مقالات مختارة

وعقدنا العزم أن ترحلوا

حسين لقرع
1300x600
1300x600

من المفارقات السياسية الغريبة التي لا تحدث إلا في الجزائر، أن وزارة الخارجية أصدرت بيانا إثر الانقلاب العسكري الذي حدث في السودان، دعت فيه المجلسَ العسكري الذي استولى على السلطة بذريعة “نصرة انتفاضة الشعب” وأعلن أنه سيحكم البلاد سنتين كاملتين، إلى تحقيق “انتقالٍ ديمقراطي سلمي وسلس للسلطة في السودان”؟!

كان يمكن تفهُّم هذه الدعوة لو فعلت الجزائر المِثل فور استقالة الرئيس بوتفليقة وشرعت في إجراءات نقل السلطة بشكل “سلمي وسلس”، إلى هيئةٍ رئاسية مستقلة تتكوّن من شخصيات يرضى عنها الشعب لتسيير المرحلة الانتقالية، وهذا استجابة لملايين المتظاهرين الذين أبدوا في 8 مسيراتٍ مليونية كاملة رفضَهم القاطع لبقاء الوجوه القديمة للنظام، لكن النظام الذي يوجّه الآن دروسا إلى السودان حول “الانتقال الديمقراطي السلس” تصرّف بشكلٍ مغاير لـ”نصيحته”؛ فقد آثر تحدّي الشعب وتكليفَ بن صالح بقيادة المرحلة الانتقالية تحت غطاء تنفيذ المادة 102 من الدستور، قصد توفير الأجواء لتحضير شخصيةٍ أخرى تخلُف الرئيس المستقيل في الانتخابات الرئاسية الشكلية القادمة، وتمكّنُ النظامَ من تجديد نفسه والاستمرار في احتكار الحكم ردحا آخر من الزمن.


وحينما يلجأ النظامُ إلى قمع المسيرات السلمية للطلبة الجامعيين بالغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، ومن دون أيّ مبرر، ثم يُطلق عشراتِ قنابل الغاز على المسيرة المليونية الثامنة في شارع محمد الخامس وقرب البريد المركزي، فإنّ هذا يعني ببساطة أنّه غير مستعدّ تماما لتلبية مطالب الشعب التي عبّر عنها بوضوح في مسيراته الحاشدة في جميع ولايات الوطن، وأنّه مصرٌّ على إبقاء بن صالح رئيسا للدولة إلى غاية تسليمه الحكم لرئيس الجمهورية القادم، وإبقاء بدوي رئيسا للحكومة التي ستنظّم هذه الانتخابات في 4 جويلية المقبل، وهذا يعني أيضا أنّه سيُجري هذه الانتخابات في موعدها في ظروفٍ استثنائية غير مواتية تماما، برغم الرفض الشعبي الواسع لها. وفي هذه الحالة يُنتظَر أن تشهد هذه الانتخابات نسبة مقاطعة شعبية قياسية غير مسبوقة في تاريخ الجزائر المستقلة، وستذكّرنا بالانتخابات التشريعية والمحلية التي قاطعتها منطقة القبائل في سنة 2002 بشكل قياسي، حتى إنّ نسبة المشاركة في المحليات ببلدية فرعون ببجاية لم تتعدّ 0.6 بالمائة!


وإذا أصرَّ النظامُ على الاستمرار في تحدّي الشعب وتجاهلِ حقِّه في التغيير وبناء جزائر جديدة، وفرض الأمر الواقع عليه، ثم فرض عليه بالتزوير رئيسا من رجاله الممقوتين، فسيعني ذلك تعميق الأزمة وتعفينَها وإيصال البلاد إلى عواقب وخيمة؛ إذ لن يستقرّ الوضعُ أبدا طيلة السنوات الخمس القادمة، وستتواصل الاضطراباتُ الشعبية بأشكال عديدة، وستنعكس الأزمة سلبا على الاقتصاد والاستثمارات الأجنبية والحياة العامّة ككل، ولن يزيد ذلك الشعبَ إلا يأسا واحتقانا وغليانا.


لذلك، نعتقد أنّ الحلّ الأمثل هو التحلّي بالتعقّل والحكمة والاستجابة لمطالب الشعب من دون مزيدٍ من التأخير وربح الوقت، وترحيل بن صالح وبلعيز وبدوي، وشروع الجيش– وقد قلنا ذلك في مناسباتٍ سابقة ونعيدها- في التفاوض مع شخصياتٍ مستقلّة ومعارِضة تحظى باحترام الشعب، وتتوفر فيها الكفاءة والنزاهة لتشكيل هيئةٍ رئاسية ثلاثية أو خماسية تتولى المرحلة الانتقالية، وتشكّل بدورها حكومة كفاءات ولجنة للإشراف على الانتخابات بكل مراحلها بدل وزارة الداخلية والإدارة، لتنظِّم الرئاسيات القادمة في أجواء ديمقراطيةٍ مُناسِبة، تُفرز لنا رئيسا ينتخبه الشعب بكل حرية وشفافية لأول مرة في تاريخه.

 

عن صحيفة الشروق الجزائرية

1
التعليقات (1)
امير رزق الله
الإثنين، 15-04-2019 03:38 م
ان الحكم خدمة لا استغلال