن لوحة "سلفاتور موندي" سوف تنضم قريباً إلى مقتنياته.

ويذكر أن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد حليف مقرب جداً من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأن رئيس دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي محمد خليفة آل مبارك واحد من كبار مساعدي ولي العهد في الإمارة.

في شهر يونيو/ حزيران الماضي، أعلن السيد آل مبارك في أجواء احتفالية أن لوحة "سلفاتور موندي" سوف تعرض في سبتمبر/ أيلول 2018 بكونها جزءاً من مقتنيات المتحف الدائمة. وقال في تصريح نشرته صحيفة ذي ناشيونال المملوكة إماراتياً بأن "هذه التحفة الفنية التي ظلت لوقت طويل غير مكتشفة غدت الآن هديتنا إلى العالم. ونتطلع إلى استقبال الناس من كل حدب وصوب ليشهدوا جمالها."

ولكن عندما جاء سبتمبر/ أيلول ألغي العرض دون تفسير ودون أن يعلن عن موعد آخر له.

قال مسؤولو المتحف إن السيد آل مبارك وحده هو المخول بالإجابة على الأسئلة التي تخص اللوحة، بينما قال ناطق باسم السيد آل مبارك، واسمه فيصل الظاهري، إنه لا السيد آل مبارك ولا الوزارة يرغبان في التعليق على الأمر.

وقال أحد الأشخاص من ذوي الاطلاع على التفاصيل المتعلقة ببيع اللوحة إنه تم إرسالها إلى أوروبا بعد إتمام عملية الدفع. وقالت الأستاذة موديستيني إنها سمعت من خبير ترميم أنه طُلب منه من قبل إحدى شركات التأمين فحص اللوحة في زيوريخ في الخريف الماضي قبل المضي قدماً في شحنها إلى وجهة أخرى.

إلا أنه تم إلغاء عملية الفحص. أما خبير الترميم المقيم في زيوريخ، واسمه دانيال فابيان، فرفض التعليق على الموضوع.

وتقول الأستاذة موديستيني إن أثر اللوحة اختفى تماماً بعد ذلك.

ذي نيويورك تايمز
30 مارس 2019

التعليقات (0)