مقالات مختارة

المجد للثورة..!

علاء الدين أبو زينة
1300x600
1300x600

يوجه البعض انتقادات مستمرة إلى "حماس" الفلسطينية على اشتباكاتها العسكرية مع العدو الصهيوني. ويقول هؤلاء المنتقدون إن هذه الاشتباكات تضع الفلسطينيين شبه العزل أمام آلة البطش العسكرية الهائلة للاحتلال. وفي الحقيقة، يمكن انتقاد حماس على أي شيء إلا هذا.

لم تكن كل الشعوب التي ابتليت بالاحتلال تقاتل من أجل حريتها بقوة عسكرية تقترب من قوة الغزاة –وإلا لما احتلوا بلادها من الأساس. لم يكن السوريون الذين قاتلوا دبابات فرنسا بالبنادق الخفيفة نظراء من هذا الجانب؛ ولا الليبيون أمام الإيطاليين، ولا الفيتناميون أمام الغزاة الأميركيين، وغيرهم وغيرهم. لكن هذه الشعوب تحررت بالمقاومة.

أثبت التاريخ أن صاحب الحق الذي يقاتل دفاعاً عن منزله وعائلته وكل شيء أثير لديه يمتلك شيئا يفتقده الغازي الغريب الذي يعرف أنه سارق ومعتد ومفلس من الأخلاق والأحقية. ربما يكون الاختلاف في حالة الفلسطينيين أنهم أمام غزاة أقنعوا أنفسهم بفكرة أنهم يستعيدون وطنهم القديم الذي منحه الله لهم.

لكن هؤلاء لا يختلفون في النهاية عن بقية المحتلين الذين لهم أوطان يعودون إليها عندما يتضايقون.

وقد لخص الكاتب ميكو بيليد الفكرة حين كتب: "تكمن مشكلة نتنياهو في أنك عندما تسأل الفلسطينيين في الشتات من أين هم، فإنهم سيقولون لك: من يافا، حيفا، الرملة، وهكذا. وعندما تسأل الإسرائيليين نفس السؤال، فإنهم سيقولون: من بولندا، روسيا، المغرب، اليمن، وما شابه".

عندما قاوم الفلسطينيون المحتلين الإنجليز، أقوى قوة في العالم في ذلك الوقت، فإنهم قاتلوهم ببنادق قديمة اشتروها على حساب طعامهم، ولا يجوز لومهم على ذلك. وعندما انطلقت الثورة الفلسطينية بعد الاحتلال الصهيوني، كانت مجموعات صغيرة من الشجعان تنفذ عمليات خلف خطوط العدو.

وكان ذلك الاشتباك المسلح، مهما كان غير متكافئ عسكرياً، أنصع علامة على حيوية الشعب وهذه الفكرة هي التي ترعب العدو وتحت معنوياته الفلسطيني الذي لم يمت ولم يصبح عاجزاً وتجعله واقفاً دائما على أطراف أصابعه ويدفع كلفة احتلاله.

يقول الاحتلال غير الأخلاقي أن الفلسطينيين يدفعون أولادهم إلى مواجهة جيشه المدجج لكي يستجدوا العطف العالمي بدم أبنائهم. ويعرف كل أب أن هذا ليس صحيحاً، وهو نفس "المنطق" الذي يقول بأن الفلسطينيين ينتحرون عندما يواجهون جيش الاحتلال. ماذا يفعلون إذن؟ في الحقيقة، ترتفع معنويات كل عربي من المحيط إلى الخليج عندما يضيء جمر المقاومة الفلسطينية من تحت الرماد، وتصحو فيه مشاعر الكرامة والأمل. صحيح أن الفلسطينيين يستشهدون، لكنهم يعرفون أن طريق الحرية التي يكمن لهم فيه عدو غاشم ليست نزهة، وأن الإحجام عن ارتياد ذلك الطريق يعني الشلل ووضع الرأس تحت السيف.

الآن، بينما يدور الحديث عن تصفية القضية الفلسطينية، أو شراء فلسطين من الفلسطينيين، تقول ما يزال بين طرفين، والذي لم يحسم القوي فيه النزال الإطلاقات من غزة أن هناك صراعاً بالضربة القاضية.

ومهما كانت التحليلات والرؤى حول حماس وسياساتها –وأنا من منتقدي الفصائلية وأي أيديولوجية غير فلسطين وأي تسلط لفلسطيني على فلسطيني- فإن الذين يقاتلون ببسالة ضد آلة العدو الجبارة هم الأحياء الوحيدون في بحر ميت. وهم الإعلان الوحيد عالي الصوت عن حيوية الشعب الفلسطيني وعناده ورفضه التسليم بالهزيمة.

حتى نفس القوى العدوانية التي برعت في استعمار الآخرين وسرقة أوطانهم وأرواحهم، لم تستطع سوى الإقرار بحق الشعوب المحتلة في مقاومة محتليها بكل الوسائل لتحرير أوطانها، وسجلت ذلك في المواثيق.
ولا يجوز لأحد التذرع بالشفقة على الفلسطينيين، الذين فقدوا كل شيء تقريباً وما يزالون يخسرون يومياً، ليقترح عليهم التوقف عن المقاومة بكل وأي وسائل، بما فيها الكفاح المسلح الكفيل وحده بانتزاع شيء من العدو. ولا يمكن أن يكون البديل المطروح على الفلسطينيين – الاستسلام ببساطة- هو الوصفة العملية ولا الأخلاقية لخلاصهم وحريتهم.

في أيام سابقة أفضل وأكثر أملاً، استلهم الفلسطينيون نشيد محمد حسيب القاضي، الذي لا تنتهي أبداً صلاحيته وقربه من القلب: "المجد للثورة/ المجد للإنسان يعطي أرضه عمره/ للبندقية في اليد الحرة/ للشعب يصنع بالدما فجره.


إن لم تضح أنا وأنت، فمن يضحي/ إني فتحت لموطني شباك  جرحي/ لتمر منه العاصفة.


أوصيك فلتكمل طريقي/ واحمل سلاحي يا رفيقي/ أوصيك بالثورة/ المجد المجد المجد المجد، للثورة"!

 

عن جريدة الغد الأردنية 

0
التعليقات (0)