بورتريه

"الملك زاد" يفاوض "طالبان" على وقع "متلازمة فيتنام" (بورتريه)

زلماي خليل زاد- عربي21
زلماي خليل زاد- عربي21

كثيرا ما يوصف في وسائل الإعلام الغربية بأنه "الرجل الذي أضاع أفغانستان".


كان أحد خيارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمنصب وزير الخارجية لكنه عدل عن رأيه وفضل تعيين ريكس تيلرسون وكان قرارا ندم عليه فيما بعد.


يقود "مفاوضات سلام" بطيئة وتسير مثل بطة عرجاء بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، مع توقعات بأن هذه المفاوضات لن ينتج عنها إنهاء للحرب في أفغانستان وتسليم "طالبان" لأسلحتها.


اختاره وزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو في مهمة المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان تحت ضغط من ترامب نفسه للتوصل إلى "صفقة" تنتهي بانسحاب سريع للقوات الأمريكية من أفغانستان.


يتولى زلماي خليل زاد، المولود في عام 1951 في مدينة مزار شريف في أفغانستان، لأب عمل موظفا حكوميا في أفغانستان تحت حكم الملك محمد ظاهر شاه، مهمة مضطربة ومحفوفة برسائل مختلطة من ترامب المتقلب باستمرار، ففي أقل من شهرين، أعلن ترامب أنه سيزيد عدد القوات الأمريكية في أفغانستان ليقوموا بتدريب الجيش الأفغاني، لكنه بعد أقل من أربعة أشهر عاد وأعلن بشكل مفاجئ بأنه يريد نصف الوجود العسكري في أفغانستان، وأصدر أوامره في الصيف الماضي لخليل زاد بالتفاوض فقط مع " طالبان"، بعد أن كان شرط أمريكا سابقا إشراك الحكومة الأفغانية في المفاوضات.


حالة الإرباك الذهني التي يؤثر بها ترامب على العاملين معه يصفها الصحافي مايكل هيرش في مجلة "فورين بوليسي" بقوله إن خليل زاد نفسه "قد لا يعلم كم من المساحة سيمنحه ترامب للثبات على شروط المفاوضات"، مع وجود ضغط من البيت الأبيض بالانسحاب من البلاد قريبا.


ويؤكد المبعوث الأمريكي لأفغانستان جيمس دوبينس، الذي كان يرأس خليل زاد في أواخر عام 2001، عندما تم عقد مؤتمر بون وإنشاء حكومة كابول، أن خليل زاد "لا يعلم ماذا سيفعل ترامب"، ويوضح: "لقد كان يفاوض عندما أعلن ترامب عن سحب نصف الجيش، وصدم بذلك كأي شخص آخر".


اتفاق الإطار العام في مفاوضات الدوحة بقطر، أثار المخاوف من أن أمريكا متعجلة للخروج، ومستعدة للتخلي عن دعم الحكومة الأفغانية والجيش الأفغاني، في وقت أثبتت فيه حركة طالبان أنها قوية في الميدان، لكن بالنسبة لمن راقبوا الشأن الأفغاني لمدة طويلة فإن أي اتفاق أقل من "اتفاق سلام رسمي" بين "طالبان" وكابول سيكون في الواقع استسلاما أمريكيا ورفعا للراية البيضاء أمام "طالبان".


السفير الأمريكي السابق لأفغانستان ريان كروكر يشخص الحالة على النحو التالي: "إن انسحبنا كما نقول خلال 18 شهرا، فإن ما ستراه هو تحرك حركة طالبان للسيطرة على البلد.. لقد رأينا ذلك سابقا في مؤتمر باريس للسلام مع فيتنام".


يعرف خليل زاد، الذي ينتمي إلى قبيلة البشتون الأفغانية المسلمة، كل تعقيدات المشهد الأفغاني بحكم أنه ابن المنطقة، فهو مهاجر إلى الولايات المتحدة كطالب مدرسة ثانوية، ولكن سرعان ما ذهب إلى الجامعة الأمريكية في بيروت وحصل على شهادة التخرج من هناك، ودرس في جامعة شيكاغو حيث حصل على شهادة الدكتوراه.


عمل خليل زاد مديرا في شركة النفط الأمريكية "يونوكال"، ثم في وظائف في وزارتي الخارجية والدفاع في عهد الرئيسين رونالد ريغان وجورج بوش الأب.


وفي عهد الرئيس جورج بوش الابن شغل منصبا في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض الذي رأسته في ذلك الوقت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية السابقة، وتخصص في شؤون منطقتي الخليج وآسيا الوسطى.


تتلمذ زاد سياسيا على يد نائب الرئيس الأمريكي رتشارد (ديك) تشيني الذي كان وزيرا للدفاع أثناء عمل خليل زاد فيها. وقبل عمله سفيرا لواشنطن في العراق كان خليل زاده سفيرا أمريكيا في أفغانستان، بلده الأصلي، وهناك أسهم في إرساء هيكل الحكومة وأشرف على جهود إعادة الإعمار وعلى أول انتخابات رئاسية.


وقبل غزو العراق في عام 2003 كان زاد، الذي يعرف في أوساط الحكومة في وشنطن باسم "كينغ زاد" أو "الملك زاد"، مبعوثا أمريكيا إلى من سموا في ذلك الوقت بـ"العراقيين الأحرار"، في إشارة إلى "المعارضة" العراقية في المنفى. وهو أيضا زميل مدرسة مع الرئيس الأفغاني الحالي أشرف غني.


يؤمن زاد بالقوة الأمريكية، وله علاقات قوية بـ"المحافظين الجدد" منذ أيام دراسته للدكتوراه مع بول وولفويتز (الذئب)، وتحت رعاية ألبيرت وهلستيتر، الذي يحسب على كبار "الصقور"، وكان يسخر من نظرية "الردع"، ويدعو إلى بناء ترسانة أسلحة كبيرة خلال الحرب الباردة.


وكونه مساعدا لوولفويتز، الذي كان مساعد وزير الدفاع في عام 1992، فإن زاد كان الشخص الرئيسي الذي وضع عقيدة وولفويتز، التي أعلنت أن السياسة الأمريكية يجب أن تمنع بروز أي دولة منافسة للقوة العظمى الوحيدة، وخدم زاد تحت إمرة وولفويتز خلال وبعد حرب الخليج الأولى، عندما ظن الاستراتيجيون أنهم "قضوا على متلازمة فيتنام مرة واحدة وللأبد"، كما قال الرئيس جورج بوش الأب بعد انسحاب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من الكويت.


خليل زاد كان مشاركا قريبا منذ الأيام الأولى للتدخل الأمريكي في أفغانستان، ويعود ذلك لإدارة ريغان، وكان يعرف نتائج الانسحاب الأول من أفغانستان عندما أدار بوش الأب ظهره عام 1989، بعد أن أجبر المجاهدون روسيا على الانسحاب من أفغانستان، تاركا البلد لحركة طالبان، ولتنظيم "القاعدة".


وعندما غزت أمريكا أفغانستان، بعد أكثر من عقد على أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، أسقطت نظام حكم "طالبان"، بتهمة إيوائه تنظيم "القاعدة"، لم يكن هناك ما أزعج زاد أكثر من قرار وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ترك قوة عسكرية صغيرة كقوة مراقبة هناك وسحب باقي القوات.


رامسفيلد لم يكن يعد غزو أفغانستان "حربا حقيقية"، وكان قد نقل عنه أنه قال إنه يريد التحول إلى العراق؛ لأنه "ليست هناك أي أهداف جيدة في أفغانستان، لكن هناك أهداف كثيرة جيدة في العراق".
وتشهد أفغانستان منذ سنين صراعا بين حركة طالبان من جهة، والقوات الحكومية والدولية بقيادة الولايات المتحدة من جهة أخرى، ما تسبب في سقوط آلاف الضحايا من المدنيين.


وبعد تسلم ترامب الإدارة الأمريكية وتنفيذا لوعد انتخابي وجد ترامب نفسه أمام قرار سحب قواته من أفغانستان، وهو ما تطالب به وتصر عليه "طالبان" كشرط أساسي للتوصل إلى سلام مع الحكومة الأفغانية.


خليل زاد يعي جيدا أن ما يجري ليس سباقا للطائرات الورقية أو سباقات "بوزكاشي" التقليدية للخيل في سهول شمال أفغانستان الشاسعة، ويعرف أن مهمته نوع من النحت في الصخر أمام رئيس متعجل ونزق يتصرف تماما كـ"رئيس عازب" لا يوجد حوله موظفون ومستشارون ووزراء.

التعليقات (0)