قضايا وآراء

النزاع على الغاز في شرق المتوسط.. والمشكلة القبرصية

صفوت  حسين
1300x600
1300x600
في خطوة تعكس عزم وإصرار تركيا على المُضي قدما في التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط، قامت تركيا بإرسال سفينة "ياووز" (تحمل اسم السلطان ياوزز سليم الأول 1512-1520)، وهي السفينة الثانية التي ترسلُها تركيا للتنقيب عن النفط والغاز بعد سفينة "الفاتح"، للتنقيب أمام سواحل جمهورية شمال قُبرص التركية. وقد صرح وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي بأنه "لا يمكن للإدارة الرومية (اليونانية) أن تتخذ قرارا، أو حتى أن تكون لها كلمة، في أي شأن يعني الجزيرة برمتها".

وأوضح أردوغان أن إرسال سفينة ياووز إلى المتوسط يعتبر دليلا ملموسا على إصرار تركيا لحماية مصالحها في المنطقة. وقال: "أتمنى التوفيق لسفينة ياووز وطاقمها في مهامهم التاريخي، ولجمهورية شمال قبرص التركية حق في مصادر الطاقة بشرق المتوسط، كما لبقية الدول"، وأكد أن تركيا واحدة من الدول الثلاثة الضامنة لحقوق شمال قبرص التركية، النابعة من القوانين الدولية.

وتأتي الخطوة التركية رغم معارضة الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة واليونان وقبرص والكيان الصهيوني ومصر، والذين يعتبرون ما تقوم به تركيا من أعمال تنقيب مخالفة للقانون الدولي. وقد وصل الأمر بالاتحاد الأوروبي للتهديد برد مناسب على الخطوة التركية، خاصة أن قبرص عضو في الاتحاد الأوروبي، ولا يمكن فهم أبعاد الموقف إلا بالرجوع للجذور التاريخية للمشكلة القبرصية.

لقد تمكنت الدولة العثمانية من فتح قبرص عام1571، وكانت تخضع لجمهورية البندقية، وظلت تحت الحكم العثماني حتى عام 1878، عندما تم التنازل عنها لبريطانيا. فبعد هزيمة الدولة العثمانية أمام روسيا عام 1877، حيث فرضت على الدولة العثمانية معاهدة سان ستيفانو في آذار/ مارس 1878، وانتزعت الكثير من أملاك الدولة العثمانية. وقد رفضت بريطانيا المعاهدة التي كانت تشكل تهديدا للمصالح البريطانية، وتقرر عقد مؤتمر برلين عام 1878 للنظر في المعاهدة. وقبل المؤتمر، عقدت بريطانيا اتفاقا سريا تنازلت فيه الدولة العُثمانية لها عن إدارة قُبرص مع بقاء السيادة العُثمانية، مقابل وقوف بريطانيا مع الدولة العُثمانية ضد روسيا، وهو الأمر الذي لم يتحقق على أرض الواقع، حيث تخلت بريطانيا عن سياستها التي كانت تقوم على المحافظة على أملاك الدولة العُثمانية كحائط صد أمام المطامع الروسية.

وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى التي انضمت فيها الدولة العُثمانية الى جانب دول المحور (ألمانيا والنمسا والمجر)، أصبحت قبرص مستعمرة بريطانية. وقد ظهرت المُشكلة القبرصية مع توجه الأكثرية من القبارصة اليونانيين نحو الاستقلال والاتحاد مع اليونان. وشكل القبارصة اليونانيين منظمة "أيوكا" التي تزعمها الأسقف مكاريوس لتحقيق هذا الهدف، وتلقت الدعم من اليونان، ولجأت للقيام بأعمال عسكرية ضد الإنجليز، واندلعت المواجهات مع القبارصة الأتراك الذين أسسوا حركة "فولفان".

وفي عام 1960 منحت بريطانيا قبرص الاستقلال، بعد مفاوضات مضنية شاركت فيها تركيا واليونان. وقد نص الدستور القبرصي على ضمانات للقبارصة الأتراك، منها أن يكون هناك نائب للرئيس من القبارصة الأتراك، مع منحهم نسبة 30 في المئة في البرلمان والوزراء وغيرها من الوظائف العامة. كما وُقعت معاهدة ضمان من الدول الثلاث (بريطانيا وتركيا واليونان)، وهي المعاهدة التي أشار اليها أردوغان.

وقد تولى الأسقف مكاريوس رئاسة قبرص، وحاول تعديل الدستور والانتقاص من الحقوق التى حصل عليها القبارصة الأتراك، مما أدى الى اندلاع أعمال العنف، أدت في النهاية الى تدخل الجيش التركي في تموز/ يوليو 1974 بعد وقوع انقلاب عسكري في قبرص بتأييد ودعم المجلس العسكري في اليونان، لوضع حد لما يتعرض له القبارصة الأتراك، وطبقا لمعاهدة الضمان.

وتمكن الجيش التركي من السيطرة على شمال قبرص (حوالي 36 في المئة من مساحة الجزيرة). وفي عام 1983، أُعلن عن قيام جمهورية شمال قبرص التركية، وهي الجمهورية التي لا تعترف بها إلا تركيا فقط، بينما يعتبر المجتمع الدولي حكومة القبارصة اليونانيين هي الحكومة الشرعية، ويطالب تركيا بسحب قواتها من الجزيرة.

وقد جرت العديد من المفاوضات لتوحيد الجزيرة، ولكنها انتهت بالفشل نتيجة تعنت القبارصة اليونانيين، ولعل أقربها عام 2004 عندما عرضت خطة تمت بمشاركة الأمم المتحدة لتوحيد الجزيرة للاستفتاء، رفضها القبارصة اليونانيون بينما وافق عليها القبارصة الأتراك، ثم كانت المحاولة الأخيرة لتوحيد الجزيرة عام 2017 والتي قُوبلت برفض القبارصة اليونانيين.

هذه الخلفية التاريخية السريعة تُلقي الضوء على الموقف من مشكلة تنقيب تركيا عن الغاز حول قبرص، خاصة بعد ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان، فتركيا ترى أن التنقيب في شرق المتوسط يقع في الجرف القارّي لها، كما أن تنقيب قبرص اليونانية عن النفط والغاز يتجاهل حقوق القبارصة الأتراك، ومخالف للقانون الدولي طالما لم تُحل مشكلة قبرص.
التعليقات (0)