مقالات مختارة

على الأردن أن ينأى بنفسه

حسن البراري
1300x600
1300x600

هكذا وبجرة قلم تتخلى صاحبة مبادرة السلام العربية عن القضية الفلسطينية وتوافق بل وتتصدى لتصفية القضية الفلسطينية في ورشة عمل البحرين، فلولا الموقف السعودي والتوافق بين وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وصهر الرئيس الأمريكي ما كان بالإمكان تنظيم ورشة عمل بل لنقل مزاد شرعنة الاحتلال الإسرائيلي البغيض. للتذكير استندت مبادرة السلام العربية - التي كانت بالأصل مبادرة سعودية بامتياز رسمها عبدالله بن عبدالعزيز بنصيحة من توماس فريدمان - إلى معادلة إقامة دولة فلسطينية مقابل التطبيع.

وبتنظيم ورشة العمل بالبحرين ينتصر اليمين الإسرائيلي على هذه الدول العربية التي هرولت لكسب رضا تل أبيب كما يظهر في الفترة الأخيرة. وفي نفس السياق تمكن كوشنر من اللعب على مخاوف هذه الدول وحاجتها للولايات المتحدة لدفعها إلى التقارب مع إسرائيل والموافقة على مؤتمر اقتصادي نعرف جيدا بأنه يسعى للحصول على أموال سعودية وإماراتية لتغطية تكفين القضية الفلسطينية مرة وللأبد.

ما من شك أن ورشة البحرين تأتي في سياق التمهيد لاكتساب الشرعية لصفقة القرن سيئة الصيت. لن ادخل في تفاصيل الخطة الأمريكية - وأنصح هنا بقراءة تقرير هام نشره مركز بروكينغز قبل يومين ينتقد المقاربة الأمريكية - لكن سأتوقف عند أخطار هذا المؤتمر على الأردن. أولا، يأتي هذا المؤتمر بعد أن رفضت أمريكا اطلاع الأردن على الشق السياسي من صفقة القرن وهو أمر اشتكى منه الملك عبدالله بمرارة في اكثر من لقاء. وكأن الأردن في جيب الأمريكان، هكذا تصرف كوشنر وغرينبلات. ثانيا، المؤتمر ليس موجها للأردن بل للسعودية والإمارات اللتين ستتكفلان بالكلفة الاقتصادية لخطة صفقة القرن، فلماذا يشارك الأردن في مؤتمر من هذا النوع، والأفضل أن ينأى الأردن بنفسه جانبا عن هذا المخاض العسير.

ثالثا، في حال رفض النظام الأردني المشاركة بالمؤتمر يمكن له أن يتصالح مع شعبه ويتماهى معه في موقف لا يحتمل التأويل، فالمشاركة تعني المباركة لهذه الجهود وحتى وإن ألبست لبوس المشاركة فقط كما يذهب إلى ذلك بعض السذج الذين يطالبون الأردن ألا يكون غائبا حتى لا يكون الحل على حسابه! المعذرة الحل سيكون على حساب الأردن ! الأهم أن مشاركة الأردن ستنسف لاءات الملك الثلاث ولن يستمع إلينا العالم في قادم الأيام، فهناك من يقول إن القوم في السر غير القوم في العلن وربما جاء الوقت لتقطع جهيزة قول كل خطيب. لاءات الملك الثلاث التي يتماهى معها الأردنيون ينبغي أن تشكل بوصلة التحرك الأردني وبخاصة في مواجهة الحلفاء. التراجع عن هذه اللاءات تحت أي مسوغ سيفاقم من فجوة الثقة بين المواطن والدولة.

صحيح أن الأردنيين والفلسطينيين يعانون من انكشاف استراتيجي كبير، إلا أن هذا الضعف يمكن أن يتحول إلى نقطة قوة في حال رفض الصفقة والمؤتمر معا. بمعنى نستطيع إفشال الخطة وهذا يتطلب حكومة قوية ونخبا حاكمة من نوع مختلف، والحق أن النخب الحاكمة تم إنتاجها في الفترة السابقة تمهيدا للتعامل مع تصفية القضية الفلسطينية. وربما يتعين على الملك عبدالله الثاني أن ينتبه إلى ضرورة تنظيف الحكومة من عناصر تستمع للإمارات والسعودية حتى لو لم يأت ذلك في سياق خدمة مصالح الأردن. وهي نخب امتهنت ثقافة الاستسهال وعدم القدرة على التفكير خارج الصندوق. لذلك عادة ما يقولون بأن ليس بإمكان الأردن معارضة داعميه، وشخصيا التقيت بشخصيات سياسية مرموقة متشربة ثقافة الانهزامية، وهو موقف يتعارض تماما مع موقف الشارع الأردني الرافض لصفقة القرن ولورشة البحرين الاقتصادية.

بكلمة، يحتاج الملك عبدالله التماهي مع شعبه مرة أخرى وسيكون لرفض المشاركة في ورشة البحرين الأثر المطلوب، فلا مصلحة للأردن من الانضواء تحت لواء دول التفريط العربي التي لا تمانع من التضحية بالقضية الفلسطينية مقابل أهداف خاصة بها.

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)