صحافة دولية

مجلة نيويورك: ما هو دور الأثرياء في صناعة القرار الأمريكي؟

مجلة نيويورك: أجندة اليسار أكثر شعبية من أجندة محافظي التيار الرئيسي الأمريكي- جيتي
مجلة نيويورك: أجندة اليسار أكثر شعبية من أجندة محافظي التيار الرئيسي الأمريكي- جيتي

نشرت "مجلة نيويورك" مقالا للكاتب إيرك ليفيتز، يقول فيه إن حوارا ساد في السنوات الأخيرة بين الأكاديميين المتخصصين في العلوم السياسية حول مدى هيمنة الأثرياء على صناعة القرار الأمريكي.

 

ويشير ليفيتز في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن مارتين غيلنس وبنيامين بيج نشرا في 2014 دراسة تشير إلى أن "النخبة الاقتصادية" و"المصالح التجارية" تتمتعان بنفوذ غير متكافئ في اختيار السياسات التي تقررها الحكومة.

 

ويبين الكاتب أن "أمريكا بالكاد مؤهلة بصفتها ديمقراطية شعبية، في الوقت الذي عارض فيه تلك الخلاصة علماء سياسة آخرون، واحتجوا بأن البيانات المستخدمة للتوصل لهذه النتيجة غامضة، ومن بين أشياء أخرى، أشاروا إلى أنه، وبحسب بحث غيلنس وبيج، فعندما تختلف الطبقة المتوسطة مع الطبقة الثرية على قانون فإن الكونغرس يأخذ جانب الأولى في 47% من الوقت". 

 

ويعلق ليفيتز قائلا إن "الشخص قد يجد هذا الرد غير مطمئن، فحقيقة أن الأمريكيين الأثرياء لا ينجحون في الوقوف في وجه ما تفضله الأكثرية أكثر من نصف المرات بقليل ليس دليلا قاطعا على فعالية ديمقراطيتنا، لكن كان هناك أيضا نقد آخر لتحليل غلينس وبيج (نقد يجري على الدراسة الأساسية، وقد يكون صعب التجنب): من خلال قياس استجابة صانعي القرار الأمريكيين على أساس بيانات الاستطلاع ونشاط الكونغرس، فإنه كان هناك فشل في الأخذ في الحسبان دور النخبة في تحديد المواقف السياسية التي يعدونها خطيرة لدرجة أن يتم فيها سؤال الناخبين، ناهيك عن كتابتها في قوانين الكونغرس".

 

ويؤكد الكاتب أن "إهمال هذا الجانب من عملية صناعة القرار سيؤدي إلى التقليل من شأن النفوذ السياسي للنخبة الاقتصادية؛ لأن ذلك النفوذ يؤدي دورا مهما في تحديد أي مواقف سياسية تصل إلى الحوار القومي أصلا". 

 

ويلفت ليفيتز إلى أن بحثا جديدا في الرأي العام من "داتا فور بروغريس " (DFP) يسلط الضوء على هذا الواقع، فبالشراكة مع (Yougov Blue) قام مركز الدراسات التقدمي باستطلاع عدد من السياسات اليسارية، التي اعتبرت لفترة طويلة متطرفة جدا لجذب انتباه شركات الاستطلاع أو تفحص الكونغرس، مشيرا إلى أن بعض هذه الأفكار كسبت مؤخرا دعم معظم نواب الحزب الديمقراطي اليساريين، فيما لا تزال أخرى أبعد من الخيال السياسي لبيرني ساندرز.

 

ويقول الكاتب إنها "كلها تقريبا أكثر شعبية من الأجندة الاقتصادية للتيار الرئيسي في الحزب الجمهوري، خذ مثلا الأدوية: سألت DFP وYouGov الناخبين: (هل تدعم أم تعارض أن تقوم الحكومة بإنتاج الأدوية الضرورية حتى لو تطلب ذلك إلغاء شهادة البراءة التي تملكها شركات تصنيع الأدوية؟)، وافق المشاركون في الاستطلاع على الفكرة بنسبة 51% مع إلى 21% ضد، وتمتع الاقتراح بتأييد غالبية ناخبي ترامب، وحصل في الواقع على تأييد أكبر في المناطق النائية المحافظة من المناطق المدنية".

 

ويجد ليفيتز أن "كون هذا الخيار السياسي لم يحظ باهتمام في واشنطن -ولذلك لم يتم استطلاعه- لا يمكن أن يعزى إلى قلة الدعم الشعبي له، وفشل الحكومة الفيدرالية في أن تقوم بفعل تجاه الفكرة لا يمكن أن يعزى إلى عناد الحزب الجمهوري، وكان فريق من جامعتي يال وهارفاد أوضح عام 2016 في مقال تم نشره في (واشنطن بوست)، يفيد بأن الحكومة تملك السلطة القانونية لتجاوز قانون براءة الاختراع":

وينوه الكاتب إلى أن "ما قالوه في ذلك المقال باختصار هو أن بإمكان الحكومة شراء أراض لأجل بناء مطار، أو تمرير سكة حديد بسعر معقول، ولا يستطيع من يملكون براءات اختراع منع الحكومة من شراء منتوجات تنتهك براءة الاختراع، وكل ما يستطيعون فعله هو المطالبة بتعويض معقول".

 

ويفيد ليفيتز بأنه "في الوقت الذي ارتفع فيه سعر علاج التهاب الكبد بشكل كبير عام 2016، فإنه كان بإمكان إدارة أوباما أن تتجاوز الملكية الفكرية الخاصة، وتطلب إنتاج علاج عام، والأدلة كلها تشير إلى أن تحركا مثل هذا كان سيحظى بشعبية كبيرة، (إلى درجة أن الناخبين الجمهوريين كانوا مستعدين للموافقة على أي شيء يقوم به أوباما على أي حال)، وكون هذا لم يناقش أبدا يعكس مدى نفوذ لوبي صناعة الأدوية، وليس اعتقاد الشعب الأمريكي بحصانة حقوق الملكة الفكرية". 

 

ويشير الكاتب إلى أن "استطلاعات DFP توثق دعما كبيرا لفكرة (إنشاء شركة إنترنت عامة الملكية لملء الفراغات في التغطية في المناطق النائية والمدنية، حيث تفتقر المناطق النائية الآن إلى خدمة إنترنت جيدة).. وأيد مثل هذه الفكرة 56% من المستطلعة آراؤهم، في الوقت الذي عارضها 16% فقط، ويؤيد ناخبو ترامب والأمريكيون في المناطق النائية سيطرة كبيرة للحكومة على خدمات الإنترنت، حيث وصلت نسبة التأييد في المناطق النائية 44%". 

 

ويرى ليفيتز أن "الأهم هو أن 55% من الناخبين يؤيدون (التمويل الفيدرالي لخلق وظائف في المجتمع لأي شخص لا يستطيع العثور على وظيفة)، وكان التأييد للوظائف في القطاع العام كبيرا في كل من المناطق المدنية والمناطق النائية". 

 

ويلفت الكاتب إلى أن "بعض البلديات تقدم خدمات الإنترنت، وبعض أعضاء الكونغرس الديمقراطيين وقعوا على مقترحات وظائف مضمونة، لكن هذه الأفكار بقيت على هامش الرأي في الكونغرس والحوار العام، بالرغم من جاذبيتها (للناخب العادي)، ومن الصعب الاعتقاد أن هذا الأمر لا علاقة له بنفوذ شركات الاتصالات في الكونغرس، أو نفوذ الناخبين الأثرياء الذين لا يريدون دعم نظام خلق وظائف عامة من أموال الضرائب التي يدفعونها". 

 

ويبين ليفيتز أن "أهم ما اكتشفته DFP يتعلق بسياسة يسارية متطرفة جدا لذوق الأكثرية، فقد عارض المشاركون نسبة ضرائب 90% من أي مبالغ فوق المليون بنسبة 40% إلى 33% مع، وهذه النسبة تشير إلى أن الرأي العام بشأن سياسة الضرائب تحرك نحو اليمين من أيام إيزينهاور، لكنها تظهر أيضا نسبة 90% العليا للضرائب، التي تشكل ضعف النسبة التي يقترحها بيرني ساندرز، ولا تزال متوافقة مع الرأي العام الأمريكي أكثر من سياسات الضرائب للحزب الجمهوري".

 

وينوه الكاتب إلى أنه "في استطلاع DFP عارض المشاركون نسبة الضرائب العليا أن تكون 90% بفارق 7 نقاط، في الوقت الذي أظهر فيه استطلاع لشركة (بيو) في آب/ أغسطس من العام الماضي، أن المشاركين يعارضون خفض ضرائب الشركات بفارق 49 نقطة، وعارضوا تخفيض الضرائب على البيوت التي يصل فيها الدخل إلى 250 ألف دولار بفارق 49 نقطة".

 

ويستدرك ليفيتز بأنه "بالرغم من كون تخفيض الضرائب عن الأثرياء موضوع اهتمام عام، بينما فكرة (حد أقصى للدخل) ليست كذلك، إلا أن الحزب الحاكم في أمريكا جعل من قضية خفض الضرائب بشكل كبير للأثرياء والشركات أولويته التشريعية الأولى العام الماضي، في الوقت الذي لم يتقدم فيه أحد من أي من الحزبين ليقترح إعادة فرض 90% ضريبة للهوامش العليا من الدخل، ومن الصعب إيضاح هذا الأمر دون اعتبار أن الأثرياء يحظون بنفوذ غير متكافئ على الحوار السياسي في أمريكا".

 

ويقول الكاتب: "من المستحيل تقريبا فهم كيف يقضي الكونغرس معظم عام 2017 يحاول تمرير قوانين تخفيض ضرائب وتخفيض نفقات الرعاية الصحية الفيدرالية، وسط معارضة شديدة من الناخب الجمهوري، وحالة طوارئ صحية حقيقية تتركز في المناطق التي يسيطر عليها المحافظون، دون التوصل إلى أن النخبة الاقتصادية ومصالح الشركات هي التي تسيطر حاليا على النظام السياسي الأمريكي".

 

ويختم ليفيتز مقاله بالقول إن "هذا لا يعني أن هذه السيطرة لا بد منها، إلا أن التوزيع غير العادل للثروة، والمعرفة السياسية، والوقت الحر في أمريكا، تعطي تفوقا للأشخاص الأثرياء والشركات أمام الأمريكيين العاديين، لكن قوة الأمريكيين العاديين تكمن في أعدادهم، وكما أظهر استطلاع DFP فإن هناك عددا لا بأس به من السياسات التقدمية التي تحظى بدعم أكثرية الطبقة العاملة".

التعليقات (0)