قضايا وآراء

الضعفاء هم من يتمسكون بالاتفاقيات.. فهل من مخرج!!

مأمون أبو عامر
1300x600
1300x600
يخطئ من يظن أن معاهدات الصلح أو اتفاقيات السلام بين الأعداء، أو الاتفاقيات الاقتصادية بين الدول والقوى المتنافسة، تُحترم بمجرد التوقيع عليها. الحقيقة أنه عند استعراضنا لمدى التزام الدول بالاتفاقيات والمعاهدات، خاصة فيما يتعلق بالسلام والأمن، نجد هناك كثيرا من الاختراقات والتجاوزات.

ومن يتتبع واقع احترام الاتفاقيات الدولية، يجد أن احترام الاتفاقيات والتمسك بها مرتبط بأمرين، الأول؛ إن كانت الأطراف تشعر أن الاتفاق أو المعاهدة أو التفاهم يحمي مصالحها، فسيكون هناك احترام لها ويتم المحافظة على استمراره. الثاني؛ شعور أحد الأطراف بفائض من القوة؛ يجعله يفكر بالتخلي عن الاتفاق أو نقضه، نتيجة أن واقع الاتفاق لا يلبي حاجاته الجديدة، ولذلك يسعى لإعادة التفاوض على الاتفاق أو الانقلاب عليه جملة وتفصيلا، أو الشعور بالضيم والغبن ساعة توقيع الاتفاق، أو ضغط الحاجة أو الزمن.

هنا لا بد من الإشارة إلى أنه من الناحية التاريخية، لم يثبت أن المبادئ الأخلاقية كانت السياج الحامي لاستمرار العمل بالاتفاقيات والالتزام بالمعاهدات، إلا في حالات نادرة، وفي الأغلب كان المسلمون هم الطرف الأقوى، فواقع العلاقات الدولية الحالي يسير باتجاه مغاير؛ لأن ما يحكم السياسات الدولية بطبيعة الحال المصالح وليست الأخلاق.

وهناك أمثلة كثيرة يمكن اعتبارها شواهد على هذا الواقع في العلاقات الدولية، ويكفي هنا أن نشير إلى بعض الانسحابات من الاتفاقيات الدولية، وتلمس تداعياتها الفوضوية على الساحة الدولية والإقليمية بسبب انسحاب أحد الأطراف أو تراجعه عن الالتزام بها، ويقف على رأس هذه الفوضى من يقود النظام العالمي، أي الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة ترامب؛ بإقدامها على:

- الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، الموقّع عام 2015، أي قبل عام واحد فقط من انتخاب الرئيس، بالرغم من صدور قرار من مجلس الامن باعتماده. 

- تراجعها عن اتفاقية التجارة الحرة وفرضها رسوما جمركية على السلع من بعض الدول، بخلاف الاتفاقية، كان آخرها قرار الرئيس ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 22 في المئة على البضائع المستوردة من الصين، علاوة على الضرائب المفروضة على دول أخرى.

لا يقف الأمر على الولايات المتحدة، بما تملكه من قوة تجعلها قادرة على التنصل من أي التزام أو اتفاق، لكن هناك العديد من الدول الأقل قوة والأقل شأنا من الولايات المتحدة؛ تحركت هي الأخرى بهذا الاتجاه الفوضوي، مما أثار كثيرا من الأزمات الدولية، ويمكن رصد العديد من الحالات التي تخلى فيها أحد الأطراف عن الاتفاقيات:

- إلغاء الرئيس العراقي صدام حسين اتفاقية الجزائر الموقعة عام 1975 مع إيران، وذلك عندما شعر صدام حسين بفائض من القوة.

- تراجع روسيا عن إعلان بودابست عام 1994، لضمان أمن وسلامة أوكرانيا، مقابل تسليم الأسلحة النووية والأسطول الذي ورثته من الاتحاد السوفييتي لروسيا. وبالرغم من الدور الأمريكي في ضمان هذا الاتفاق، إلا أنه بعد 21 سنة (2015)، غزت روسيا أوكرنيا وضربت بعرض الحائط كل تعهداته.

- حتى مصر، عندما قرر الرئيس جمال عبد الناصر محاربة إسرائيل عام 1967، تخلت عن اتفاقية الجلاء عام 1957، وأغلقت المضائق أمام الملاحة الإسرائيلية وطردت القوات الدولية.

أما إسرائيل، فحدّث ولا حرج عن تهربها وتنصلها من الاتفاقيات الموقعة بينها وبين الفلسطينيين، منذ اتفاقية أوسلو عام 1993 مع منظمة التحرير الفلسطينية، التي تم التصديق عليها في الكنيست، أي أصبحت مستندا قانونيا، كما حظيت بالدعم الأمريكي والدولي والإقليمي، لكن تم تجاوز المصالح الفلسطينية من دون رادع، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الأمني. فلم يتغير الوضع السياسي، وبقيت سلطة الحكم الذاتي، ونهش الاستيطان الأراضي للقضاء على أية فرصة لحل سياسي، ثم جاء القرار الأخير باقتطاع جزء من أموال المقاصة، في خطوة تتعارض مع أسس الملحق الاقتصادي الذي عرف باسم اتفاق باريس الاقتصادي.

واليوم في قطاع غزة، ما يجري من تنصل إسرائيلي من اتفاقيات التهدئة مع الفصائل الفلسطينية؛ هو سلوك ليس مستغربا عن السلوك الإسرائيلي العام. فإسرائيل تستمر بسياساتها، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، ولذلك؛ الخيار الفلسطيني لإجبار إسرائيل على الالتزام بهذه التفاهمات والاتفاقيات؛ يكمن في قدرة القوى الفلسطينية على رفع التكلفة لأي محاولة للتجاوز على الحقوق الفلسطينية. ولا بد من أن تقتنع إسرائيل بأن مصلحتها تكمن في احترام الاتفاقيات، الذي لن يتم إلا باحتفاظ المقاومة بقدرتها على الضغط على الطرف الإسرائيلي، إما بحراك شعبي واسع أو بتراكم القوة والقدرة على إيقاع الألم في أي مواجهة تقع بين الطرفين. وهنا أشير إلى ما قاله رئيس الوزراء المصري، مصطفى خليل، حين سئل عن اتفاق كامب ديفيد بعد 20 عاما من توقيعه: "ما يحفظ الاتفاق ويمنع إسرائيل من التنصل منه هو قوة مصر، وإدراك الإسرائيليين بمخاطر التنصل من الاتفاق، وإلا فإن هذا الاتفاق لا يساوي الحبر الذي كتب به".
التعليقات (0)

خبر عاجل