كتاب عربي 21

مخاطر التصعيد في إدلب

حسن أبو هنية
1300x600
1300x600

تشهد منطقة خفض التصعيد في أرياف إدلب وحماة وحلب، منذ 26 نيسان/ أبريل الماضي، تصعيدا عسكريا من قوات النظام وروسيا والمليشيات الإيرانية، تسببت في نزوح 243 ألف شخص، وزادت من موجه الهجرة نحو الشمال، وذلك بعد فشل الجولة الـ12 من محادثات "أستانة".

وقد جاءت الحملة العسكرية عقب الحديث عن تقارب أمريكي تركي. ورغم أن التصعيد أكثر شراسة من حملات سابقة، إلا أن سيناريو شن هجوم بري شامل على إدلب غير مرجح في الوقت الراهن، نظرا للكلفة العسكرية الباهظة، إلى جانب الكلفة الإنسانية المرتفعة، فضلا عن الكلفة السياسية الهائلة. إذ لا تزال روسيا متمسكة بأولوية الحفاظ على علاقتها مع تركيا، وتفضل المضي قدما في مسار العملية السياسية في سوريا، والتقدم في تأسيس لجنة صياغة دستور جديد لسوريا. وأقصى ما تطمح إليه روسيا من الحملة الحالية خلال هذه المرحلة؛ الحصول على موطئ قدم في إدلب، مقابل السماح لتركيا بتعميق منطقة سيطرتها الحالية شرق الفرات، ومن شأن الهجوم الشامل إفشال العملية السياسية.

 

لا تزال روسيا متمسكة بأولوية الحفاظ على علاقتها مع تركيا، وتفضل المضي قدما في مسار العملية السياسية في سوريا، والتقدم في تأسيس لجنة صياغة دستور جديد لسوريا

لا جدال في أن تصعيد الحملة على إدلب يعكس التطورات التي شهدتها المنطقة، مع تنامي سياسة حافة الهاوية التي تتبعها إدارة الرئيس الأمريكي في التعامل مع إيران، وما ترتب عليها من إعادة بناء التحالف الأمريكي التركي، وخلق مزيد من الشكوك في العلاقة بين ثلاثي فريق "أستانا" (الروسي والتركي والإيراني)، والذي بموجبه تجنبت محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها الواقعة في شمال غرب سورياح هجوما عسكريا شاملا، حيث شكلت محافظة إدلب عقدة التفاهمات الدولية والإقليمية. إذ يقطن المعقل الأخير للمعارضة نحو ثلاثة ملايين نسمة، معظمهم مدنيون، وإذا أضيف إليها بقية مناطق المعارضة في شمال غرب سوريا، يصل عدد السكان إلى أربعة ملايين شخص، بحسب ما وثق فريق "منسقي الاستجابة"، ويعتمد ثلثاهم على المساعدات الإنسانية لمجرد البقاء على قيد الحياة.

تكمن مخاطر التصعيد شمال غرب سوريا كونها تستضيف آلاف المسلحين الجهاديين، إضافة إلى بعض أشد معارضي النظام السوري، وحسب تقرير لمجموعة الأزمات الدولية بعنوان "أفضل الخيارات السيئة لإدلب السورية". فقد أشارت روسيا والنظام السوري إلى أنهما لن يسمحا باستمرار الوضع الراهن في إدلب، وأنهما حريصان على استعادة دمشق للمنطقة في أقرب فرصة ممكنة. لكن هجوما للنظام مدعوما من روسيا سيحدث كارثة إنسانية، ويخرج أعدادا كبيرة من اللاجئين بشكل يؤدي إلى زعزعة استقرار تركيا المجاورة، ويبعثر مسلحين قد يحدثون فوضى عارمة عالميا. بدلا من ذلك، ينبغي على تركيا وروسيا أن تؤكدا التزامهما بوقف إطلاق النار الذي ضمنتاه بشكل مشترك في إدلب. وينبغي أن تظهر تركيا أنها تحرز المزيد من التقدم في تنفيذ بنود الاتفاق، بما في ذلك تعزيز وجودها العسكري وتوسيع نطاق دورياتها داخل إدلب، لمنع وقوع انتهاكات لوقف إطلاق النار وإعادة فتح الطرق السريعة أمام التجارة.

 

لا تزال دينامية "أستانا" أفضل الخيارات الممكنة. فمنذ أيلول/ سبتمبر 2017، ساعد وقف جزئي لإطلاق النار بموجب اتفاق "خفض التصعيد" بين تركيا وإيران وروسيا في حماية إدلب

لا تزال دينامية "أستانا" أفضل الخيارات الممكنة. فمنذ أيلول/ سبتمبر 2017، ساعد وقف جزئي لإطلاق النار بموجب اتفاق "خفض التصعيد" بين تركيا وإيران وروسيا في حماية إدلب، كما ومنع اتفاق "سوتشي" الذي تم التوصل إليه في أيلول/ سبتمبر 2018 بين تركيا وروسيا؛ ما كان يبدو هجوما وشيكا للنظام وعزز الاتفاق السابق، حسب سام هيلر. لكن أحد بنود اتفاق "خفض التصعيد" الأصلي ألزم جميع الأطراف بعزل ومحاربة التنظيمات الجهادية، كما أن اتفاق سوتشي حدد إجراءات إضافية لتطهير منطقة خفض التصعيد داخل إدلب من "التنظيمات الإرهابية المتطرفة"، حيث يقع عبء تنفيذ اتفاق سوتشي بشكل رئيسي على تركيا، التي قصّرت حتى الآن في الوفاء بمسؤولياتها، كما يقول النظام وحلفاؤه، حيث تصاعدت الهجمات المتبادلة بين مسلحي إدلب وقوات النظام. ورغم تسيير دورية تركية في المنطقة منزوعة السلاح في 8 آذار/ مارس الماضي يشكل تقدما كبيرا، لكن اتفاق سوتشي يتطلب المزيد من النقاش والتكيف مع التطورات المتلاحقة.

تشكل التقاطعات الإقليمية والدولية مشهد التصعيد في إدلب وشمال غرب سوريا. فقد تواترت الرواية الأمريكية عن وصول مسار أستانا إلى طريق مسدود، في ظل تحول العلاقات بين الأطراف الفاعلة في الشأن السوري. فقد صرح المبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري؛ بأن مسار أستانا قد فشل، وأن على الضامنين الذهاب إلى جنيف للتحدث مع الأمم المتحدة بدلا من عقد اللقاءات في وسط آسيا. وتعكس التصريحات الأمريكية نوعا من التقارب التركي- الأمريكي، وسط تفاؤل حول الاتفاق على ملف شرق الفرات، الذي أصبحت ترتيباته شبه مكتملة، بالاتفاق على بقاء القوات الأمريكية في المنطقة، وتنامي الحديث عن قبول واشنطن دخول قوات تركية إلى شرق الفرات. ولذلك، جاء التصعيد لممارسة مزيد من الضغوطات الروسية على تركيا، في محاولة قطع الطريق على التقارب بين واشنطن وأنقرة، وفرض واقع جديد يمهد لتفاهمات حديدة.

في هذا السياق، يعاد إنتاج المخاطر في إدلب عبر بوابة خطر "الإرهاب". فقد هيمنت المسألة الإرهابوية على اجتماع مجلس الأمن في 17 مايو/ أيارالماضي، حيث بحثت الجلسة الطارئة لمجلس الأمن الدولي تصاعد حدة الغارات في شمال غرب سوريا، بسبب تصعيد النظام السوري وروسيا والقوات الموالية للنظام التابعة لإيران ضد مناطق المعارضة.

وقالت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، روز ماري ديكارلو: "إذا استمر الوضع الحالي في إدلب، فسنواجه تداعيات كارثية تهدد السلم والأمن الدوليين".

 

سوف تستمر إدارة اللعبة الاستراتيجية بين القوى الدولية والإقليمية من خلال مدخل "الحرب على الإرهاب"

وقال مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، إن تنظيم "هيئة تحرير الشام يستغل عدم التزام النظام التركي بتعهداته بموجب اتفاق خفض التصعيد وتفاهمات أستانا وسوتشي، لفرض سيطرته على محافظة إدلب، وخلق بؤرة إرهابية تبتز الدولة السورية". ومن جهته، قال ممثل روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا: "هدفنا هو القضاء على الإرهاب"، بينما أشار المندوب التركي سينيرلي أوغلو إلى استهداف نقطة مراقبة تابعة للجيش التركي في 4 أيار/ مايو الحالي، وإصابة جنديين جراء ذلك، مؤكدا أن مثل هذه الأعمال لا يمكن أن تصبح مشروعة باسم مكافحة الإرهاب. وأضاف: "يجب عدم التضحية بالأبرياء تحت مسمى مكافحة الإرهاب، فهذا الوضع يخلق بؤرا إرهابية وتطرفا".

سوف تستمر إدارة اللعبة الاستراتيجية بين القوى الدولية والإقليمية من خلال مدخل "الحرب على الإرهاب"، فرغم أن هيئة تحرير الشام، وهي النسخة الأحدث لجبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، الفصيل المسلح الأكثر أهمية، قد دخل في تكيفات محلية، وكشف عن نزعة براغماتية شديدة، لكنه لم ينجح في تجنب وصمة الإرهاب، وهو يفرض سيطرته المطلقة على إدلب منذ بداية 2018، وعزز من هيمنته على كل منطقة إدلب في كانون الثاني/ يناير 2019. وقد دخلت هيئة تحرير الشام في تسويات مع تركيا.

ويدرك الجميع أن عقدة إدلب لا يمكن أن تحل دون تفاهمات تركية روسية، وقد بحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر اتصال هاتفي الاثنين الماضي، آخر المستجدات في محافظة إدلب السورية. وحسب سلسلة تغريدات لرئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، فإن "أردوغان وبوتين بحثا العلاقات الثنائية وآخر المستجدات في إدلب السورية، وأكدا التزامهما بتفاهم سوتشي"، وبيّن أن أردوغان شدد على أنه لا يمكن إيضاح استهداف قوات النظام المدنيين والمدارس والمستشفيات، وتدميرها؛ بذريعة مكافحة الإرهاب. وأكد أردوغان أن النظام السوري يهدف إلى تخريب التعاون التركي الروسي في إدلب، والإضرار بروح مسار أستانة، وشدد على أن التوتر في إدلب يهدد تأسيس لجنة لصياغة دستور جديد لسوريا، ومن شأنه إفشال العملية السياسية، وأعلنت وزارة الدفاع التركية السبت الماضي، عن مباحثات مشتركة مع روسيا لمناقشة التصعيد العسكري الميداني الأخير للنظام السوري وحلفائه في الشمال السوري. ولكن وفقا لمواقع معارضة، فإن روسيا اشترطت على تركيا من أجل وقف إطلاق النار، احتفاظ النظام السوري بالمناطق التي سيطر عليها خلال التصعيد الأخير الذي بدأه منذ أواخر نيسان/ أبريل الماضي.

 

من المبكر الحديث عن حملة شاملة على إدلب، رغم أن الأساس النظري للحملة الشاملة تضمنته تفاهمات أستانا وسوتشي، بالالتزام بالتخلص من الحركات الموسومة بالإرهابية دون تمييز بين نهجين جهاديين

لا يزال من المبكر الحديث عن حملة شاملة على إدلب، رغم أن الأساس النظري للحملة الشاملة تضمنته تفاهمات أستانا وسوتشي، بالالتزام بالتخلص من الحركات الموسومة بالإرهابية دون تمييز بين نهجين جهاديين، أحدهما محلي براغماتي تقوده هيئة "تحرير الشام"، وثانيهما عالمي راديكالي تمثله جماعة "حراس الدين".

ورغم وجود خلافات أيديولوجية ومنافسات استراتيجية بين مكونات الحالة الجهادية في شمال غرب سوريا، لكنها لا تتجه نحو الصدام، ذلك أن المواجهة العسكرية بين الجماعات الجهادية ترتبط غالبا بمواضعات وأجندة دولية، وذلك يتطلب صفقة مع أحد الأطراف، وهذا ما يزال بعيدا رغم سعي هيئة "تحرير الشام" لتقديم نفسها كقوة سياسية، بعد أن فرضت نفسها كقوة قتالية، وهي مسألة يحاول الأتراك تسويقها على روسيا التي تصر على عودة إدلب وبقية المناطق للسيادة السورية سلما أو حربا، فاتفاق سوتشي أجّل مسألة الحرب ولم يلغها تماما.

من المبكر الحديث عن صفقة نهائية تتخلى فيها أنقرة عن إدلب مقابل شرق الفرات، ولا تبدو نظرية تفعيل اتفاقية "أضنة" مع النظام السوري مقنعة، ومن الصعب تضمين الدستور المقترح وضعية خاصة بإدلب، ومع ذلك تسارعت خطوات هيئة تحرير الشام بطرح نفسها كقوة سياسية عسكرية براغماتية، قادرة على التحكم بقرار الحرب والسلم في إدلب، ولجم الفصائل الجهادية المحلية والعالمية، وهو مشروع لا يخرج عن تصورات تركية مرحلية بإعادة تأهيل الهيئة كقوة سياسية عسكرية معتدلة.

وقد قدمت هيئة "تحرير الشام" جملة من الاقتراحات لتعزيز موقفها وإظهار اعتدالها وبراغماتيتها، حيث طرحت تشكيل مجلس عسكري مشترك أو غرفة عمليات واسعة تجمع كافة التشكيلات المسلحة في إدلب ومحيطها، بما فيها التنظيمات الجهادية، وتتبع جميعها لإدارة موحدة، تشبه "وزارة حرب" تتبع شكليا لـ"حكومة الإنقاذ" التي تسيطر عليها الهيئة، مع فصل الإدارتين العسكرية والمدنية، والعمل على تطبيق اتفاق "سوتشي"، خاصة في ما يتعلق بفتح الطرق الدولية.

في الوقت الراهن تتحكم هيئة "تحرير الشام" في مشهد إدلب، وتتحكم في بقية الفصائل الجهادية العالمية العابرة للحدود المتمركزة في إدلب وشمال غرب سوريا، والمكونة من المقاتلين الأجانب (المهاجرين)، وقد توصلت إلى تفاهمات مع جماعة "حراس الدين"، ونجحت في نسج علاقات متوازنة مع الحزب الإسلامي (التركستاني)، وكتيبة التوحيد والجهاد (الأوزبك)، وجيش المهاجرين والأنصار (القوقاز)، وكتيبة الألبان، وحركة المهاجرين السنة من إيران.

خلاصة القول، أن الحملة على إدلب وشمال غرب سوريا جاءت على خلفية التطورات الدولية والإقليمية، ومحاولة إعادة بناء التحالفات. فقد بات واضحا أن الولايات المتحدة لن تنسحب من سوريا في المدى المنظور، وهي تعمل على تحقيق تقارب مع تركيا في ملفات عدة. وقد بات واضحا أن دينامية أستانا- سوتشي، رغم أنها أفضل الخيارات الممكنة لإدلب، قد وصلت إلى طريق مسدود. ولا شك في أن روسيا تعمل على عدم خسارة الشريك التركي، لكنها تسعى إلى فرض وقائع جديدة تفضي إلى تفاهمات جذرية، حيث تبعث روسيا مع حلفائها الإيرانيين وقوات النظام؛ برسالة خشنة بخلط الأوراق الدولية والإقليمية، عبر مداخل خطر اللاجئين، ومخاطر بعثرة الجهاديين ودفعهم إلى مزيد من "الردكلة" والتطرف.

التعليقات (1)
scrutinized jordan
الإثنين، 20-05-2019 05:39 ص
على الجميع ان يعرف ان ايران الشيعية وروسيا بوتين المجرم والعلويين اين ما كانوا هم مجرمي حرب قتله واعداء لدودين لامة العرب ويجب محاربتهم حتى النهايه ودحرهم واهانتهم.