كتاب عربي 21

مناقشة "الباعث الجهوي" في الهجوم على طرابلس

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600

لم يكن من ضمن دوافع الهجوم على طرابلس كما قررها عراب الحرب والمخطط لها والمستفيد الأول منها العامل الجهوي، فخليفة حفتر لم تظهر عنده نزعة جهوية، ويقدم نفسه كزعيم قومي وحدوي مركزي، وهذا بعض ما يفسر تعلقه بالعاصمة وعدم اكتراثه ببنغازي والشرق عموما، إلا بالقدر الذي يحقق له الغاية الكبرى.

غير أن هذا لا يعني أن حفتر لن يلجأ للجهوية براغماتيا، وذلك إذا كان في توظيفها ما يخدم الهدف الكبير وهو الدخول لطرابلس كمحررا ومنقذ وبالتالي حاكما مطلقا، وربما يكون هذا سبب تجاوزه جزئيا عن الأصوات التي تحدثت بنزعة جهوية.

ولأن اعتماد حفتر كبير على القوة المجتمعة من مناطق عدة في الغرب الليبي في خطته للدخول للعاصمة، فلن يكون من الحكمة أن يرفع شعارات جهوية أو يتحدث عن المظالم التي وقعت على برقة جراء استئثار "طرابلس" بالسلطة والثروة.

هل هناك باعث جهوي خلف الحرب؟

الصوت الجهوي الذي ارتفع في الشرق وكان له أصداء في الغرب يتفرع إلى قسمين: الأول صوت عسكريين أو مدنيين التحقوا بالقتال وتحدثوا بسخرية عن طرابلس وسكانها، وهؤلاء لا يحركهم بالأساس العامل الجهوي ببعده السياسي، فالدافع أقرب إلى أن يكون خلافات الحضر والبدو اجتماعيا أو الشرق والغرب بالعموم، وربما يتحدثون بمفهوم مغلوط عن شباب العاصمة، وأنهم لم يقوموا بما يلزم لتمكين الجيش من مدينتهم بل آثروا الخضوع للمليشيات حسب تعبيرهم.
 
القسم الثاني هو الصوت الذي مصدره بعض من يحسبون على النخبة أو ممن يتصدرون المشهد السياسي، وهؤلاء في الغالب أصحاب مشروع سياسي جهوي، ورأوا في الحرب على طرابلس ومشاركة أعداد كبيرة من سكان الشرق الليبي فيها ما يعزز موقفهم السياسي، دون أن يكون في مقالتهم ما يفسر الحالة تفسيرا علميا دقيقا ويضع الأمور في نصابها الصحيح.

 

تم وأد المشروع السياسي الجهوي الذي هيمن على النفط بحجة أنه ثروة البرقاويين على يد حفتر بقوات جميعها أو أغلبها "برقاوية"


فالقول إن كل من امتشق سلاحا من "برقة" وصار في ركب الأرتال المتجهة إلى طرابلس يحركه الضيم ويستنهضه التهميش واستئثار الطرابلسيين بثروات البلاد وحرمان أهل برقة منها لا دليل عليه ويحتاج إثباته إلى بحث ميداني لتصديق هذا التعميم الواسع والإطلاق الخطير.

من جهة ثانية، كان الأولى بهؤلاء الذين يحركهم نزوع جهوي أن يسيطروا على مصادر الثروة القريبة وهي آبار البترول وموانئه، بدل أن يتحركوا ألف كيلومتر غربا ليقعوا في ما هو محظور عرفا وفق التفكير الجهوي.

ونذكر أن حقول النفط وموانئه تم الهيمنة عليها لسنوات عدة وفق مشروع جهوي صار له مكتب سياسي وحكومة تنفيذية وانهار سريعا، فلماذا يترك هؤلاء الثروة وهي في متناول أيديهم ويخالفوا العرف ويتورطوا في حرب كبيرة ونتائجها خطيرة عليهم قبل غيرهم إن كانوا فعلا أسرى فكرة الحرمان من الحقوق الاقتصادية بسبب هيمنة إقليم آخر على ثروات البلاد؟!.

أنصار حفتر ليسوا جهويين

وننوه هنا إلى أنه تم وأد المشروع السياسي الجهوي الذي هيمن على النفط بحجة أنه ثروة البرقاويين على يد حفتر بقوات جميعها أو أغلبها "برقاوية"، فهل منطقي أن يقال بأن من شاركوا في وأد المشروع الجهوي في داخل برقة أتوا اليوم لطرابلس تحركهم دوافع جهوية؟؟!!

وبعبارة أخرى، هل يمكن أن يكون الدافع وراء تحرك هؤلاء نزوع جهوي وهم منضوون تحت سلطان حفتر الرافض للجهوية؟ وهل يعتقد هؤلاء، إن كان دافعهم فعلا جهويا، أن المشير المقدس عندهم سيسمح بمنطلقات جهوية، وهو الذي منع الحراك الجهوي من أن يمارس بعض ما يمكن أن يكون حقوقا سياسية ومدنية في بنغازي ومناطق الشرق لنقول بأن الجيش العرمرم القادم من الشرق تحركه نوازع جهوية؟

مفارقة غريبة

ونسأل أيضا، أليس الأولى لهؤلاء أن يوفروا على أنفسهم مشقة السفر الطويل والحرب الضروس ويتجهوا صوب حكومتهم المؤقتة بالبيضاء ويطالبوها بحقوقهم، فأن ترفض الاعتراف بحكومة الوفاق وتعتبر التعامل معها جريمة، وتصر على حكومتك في الشرق كممثل وحيد للسلطة التنفيذية، ثم تتحرك للإطاحة بحكومة الوفاق لأن تعليمها يبتعث آلاف الطلاب من مناطق الغرب فقط، فهذا ما لا يقبله عاقل.

الجامعات في الشرق لا تتعامل مع حكومة الوفاق وتعتبرها غير شرعية ونسمع هذا الوصف على ألسنة متنفذين فيها، والحكومة المؤقتة تجرم التعاون مع حكومة الوفاق، وهناك وزير للتعليم في المؤقتة، فهل يقبل أن نقول بأن تعليم الوفاق جهوي وأفعاله تدفع البرقاويين لمهاجمة طرابلس؟؟!!

وينطبق هذا على سائر القطاعات الحيوية من صحة ومرافق وكهرباء... إلخ، ويعلم من يقولون بأن التحاق أعداد كبيرة من سكان الشرق بحملة الهجوم على طرابلس سببه المظالم أن قدرا أساسيا مما يقع اليوم من حرمان إنما يعود إلى الانقسام وإلى الفشل في التوافق ودعمهم حفتر في مساره الذي عرقل الوفاق وحال دون مجرد التنسيق للحصول على الحقوق الاقتصادية وغيرها.

التعليقات (1)
الله المستعان
السبت، 11-05-2019 04:55 م
شكرا على مقالكم، لو عاد إبن خلدون رحمه الله إلى الحياة لا قال إني لم أترك الدنيا إلا يوما واحدا! لاشيء تغير! وقود حضارتنا هي الوحدة و نبذ الفرقة، أعان الله الناس على فهم الإسلام الصحيح.