كتب

الجماعة الإسلامية بمصر.. من ساحات الصدام إلى منابر السياسة (3-3)

سعت قيادات الجماعة الإسلامية في تسعينيات القرن الماضي لوقف تيار العنف في مصر ووقف نزيف الدماء- عربي21
سعت قيادات الجماعة الإسلامية في تسعينيات القرن الماضي لوقف تيار العنف في مصر ووقف نزيف الدماء- عربي21

الكتاب: تجربة مراجعات الجماعة الإسلامية بمصر.. من ساحات الصدام إلى منابر السياسة
المؤلف: طارق الزمر ونخبة من قادة حزب البناء والتنمية
الناشر: مركز حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية 
تاريخ الإصدار: آذار/ مارس 2019
عدد الصفحات: 152

 

تؤكد الجماعة الإسلامية بمصر، وفقا لكتاب "تجربة مراجعات الجماعة الإسلامية بمصر"، الصادر مؤخرا عن مركز حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنها ذات طابع محلي بحت، ولا علاقة لها بالتنظيمات الخارجية سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، ولا يربطها أي روابط تنظيمية بغيرها من الجماعات أو التكتلات في أي منطقة بالعالم.

وتقول الجماعة، إنها لبنة من لبنات المجتمع المصري، تسعى لتماسكه، وتعمل على وحدة مكوناته، وتحافظ على الوحدة الوطنية.

إنشاء حزب سياسي

سعت قيادات الجماعة في تسعينيات القرن الماضي لوقف تيار العنف في مصر ووقف نزيف الدماء، فمن مبادرة الشيخ محمد متولي الشعراوي في بداية التسعينات، إلى تداخلات الدكتور محمد سليم العوا في منتصف التسعينات، وانتهاءً بمبادرة وقف العنف في نهاية التسعينات، كلها محطات خاضتها القيادات التاريخية للجماعة لوقف العنف.


ثم شاركت الجماعة في التحول الأكبر في تاريخ مصر في ثورة الخامس والعشرين من يناير، وهي المرحلة التي أثبتت فيها الجماعة بشكل عملي قناعاتها التامة بمبادرة وقف العنف، إذ وقفت الجماعة في مفترق طرق بين قناعاتها وماضيها دون رادع من جهاز أمني أو مانع من دولة، فقد كانت الدولة في حالة انهيار أمني، وكانت المنظومة الأمنية في أضعف حالاتها، وقد كانت كل الفرص متاحة لانتهاج العنف والانتقام دون كلفة أمنية.


وقد توافرت كل الحوافز للارتداد عن منطلقات المبادرة، وتوارت كل الموانع التي تحول بين الجماعة وبين الارتداد إلى حمل السلاح وتغليب روح التشفي والانتقام، وأثبتت الجماعة في هذا التوقيت أن قناعاتها بالمبادرة قناعات شرعية لا رجعة فيها، وأن ترك السلاح ونبذ العنف خطا استراتيجيا لا تراجع عنه.


ثم كان قرار الجماعة الإسلامية بتأسيس حزب البناء والتنمية، والجمعية الإسلامية لتنمية المجتمع، كنقلة نوعية أخرى، حيث التحول العملي من العمل السري إلى العمل الجماهيري العلني، ومن التنظيم المسلح إلى الحزب السياسي، ومن الإطار الهلامي إلى الإطار القانوني والدستوري.


إذ كانت خطوة إنشاء الحزب السياسي هي الثمرة العملية لمبادرة وقف العنف، ويمكن توصيف هذه المرحلة بالمرحلة الأهم في تاريخ تنظيم الجماعة الإسلامية، فبعد عشر سنوات من تفعيل مبادرة وقف العنف تتحول الجماعة إلى العمل السياسي المعلن، والذي أدَّى بدوره إلى حصول الجماعة على 15 مقعدا في البرلمان، ومقعدين في الشورى، كثالث حزب في مصر يحصل على أغلبية برلمانية.


وبحسب ما جاء في الكتاب، استطاع الحزب أن يقدم نموذجا حضاريا للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية؛ من حيث رقي الأداء، وتقديم صالح الوطن فوق كل الاعتبارات الأخرى، ومنذ تاريخ نشأة الحزب في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2011 ونجاحه في الأداء السياسي بكل مساراته من قبول الآخر، والاحتكام إلى الصناديق، والرضا بنتائجها، والاندماج الإيجابي في جسد الدولة، والتوافق على العمل الدستوري والقانوني تتحول الجماعة الإسلامية إلى حزب سياسي داخل المنظومة القانونية والدستورية للدولة.


وقد جمع حزب الجماعة الإسلامية 11 ألف توكيل من 20 محافظة من محافظات مصر من واقع 27 محافظة، وكان المطلوب هو تجميع خمسة آلاف توكيل من 10 محافظات على الأقل، وكان من ضمن توكيلات الحزب 1300 امرأة، و50 مسيحيا، وهذا العدد الكافي لإنشاء حزبين سياسيين سواء من حيث "عدد المحافظات أو التوكيلات"، وهو ما يعكس وفقا لمؤلفي الكتاب مدى القبول المجتمعي والانتشار الجغرافي لحزب البناء والتنمية.


الاندماج في الحياة السياسية 


خاض حزب البناء والتنمية الانتخابات البرلمانية عام 2011، مندمجا بذلك تحت المظلة القانونية والدستورية للدولة المصرية، في ظروف شديدة التعقيد، حيث قضت المحكمة الإدارية العليا بصحة تأسيس الحزب قبل يومين فقط من فتح أبواب الترشح للانتخابات البرلمانية.


ورغم ذلك تقدم الحزب باثنين وعشرين مرشحا نجح منهم 15 مرشحا أغلبهم على المقاعد الفردية، وهي أعلى نسبة نجاح إذا قورنت بنسبة المرشحين، وحصل مرشحو الحزب على 3 ملايين و600 ألف صوت انتخابي صحيح، من جملة 36 مليون صوت انتخابي، وهو ما يعادل عُشر عدد الناخبين.


انتقل الحزب والجماعة سريعا من مرحلة الوقوف تحت المظلة القانونية للدولة إلى مرحلة الاندماج المجتمعي والتأثير الإيجابي في الأحداث الجارية، بما يحقق تماسك المجتمع ووحدته، فسعت الجماعة الإسلامية وحزبها البناء والتنمية إلى إنهاء الأزمة بين القوى المدنية في مصر مع القوى الإسلامية حول تشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور.


وذلك بالتنازل عن المقعدين المخصصين لها ولحزب البناء والتنمية لصالح القوى المدنية عن طريق ترشيح شخصين غير مرتبطين بها تنظيميا، وفي ذلك أصدرت الجماعة بيانا أوضحت فيه رؤيتها المتعلقة بإعلاء صالح الوطن فوق كل الاعتبارات الأخرى، وكذلك أطلقت الجماعة الإسلامية والحزب مبادرة للحوار الوطني في العاشر من كانون الثاني/ يناير 2013.


حيث كانت المبادرة تدعو إلى حوار شامل موسع لكل القوى الوطنية، وتكون مخرجاته ملزمة للرئيس محمد مرسي على إثر الانقسام المجتمعي في نهايات عهده، وقدمت 6 محاور للنقاش وهي (المحور الاقتصادي– السياسي– الإعلامي– الأمني- العدالة الانتقالية– مشكلة المصريين بالخارج).


وعرضت الجماعة والحزب مشروعا متكاملا لحل أزمة سيناء وإنهاء حالة الاحتقان بها. كما عرض الحزب على الرئيس مرسي في 1 تموز/ يوليو 2013 القبول بالاستفتاء على الانتخابات الرئاسية المبكرة.


وفي يوم 5 تموز/ يوليو 2013 عرض حزب البناء والتنمية أول مبادرة سياسية لحل الأزمة قبل تفاقمها.

 

وجوهرها أن الانتقال إذا كان حتميا، فينبغي أن يكون عبر الصناديق، حفاظا على مكتسبات ثورة يناير.


ويرى الكتاب أن هذه المواقف مع غيرها عبّرت بشكل عملي على فكرة انتقال الجماعة الإسلامية من العمل السري إلى العمل العلني العام، ومن التنظيم المسلح إلى الحزب السياسي، وانتقلت من العمل خارج المنظومة القانونية للدولة إلى العمل تحت المظلة القانونية والدستورية لها، ومن رفض الدستور إلى احترامه، ومن مفردات الصدام وحتمية المواجهة إلى مفردات الحوار والاحتكام إلى الصناديق والرضا بإفرازاتها، ثم التحول إلى الاندماج الايجابي في المجتمع والتأثير فيه والتأثر به أخذا وإعطاء، في إطار العمل التعاوني والتكاملي لتحقيق رفعة المجتمع ونهضته.


كما تؤكد مبادرات الحزب – كما يقول الكتاب- أن اختياراته وبدائله لحل الأزمات تتمحور حول (الدعوة للحوار المجتمعي ـ احترام مخرجات الحوار ـ الاستفتاء على خارطة الطريق ـ صناديق الانتخابات)، وكلها اختيارات تخضع لاتفاقات ومواثيق الأمم المتحدة، كما تخضع للسلطة القانونية والدستورية للدول.


الوحدة الوطنية واحترام المواطنة


كان حزب البناء والتنمية طوال الوقت يقدم نموذجا يعكس قناعاته في ملف الوحدة الوطنية والأقباط؛ حيث سعى لتطبيق النموذج الإسلامي في التعامل الرشيد مع الأقليات، لا من حيث أنهم أقليات، ولكن من حيث كونهم مواطنون داخل الدولة المصرية لهم حقوق وعليهم واجبات.


ومن حيث كونهم جزء من نسيج الوطن لا يمكن إغفاله أو إهماله أو تجاهله، يساهمون في بناء الوطن ويشاركون في رسم مستقبله، فبينما كان المناخ العام مشبع بالاحتقان الطائفي في مصر اتخذ الحزب والجماعة جملة إجراءات لمواجهة الأزمة الطائفية ومنها إطلاق مبادرة "وطن واحد وعيش مشترك" لمد جسور التواصل مع الأقباط وتقوية الروابط بين أبناء الوطن الواحد.


كما تم إطلاق مبادرة الجماعة الإسلامية لترميم الكنائس والمساجد وأقسام الشرطة المحترقة، مع إدانة أي اعتداء على المسيحيين أو الكنائس، ورفض تهجير الأقباط من رفح، ومطالبة الدولة القيام بواجبها في حمايتهم، مؤكدين على الحق الكامل للمواطنين الأقباط في تداول تراثهم الديني والثقافي بكامل الحرية في ذلك، وأن الشريعة الإسلامية قد أقرت هذه الحقوق. وقد تدخلت الجماعة الإسلامية لحل النزاعات ذات البعد الطائفي في كل محافظات مصر تقريبا، حسبما يقول مؤلفو الكتاب.


كما استعرض الكتاب كلمات بعض الساسة والمفكرين وكلمات بعض قيادات الجماعة الإسلامية والحزب بشأن رؤيتهم لمبادرة نبذ العنف، والتي تبين مدى تمسك الجماعة الإسلامية وحزب البناء والتنمية بقواعد المبادرة، التي تأسست على الحفاظ على السلم المجتمعي والعمل تحت المظلة القانونية والدستورية للدولة.

 

إقرأ أيضا: تحولات الجماعة الإسلامية بمصر.. من العنف إلى السلمية (1-3)

 

إقرأ أيضا:  الجماعة الإسلامية بمصر.. من ساحات الصدام إلى منابر السياسة (2-3)

التعليقات (0)