قضايا وآراء

اليمين الإسرائيلي وانهيار السلطة الفلسطينية

رائد أبو بدوية
1300x600
1300x600
ظلت السلطة الفلسطينية حتى عام 2000م تشكل مصلحة مزدوجة للفلسطينيين والإسرائيليين. فبالنسبة للفلسطينيين، شكلت سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني مرحلة مؤقتة ستنقلهم لمرحلة الدولة بموجب اتفاقيات أوسلو، أما بالنسبة للإسرائيليين، فقد كانت الجهاز التنفيذي الذي سيرفع عنهم عبء وتكاليف السكان الفلسطينيين في الضفة وغزة. وبوجودها، خلقت إسرائيل هدوء نسبيا للصراع احتاجت إليه لإكمال مشروعها الاستيطاني في الضفة الغربية، وهو ما حصلت عليه.

فإسرائيل الآن تسيطر بالكامل على مناطق "ج" في الضفة (60-63 في المئة من أراضي الضفة). ولقد عززت استيطانها في هذه المنطقة، بل وضيقت وهجرت غالبية السكان الفلسطينيين من هذه المناط، حتى أصبح لها أغلبية ديمغرافية فيها. وتكاد تكون مناطق (ج) في الضفة تقول لإسرائيل "خذوني".

في ظل هذا كله، هل ستبقى السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي؟

إن بقاء السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي، وعبر إعفاء إسرائيل من أعبائها كسلطة احتلال تجاه السكان الفلسطينيين، وتقديمها للخدمات الأمنية اللازمة لإسرائيل عبر ما يسمى "التنسيق الأمني"؛ لا شك في أنه مصلحة إسرائيلية محضة. وذلك على افتراض قبول القيادة السياسية الفلسطينية بالرؤية الإسرائيلية القائمة على القبول الفلسطيني للأمر الواقع المفروض إسرائيليا، وهو ما ترفضه السلطة رسميا، ولكنها ظلت عاجزة عن مقاومته طوال سنوات مضت.

هل سيبقى المشهد السياسي الإسرائيلي كما هو؟ فالأحزاب الإسرائيلية اليمينية تتصدر المشهد في إسرائيل، وتسعى جميعها إلى ضم الضفة الغربية، أو على أقل تقدير ضم مناطق "ج". حتى حزب الليكود الإسرائيلي اليميني الحاكم صوّت العام الماضي لصالح الضم. وكذلك، لا يستبعد ولا يمانع الأمريكيون، مهندسو صفقة القرن القادمة، أية خطوات إسرائيلية للضم الجزئي للضفة، وهو ما عبروا عنه صراحة أكثر من مرة. وفي الجهة المقابلة، رفض فلسطيني رسمي وشعبي وحزبي معلن للصفقة قبل إعلانها.

فالسيناريوهات المقبلة أحلاها مر؛ فمن جهة لا يرى اليمين الإسرائيلي المتشدد أية مصلحة لبقاء السلطة، التي تشكل وستشكل عائقا أمام مشروع الضم الإسرائيلي (الكلي أو الجزئي للضفة الغربية) بموقفها السياسي الحالي، وسيعمل اليمين الإسرائيلي جاهدا على انهيار السلطة، أو على أقل تقدير العمل على استبدال قيادة السلطة الفلسطينية الحالية بقيادة أخرى ذات برنامج خدماتي محض، بصلاحيات لا تتجاوز صلاحيات البلديات أو أقل.

إن إدراك القيادة السياسية الفلسطينية (غير المتأخر) لسيناريو انهيار السلطة الفلسطينية، سواء كان انهيارا بنويا أو انهيارا سياسيا، يحتم عليها: إعادة بناء وهيكلة الحاضنة الفلسطينية السياسية الأم، وهي منظمة التحرير الفلسطينية، حتى يبقى الكل الفلسطيني مستظلا بظلها، وتبقى الجسم السياسي التمثيلي للقضية الفلسطينية، سواء على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو الدولي. وهو ما يستدعي أيضا دعوة جادة لجميع الأحزاب السياسية الفلسطينية للانخراط في هذا البناء وهذه الهيكلة، وهذا يعني الذهاب (بدون شروط وبدون تردد) لإنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق وحدة البرنامج السياسي لمواجهة سيناريوهات سياسة "الأمر الواقع" الأمريكية- الإسرائيلية القادمة.

إن المواجهة الفلسطينية الشاملة للخطوات الإسرائيلية القادمة تفترض اندماج الكل الفلسطيني فيها، وذلك على كافة الصعد الرسمية والشعبية والحزبية، وهو ما يحتاج إلى جهود إصلاحية حثيثة لسد الفجوة التي أوجدها الانقسام والممارسات الرسمية وغير الرسمية ما بين الشعب ومؤسساته.
التعليقات (0)