قضايا وآراء

ثقافة العنف واللاعنف والعنف المضادّ!

جاسم الشمري
1300x600
1300x600
انتعشت "ثقافة العنف" في العراق بعد الاحتلال الأمريكيّ واندثار مفهوم الدولة، وكان لشيوع مشاهد القتل والدّم في الشوارع والحدائق والمنازل الأثر الأبرز في التعايش مع هذه الصور المأساويّة، وبالمحصّلة بروز "ثقافة العنف" المُتطفِّلة على المجتمع.

مطلع الأسبوع الحاليّ التقى الأكاديميّ العراقيّ عبد الحسين شعبان، نائب رئيس جامعة "اللّاعنف وحقوق الإنسان"، مع نقيب المحامين العراقيّين، وأكّد استعداد جامعته لفتح آفاق التعاون مع النقابة، وعقد دورات دبلوم للمحامين في "ثقافة اللّاعنف وحلّ الخلافات".

تأسّست "جامعة اللّاعنف" عام 2009 كمؤسّسة أكاديميّة مستقلّة، وتدرّس العديد من الاختصاصات، ومنها "ثقافة اللّاعنف، والأديان واللّاعنف، والقانون الدوليّ الإنسانيّ، والوساطة اللّاعنفيّة، والتربية اللّاطائفيّة، وعدم التمييز العنصريّ، وثقافة حقوق الإنسان"، وغيرها من العلوم الرامية لنشرّ ثقافة اللّاعنف في العالم.

حالة العراق اليوم عَطشى، وبحاجة ماسّة لمثل هذا النوع من العلوم والثقافات؛ لأنّها غائبة بشكل شبه مطلق عن المؤسّسات الرسميّة، وغالبيّة تعاملات المجتمع!

بواعث العنف في العراق ومنابعه عديدة، وأبرزها القوانين المطّاطيّة غير الواضحة، التي تّتهم الناس بالجُملة، وبالذات القوانين المتعلقة بشمّاعة الإرهاب! فضلاً عن سوء استخدام السلطات، والتعسّف في استخدام القانون، وتَسييس القانون، والتراخي مع الجماعات العاملة تحت مظلّة الحكومة، ومنها مليشيات الحشد الشعبيّ وغيرها من المنابع الضاربة للتعايش، والمستخفّة بالقانون.

العنف المتشعّب في العراق سواء عبر معظم الأجهزة الرسميّة، أو القوى الإرهابيّة المنتشرة في أكثريّة المحافظات، هذا العنف أوْجَده تراخي الحكومات المتعاقبة في التعامل مع قوى التخريب للنسيج المجتمعيّ تحت عباءة القانون، ويفترض على حكومة بغداد أن تلجم تلك المجاميع المَعْروفة عندها، وتنشّر ثقافة السلم والتعايش، وهذا لا يكون بالإعلام فقط وإنما بقوانين صارمة، وقوى أمنيّة قادرة على حفظ الأمن وتطبيق القانون ليكون هو الخيمة والحَكم، ورجال الأمن هم المطبّقون لفقراته.

وبمناسبة الحديث عن تطبيق القانون، ينبغي ذكر حالة الرائد "علي شياع المالكي" ضابط مكافحة المخدّرات في البصرة؛ الذي اُحتُجِزَ (وانقلب عليه القانون) بعد أن أكدّ للقضاء ولمراجعه العسكريّة أنّ أحد "رجال الدين المعمّمين" المدعومين من "قوى داخليّة وخارجيّة كبيرة" متورّط بتهريب مخدرات وملايين الدنانير الأجنبيّة إلى العراق، ومن ثمّ تهريبها لدولة مجاورة!

الضابط البصريّ وبعد تطبيقه للقانون، تمّ اعتقاله، وبعد شهرين من الاعتقال أُطلق سراحه بكفالة ماليّة، وهو اليوم مهدّد بالقتل من بعض المليشيات الحاكمة في الجنوب، ويُقال إنّه اعتقل ثانية يوم الأربعاء الماضي!

وسؤالنا هنا: إذا كان الضابط الحريص على سلامة وطنه ومستقبل أبنائه يُعتقل ويُهان ويُضرب لأنّه طبّق القانون، فما مصير الذين لا حول لهم ولا قوّة، والذين يفترض أن يكون القانون هو الخيمة الراعية لهم، وليس أيّ اعتبار آخر؟

الآثار النفسيّة والاقتصاديّة والبيئيّة والاجتماعيّة للعنف لا يمكن حصرها بسهولة، ولكن من أخطر تلك الآثار هي "ثقافة العنف المضادّ" كما في حالة الضابط المالكي وغيره، والذي قال (الأربعاء الماضي) إنّ عشيرته لا يمكن أن تترك دمه في حالة تمّ استهدافه من أفراد العشائر المؤيّدة لمليشيات واثق البطاط!

ولا ندري منْ يحمي الذين لا يملكون عشائر كبيرة حينما تتخاذل المنظومات الأمنيّة والقانونيّة والخُلقيّة؟

العنف وصل حتّى لألعاب الأطفال العراقيّين، وبالأمس قال مدير مستشفى ابن الهيثم للعيون ببغداد، عمار فؤاد، إنّ "المستشفى استقبل أكثر من 50 حالة إصابة جراء استخدام ألعاب الأطفال المحرّضة على العنف ذات الاطلاقات البلاستيكيّة والرصاص الصغير، وإنّ أغلب الإصابات خطيرة وفي منطقة العين"!

وهكذا، فإنّ ثقافة العنف انتشرت في أغلب مفاصل حياة العراقيّين، وحتّى في ألعاب أطفالهم!

شعور المواطنين بالانتماء للوطن، ويقينهم أنّ هنالك دولة مساندة لهم سيزيد من تكاتفهم جميعاً لتجفيف منابع العنف، والتأسيس لثقافة اللّاعنف عبر التطبيق العمليّ والتعايش المجتمعيّ، وليس بالدراسات والإعلام والخيال فحسب. وهذه الآمال لا تتحقّق إلاّ بحكومة قويّة تطبّق القانون وتحترم إنسانيّة الإنسان، وبغير ذلك فإنّ أشباح العنف والعنف المضادّ ستبقى الحاكم الأقوى في العراق!

وهذا ما لا نرجوه.
التعليقات (3)
سندس العبيدي
الإثنين، 24-06-2019 10:18 ص
انتهى شعور المواطن العراقي بانتمائه لهذا البلد بسبب مايراه من عنف ضد ابناء شعبه والطائفيه المقيته
شمس جاسم
الأحد، 23-06-2019 09:17 م
يستخدم العنف كوسيله لاخضاع الشعب لواقع لا يريده وهذا مايحصل في بلدي يستخدمون العنف بطرق مختلفه لكي يرضخ الشعب ويرضى بما يراه وهذا ماحصل فعلا سرقة وتدمير والشعب العراقي ساكت لا يحرك ساكن ..اما بالنسبة للاطفال لقد زرع العنف بداخلهم بسبب مايروه من افلام كارتون وما يحدث امامهم من قتل وارهاب والامل بالله في ان يتغير حال بلدي ليعيش شعبه بامان
ندى - المانيا
الأحد، 23-06-2019 07:30 م
مقالة جميلة ...برأي الانسان العراقي هو عنيف بطبعه وقاسي