مقالات مختارة

الجزائر.. قائد أركان برتبة رئيس دولة

محمد قيراط
1300x600
1300x600

تتوالى الجمعات وتتوالى المسيرات والمظاهرات والحراك يزيد قوة وعزيمة الجمعة تلو الأخرى، لكن الانسداد ما زال يفرض نفسه حيث إن السلطة متمثلة في بن صالح وحكومته وإلى جانبها قائد الأركان الذي انحاز للحل الدستوري، يصران على المضي قدما في تنظيم الانتخابات وإجرائها يوم 4 يوليو 2019. بينما الحراك يصر على ذهاب تنحية "الباءات" الثلاثة وتسليم أمور المرحلة الانتقالية إلى هيئة تشرف على الانتخابات. المشهد السياسي في الجزائر هذه الأيام يسيطر عليه الحراك من جهة الذي صمم ويصر على التغيير الشامل وذهاب كل من كان متورطا مع النظام السابق.

من جهة أخرى نجد قائد الأركان القايد صالح الذي أصبح هو الرقم واحد في صناعة القرار السياسي وتصويب البوصلة في الاتجاه الذي يراه سليما، والذي مع الأسف الشديد، أصبح لا يتناغم مع طموحات الحراك. قائد الأركان مصر على الحل الدستوري الذي لا يستجيب بأي حال من الأحوال مع مطالب ملايين الجزائريين التي تخرج في مسيرات مليونية كل يوم جمعة.

الجزائر وصلت إلى مرحلة الانسداد بسبب دستور لم يضع في الحسبان الوضعية التي وصلت إليها. فالمادة 102 لا تستجيب للطموحات الحالية للشارع الجزائري بل تكرس نظام بوتفليقة فذهاب رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز فتح المجال لأحد أعضاء المجلس ليخلفه مما يعني أن الأمور بقيت على حالها. وتعويض بوتفليقة بـ بن صالح لم يرق لطموحات ومطالب الحراك حيث إن الأمور لم تتغير قيد أنملة خاصة وأن حكومة بدوي جاءت بأسماء وشخصيات النظام القديم والبعض منها لا يتوافر على الكفاءة اللازمة ليكون وزيرا.

أكثر من ذلك وزير مالية حكومة بدوي مطالب في المحكمة، أما بدوي نفسه فهو مهندس ورجل التزوير في مختلف الانتخابات التي شهدتها الجزائر في عهد بوتفليقة.

ما تعيشه الجزائر هذه الأيام هو حراك نشط وديناميكي ومستمر في مساعيه ومطالبه في وسط معارضة سياسية ضعيفة لم تستطع إلى حد الآن أن تقوم بالدور المنوط بها. فالنخبة السياسية لم توفق في وضع خطة طريق وحلول عملية لكسر الانسداد والانطلاق في عملية التغيير. من جهة أخرى نلاحظ وجود مؤسسة عسكرية قوية أرغمت الرئيس على الاستقالة وأجبرت الرئاسة على تطبيق المادة 102 من الدستور الجزائري لكنها مع الأسف الشديد تخلت عن المادة 7 و8. فقائد الأركان الجزائري أحمد قايد صالح أصبح في المرحلة السياسية الحالية التي تعيشها الجزائر قائد أركان برتبة رئيس دولة ينتظره الجزائريون كل يوم ثلاثاء للتعبير عن المستجدات وما هي الإجراءات القادمة. هذه الوضعية، مع الأسف الشديد لا تخدم المرحلة الانتقالية ولا طموحات ومطالب الشعب.

ففي الفترة الأخيرة شهدت الجزائر حملة من محاكمة كبار رجال الأعمال الذين تورطوا في قضايا فساد ونهب المال العام على غرار الإخوة كونيناف ورجل الأعمال الشهير ربراب وغيرهم. كما أمر القايد صالح بضرورة استقلالية القضاء وإعطاء الحرية الكاملة للمحاكم والمدعين العامين للقيام بدورهم كما ينبغي.

هذا شيء جميل ويُحب لمكاسب الحراك، لكن المهم من هذا هو وضع خريطة طريق واضحة للخروج من الانسداد والشروع في التغيير الذي يقود الجزائر والجزائريين إلى التحول الديمقراطي والجمهورية الثانية.

إلى حد الساعة لا جديد في الأفق وهناك تعنت من قبل بن صالح والمؤسسة العسكرية في عدم استخدام السبيل السياسي لحلحلة الأوضاع. فالندوة التي دعا إليها بن صالح ولم يحضرها كانت فاشلة بكل المعايير حيث إن عدد الصحفيين فاق أولئك الذين حضروا من أحزاب سياسية وشخصيات لها باع في العمل السياسي. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن بن صالح لا يستطيع أن ينجح في تنظيم الانتخابات وفى إجرائها يوم 4 يوليو 2019. فالمنطق يقول إن هناك أزيد من 20 مليون جزائري يتظاهرون كل يوم جمعة ضد بن صالح وبدوي وإدارتهما وتسييرهما للمرحلة الانتقالية مما يعني إن 20 مليونا يقاطعون الانتخابات يوم 4 يوليو هذا إلى جانب 88 بلدية أعلنت عن عدم تنظيمها وإشرافها على الانتخابات الرئاسية القادمة. ففشل ندوة بن صالح مؤشر صريح على أن بن صالح يقود السفينة في الاتجاه المعاكس حيث إن الأحزاب السياسية الفاعلة والشخصيات الفاعلة في المشهد السياسي الجزائري رفضت التعامل مع بن صالح والتشاور معه لقيادة المرحلة الانتقالية.

من جهة أخرى نلاحظ أن المعارضة ما زالت تراوح نفسها ولم تأت بأي جديد يذكر حتى الساعة. اجتماعها الأخير كان فاشلا مثل فشل ندوة بن صالح حيث لم يحضرها العديد من الشخصيات السياسية على غرار علي بن فليس رئيس حزب طلائع الأحرار ولويزة حنون رئيس حزب العمال.

إن الإجراءات التي شرع فيها بن صالح في تغيير بعض الولاة ومحاكمة كبار رجال الأعمال الفاسدين إجراءات قد تسعد الحراك لكن المطلوب في هذه المرحلة العصيبة هو أكثر من ذلك بكثير. الحراك مصمم على التغيير، التغيير الجذري الذي ينقل الجزائر من مرحلة تراكمات 57 سنة من الفساد وسوء الإدارة إلى مرحلة تسودها الديمقراطية والشفافية والحكم الراشد. الجمعات تتوالى وملايين الجزائريين تنزل للشارع لتؤكد أنها لا ترضى إلا بالتغيير الشامل الذي يضمن لها مطالبها وحقوقها.

حالة الانسداد تسيطر على الوضع حاليا خاصة أن الرئاسة متشبثة بموقعها للمضي قدوما في تحضير الانتخابات الرئاسية في 4 يوليو 2019 وقائد الأركان برتبة رئيس الدولة الذي يمسك بزمام الأمور حاليا مصر على الحل الدستوري بدلا من الحل السياسي. إلى أين تتجه الجزائر؟ سؤال يطرحه الكثير ممن يراهنون على الجمهورية الثانية والطلاق بالثلاث مع النظام القديم.

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)