قضايا وآراء

دروس الانقلاب التي لم نتعلمها

ممدوح المنير
1300x600
1300x600
لم نستفد من دروس الانقلاب ولم نتعلم من التجربة، وفضلنا البكاء على الأطلال، أو العيش على الأماني الكاذبة التي تخدّر النفس وتريح الضمير، ولو إلى حين.

أول الدروس التي لم نتعلم منها هي:

لا تعطي فرصة لعدوك لتدميرك، فإما أن تواجهه بما تستطيع، أو أن تنسحب من معركة لست مؤهلا لها، واختيار وقت الانسحاب هو حكمة في حد ذاته، والخطأ فيه يغير مجرى التاريخ لك أو عليك.

وحتى الآن لا نحن واجهناه بما يستحق، ولا نحن انسحبنا بما يليق في الوقت المناسب.

الدرس الثاني: المكر والدهاء والخداع والحيلة والمناورة؛ هي المقومات التي يقوم عليها البقاء في الحكم، خاصة إذا كان عدوك مجرما وقحا غادرا خسيسا في عداوته.

حتى الآن، لا تزال النوايا الطيبة أو الساذجة أو الحالمة هي سيدة الموقف، فلا يوجد بيننا "من ليس خِبّا ولا الخِبُّ يخدعه".

الدرس الثالث: لا يقوم حكم إلا على أسِنَّة الرماح، وتحت ظِلال السيوف، والرماح والسيوف في زماننا هذا تعني قوة السلاح والقوة ناعمة، وإذا كان مفهوما عدم امتلاك قوة السلاح في أعقاب الانقلاب حين ضاعت منك السلطة التي تعطيها المشروعية، فلا يزال كذلك باعُنا في القوة الناعمة ضعيفا خجولا، رغم أن القوة الناعمة وحدها كافية لحسم الصراع لمن يجيد استخدامها.

الدرس الرابع: الثورات لا تنتصر بالدروشة، ولا بأحلام اليقظة، ولكن بالعلم والتخصص، وتوظيفهما جيدا في إدارة الصراع. حتى الآن نحن لم نتعلم علوم إدارة الدول، ولا الصراعات، ولا علوم السلطة بأنواعها، ولا توظيف التكنولوجيا والذكاء الصناعي لصالح الثورة، ولا علوم الاجتماع السياسي منها، والاقتصادي، والنفسي، ولا علوم الإدارة بمختلف مدارسها ومذاهبها، ولا العلوم السياسية بأنواعها، ولا التخطيط بأنواعه.. لم نتعلم شيئا، اللهم إلا الدعاء على الظالمين، ورواية الأحلام، والبحث عنها في تفسير ابن سيرين.

الدرس الخامس: المال هو عصب الحياة والثورات كذلك، فلا يمكنك فعل شيء بدونه، لا امتلاك القوة بنوعيها، ولا تعلّم العلم، ولا امتلاك الأدوات، ولا رعاية الضعفاء والمأزومين من الانقلاب. وحتى الآن لا توجد مؤسسات مالية ترعى كل ما سبق، فقط تعيش الثورة على الهِبات التي لن تستمر مع طول أمد الصراع.

الدرس السادس: لا ثورة بدون قيادة حاضرة في حياة الناس، تعيش معهم وبهم آلامهم وآمالهم لحظة بلحظة، توجه وترشد، وتوضح معالم الطريق، وتوقظ الغفلان، ربما نكون نحن الثورة الوحيدة في التاريخ التي تقود الجماهير بالبيانات، والتي لا تُعرف لها قادة أو أبطال إلا في السجون أو القبور.

حتى الحي منهم، اعتبرناه الإمام الغائب الذي لا يُرى ولا يظهر، في مقاربة سُنِّية للمفهوم الشيعي للإمام الغائب المنتظر لديهم.

الدرس السابع: لا تحطم مستقبلك، وهم الشباب، لكن للأسف المتتبع لوضع الشباب، وقود الثورات وقادة المستقبل، يجد أن تحطيمهم وتشتيتهم هو الحاصل، فلا قدوة أمامهم، ولا مشروع يجمعهم، ولا قائد يحتضنهم، فتاهوا وسط الزحام، وعاشوا أحداثا فوق أعمارهم، لم يتهيأوا لها، فمنهم من ثبت وتجاوز المحنة، ومنهم من انسحب من الثورة، وربما من الحياة، ومنهم من انحرف لأقصى اليمين أو اليسار، بعد أن فقد المرجعية والناصح الأمين.

الدرس الثامن: إيّاكم ومرتزقة الثورات، وهم كُثر.. أحيانا يكونون لصوصا في ثياب قديسين، لا يسرقون المال فقط، ولكن أحلام الناس وآمالهم وأعمارهم، بمظاهر خادعة وحكمة مصطنعة مضللة.

وبعضهم يعيش على ما يطلبه المستمعون؛ جريا وراء وهم الشهرة، دون رسالة أو مضمون، أو إثباتٍ للحضور والظهور دون هدف سوى بناء المجد الشخصي. ابحث فقط عمّن يقدم لك قيمة مضافة، أو وعيا زائدا، أو حكمة مستفادة.

الدرس التاسع: فقه المِحَن غير فقه العافية، وقلوب المِحَن غير قلوب العافية، فلا تُعامِل الناس بفقه العافية وقت المِحنة، ولا تنتظر منهم سلوكا أو معاملة بفقه العافية وقت المِحنة؛ وإلا ستحبط وتندم وتفقد الثقة في الجميع..

فأدرِك فقه زمانك، ولا تُحَمِّل نفسك أو الآخرين ما لا تطيق أو يطيقون.

الدرس العاشر: التفت لقلبك، ولا تفقده وسط ضغوط الحياة ولهاثها، ولا تنسَ وسط مشاغلها أنك عبد لله، وأنك إليه راحل، طال بك الزمان أو قصر، فارضَ بما قسمه الله لك، واعلم أن اختياره لك أفضل ألف مرة من اختيارك لنفسك، فالتعامل مع الله لا يكون بظواهر الأمور، ولكن ببواطنها وجوهرها.

حُبس سيدنا يوسف عليه السلام بضع سنين، فكانت عاقبته حكم مصر، ومشى قارون في عزه وسلطانه، فكانت عاقبته "فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ"، فلا تكن من أهل "يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ".

هذه بعض دروس الانقلاب كما خبرتها وشعرت بها، فهل من متعظ أو معتبر؟!
التعليقات (7)
محمد آل شرقي
الثلاثاء، 16-07-2019 02:00 م
رابعة والقفز الى المجهول ـ رؤية مغايرة ( 4 / 4) بدون شك أن العمل السياسي يعد جزءا لا يتجزأ من منظومة العمل الدعوي الإسلامي الشامل ،وهذا المفهوم يعد من تجليات صفة الشمول التي تميز الدين الإسلامي كنظام مركب ومتعدد الوظائف والمهام ويستوعب كل مناحي الحياة ، ولايملك أى أحد ما يمكن أن يحتج به من حيث المبدأ على ممارسة الإسلاميين للعمل السياسي برؤية إسلامية واضحة في مجتمعاتنا الإسلامية ، ولكن الخوض في العمل السياسي في نطاق الواقع الذي نعيشه يعد تجربة صعبة ومعقدة ويحتاج إلى وجود مجموعة من الشروط والمقدمات حتى يصبح ممكنا ، وواضح للجميع أن الظروف السياسية السائدة في بلادنا غير مواتية لتحقيق هذه الخطوة بدون التعرض لمخاطر شديدة فلزم الإنتباه والحذر ، والبعض يشكك في حجية ضعف الإمكانات وعدم توفر الوسائل والأدوات والآليات الكافية ، وهؤلاء يرون حتمية المراهنة على القدر الموجود والمتاح من الإمكانات والعمل على توظيفها في ممارسة العمل السياسي ما مهما كانت النتائج والمخاطر والاستحقاقات المترتبة على ذلك ، وهؤلاء يحتجون ببعض الآثار المواردة لتأكيد رؤيتهم هذه . على سبيل المثال يحتج البعض بما فهمه من سورة البروج ، على أنه يحمل تأكيد على ضرورة وحتمية التضحية بالنفس في سبيل المبدأ في كل الأحوال دون الالتفات إلى النتائج المترتبة على ذلك طالما أن الموقف يقتضي ذلك ، والحقيقة لا يمكن التسليم بهذا الرأي على هذا النحو لأن الأمر يحتمل الجدل وقد تتعدد حوله الآراء والمواقف لأسباب عديدة ، وأنا أعتقد أن كل موقف مشابه له يجب أن يخضع لاجتهاد جديد ورؤية جديدة من أجل الوصول إلى الرأي المناسب له . فسورة البروج تعرض حالة عامة وإنزال أحداثها ونتائجها على واقع معين يخضع للنظر وإعمال الفكر من أجل استنباط رأي واضح يناسب طبيعة الحالة بعد فهم وإستيعاب والمعاني والدلالات الواردة في السورة . و يمكن القول بأن سورة البروج يعرض المشهد النهائي والمحصلة الأخيرة في مشهد مركب من مكونات وخيوط عديدة متشابكة ، وقد إنتهى المشهد بنتيجة أخيرة حاسمة طرحت معالم ومفاتيح الحل الأخير ، وحسب الأحداث التي تعالجها وتتعرض لها السورة لم يكن هناك بديل عن التضحية أجل تحصيل تلك النتيجة ، ومن ثم كان الحرص على توصيل الرسالة الحاسمة للجميع عبر موقف قد يكون غير قابل للتكرار في مكوناته وفضاؤه العام بنفس الشكل ونفس المستوى ونفس التفاصيل ، وهذا الموقف فيما أري (وهو موقف تقديري في الأخير) لايطرح حكما عاما قاطعا يصلح لكل المواقف والوقائع المشابهة ، بل إن أحداث السورة تطرح صورة أو نموذجا للتأسي والاعتبار والتعلم إذا لزم الأمر ( ولا توجد هنا آلية واضحة أو قاعدة ثابتة وحاكمة للتعاطي مع كل المواقف المماثلة ) والأحداث قد لا تكون دائما على هذا النمط من المشاهد والوقائع عند ممارسة الأنشطة والأعمال أو عند التخطيط لهما في ظل أزمنة أخرى وأوضاع مغايرة، ولو كان ما ورد في هذه السورة الكريمة من أحداث ومواقف واجبة التقليد والمحاكاة لكان لزاما على الدعاة أن يحاكوا هذا الموقف أمام أحداث مشابهة كثيرا ما تكررت عبر حقب التاريخ ، و كذلك لكان لزاما على كل العاملين في مجال الدعوة أن يتحينوا الأحداث وأن يصنعوا مثل هذه الفرص وأن يقدموا على أي عمل ولو كان (إنتحاريا ) تحت مبرر نشر الدعوة ،،، فالمسألة أعقد من ذلك وقد لا تكون على هذا النمط من التصورات . والذي يجب أن نفهمه جيدا أن العمل الدعوي في حاجة ماسة إلى استيعاب حسن و تخطيط دقيق ومراعاة كل الظروف والأحوال والوقائع ، ويحتاج العمل الدعوي أيضا إلى فهم الخطوات وإستيعاب المراحل والاشتغال بشكل فعال على دائرة الممكن مع الحرص والسعي والتركيز من أجل العمل على توسيع وتعميق دوائر الممكن الدعوى كلما أمكن ذلك حتى يتمكن النشاط والعمل من التقدم خطوات راسخة إلى الأمام . ويبدوا لي أحيانا أن الحركة الإسلامية تعاني خلل في ذاكرتها التاريخية ومن ضعف في مخيالها الإستراتيجي الذي يتجاهل فقه الأولويات وفقه ترتيب الواجبات وفقه طبيعة المعركة التي فرضت عليها من قبل أعداء الإتجاه الإسلامي .ولذلك كثيرا ما نجد مواقف وأعمال تحسب على الحركة ولكن تخصم نتائجها ومحصولها السلبي من رصيدها التراكمي إن وجد ، وقد يكون السبب الرئيس الذي يؤدي إلى مثل هذه النتيجة هو العجلة وممارسة فقه القفزات والإمعان في حرق المراحل تحت ضغط الواقع الغشوم …يتبع
محمد آل شرقي
الإثنين، 15-07-2019 04:34 م
رابعة والقفز الى المجهول ـ رؤية مغايرة ( 5 ) الحقيقة في كل ما طرحت لم أقصد إن أتعرض (لغزوة رابعة ) من حيث كونها رد فعل طبيعي وحقيقي يصعب تجاهله ومقاومته في ظل الأوضاع والسياقات التي فرضت على الجميع نوعا من الحضور الاستثنائي التلقائي بدون التفكير في النتائج والمآلات ليكونوا في القلب منها . ومع ذلك يجب أن لا يغيب عنا أن طول الطريق واستحقاقاته يحتمان على الجميع التأني وطول النفس وحسن تقدير وتقييم الأمور واستحضار النتائج حتى نتفادى الإنجازات السلبية . وربما يتعين علينا في هذا المقام الوقوف وقفة تأمل واعتبار أمام أحداث غزوة مؤتة حيث كان عدد المسلمين إلى عدد الروم (100/1) ، لنخرج بدرس مفيد عن ضرورة وأهمية الاعتداد بموازين القوة عند الإقدام على أى عمل كى نتمكن من توفير أسباب وعوامل النجاح ، وقد أكدت أحداث وتداعيات الغزوة كما هو معلوم على أولوية المحافظة على القوة المتاحة وعدم الاندفاع نحو التورط في مغامرة غيرمحسوبة العواقب طالما أن كل المؤشرات الحسية تؤكد على التعرض لهزيمة كبيرة يمكن إن تؤدي لخسائر جسيمة في ظل عدم توفر الحد الأدنى من المقومات . فبعد أن تبين بشكل قاطع من خلال أحداث الواقع الميداني أن مواصلة المعركة في مؤتة ليست في صالح المسلمين وفق أى إعتبار بسبب الاختلال الحاد في موازين القوة ، اضطر المبدع الموهوب المتفرد خالد بن الوليد إتخاذ قرار الانسحاب بالجيش بشكل تكتيكي من المعركة دون مشاورة منه لأحد بعدما اتضحت له الصورة كاملة فأدرك عدم جدوى الاستمرار في المواجهة التي لن تكون في صالح الجيش المسلم . فما كان له أن يغامر بالجيش بعدما تبين له طبيعة ونتيجة ومسار المعركة . ورغم أن هذا الموقف قوبل بنوع من الرفض والاحتجاج من قبل العامة في المدينة عند عودة الجيش ،إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر بما فعله خالد فحسم الموقف وأنهى المسألة وقطع حبل الجدل حولها ، ولا يغيب عنا أن إقراره صلى الله عليه وسلم بهذه الموقف يعد سنة جارية إلى يوم القيامة . والمبدأ الذي يجب أن نعيه من هذه الواقعة هو ضرورة مراعاة موازين القوة قبل الدخول في مواجهات مع الأعداء . قائد المعركة في هذه الواقعة لم يعتمد على نص ديني في إتخاذ هذا القرار لأنه لايوجد نصوص دينية صريحة ومفصلة في مثل هذه المسائل المحكومة بالمتغيرات ، ولكنه أستند إلى المبدأ المنطقي الذي تؤيده الشريعة والذي يؤكد على ضرورة الأخذ بالأسباب المادية والمعنوية المكافئة التي تناسب العمل المستهدف ، وهذا مسلك واضح ومعيار مهم للوصول إلى رؤية واضحة للموقف ، والفصل في مثل هذه المسائل يستند إلى فقه الواقع وفقه الموقف وفقه الضرورة وفقه المآلات بما يؤدي في النهاية إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد ، فقد أدرك خالد بحسه العبقري أن الإستمرار في المعركة لن يكون في صالح المسلمين في نهاية المطاف ، فقرر ودون مشورة من أحد أن ينسحب لتيقنه بالنتيجة الحتمية التي تنافي المصلحة المرجوة من قبل المسلمين . قد يرى بعض المسلمين عدم الخضوع لمبدأ الانسحاب التكتيكي في مواجهاتهم مع الأعداء مهما كانت الدواعي والأسباب ، لماذا ؟ !!! لأن المسلم في كل معاركه حسب تصورهم منتصر سواء حقق الانتصار المادي بالفعل أو إستشهد . فلماذا الإنسحاب إذن ؟ تلك حجتهم !!! والحقيقة أن هذا التصور بهذا الشكل يعد تصورا مضطربا وغير مقبول ، وإن كانت القاعدة التي يستند عليها و يحتج بها هؤلاء وهو فوز المسلم في كلتا الحالتين صحيحة ، ولكن هذا المبدأ له وظيفة تحفيزية أكثر من كونه مبدأ عام يجب الإلتزام به في كل الأحوال دون إعمال العقل ، ولذلك يجب عدم إغفال مسألة موازين القوة ، فهذا المبدأ يحفز المسلم على المشاركة بقوة وبدون تردد في المعارك لأن فوزه مضمون ومقرر، ولكن هذا لايعني مطلقا الاندفاع بدون بصيرة للدخول في معارك كبيرة وحاسمة بشكل إرتجالي وعشوائي بلا تخطيط وبلا إستعداد ودون الالتفات لموازين القوة فتكون النتيجة النهائية كارثية بكل المقاييس على الجماعة المسلمة . وهذا الموقف الألمعي المهم من قبل سيدنا خالد يعد قاعدة وقانونا في بابه ، ولذلك يجب ألا يغيب عن أحد مثل هذه الحقائق في ظل حالة الضعف الشديد الذي تعاني منه الحركة الإسلامية على الدوام بسبب اختلال موازين القوة بينها وبين أعداءها . ألم يكن من الفطنة ومن الضرورة تطبيق هذا المبدأ في حالة رابعة حتى يتم تجنب الكارثة ؟ !!! لو أن هذا المبدأ له اعتباره في نطاق فقه الدعوة وكان حاضرا في الأذهان ألم يكن من الممكن تجنب التداعيات المؤلمة التي ترتبت على ذلك . والبعض يزعم أن مثل هذا العمل ( استخدام القوة والعنف ضد الثوار) كان مقررا على كل حال ، فإذا كان هذا القول صحيحا ، ألم يكن من الأولى الإبتعاد أكبر مسافة ممكنة عن هؤلاء الشياطين للنجاة من كيدهم الكبار بدلا من التجمع في مكان واحد و كأن لسان حالهم يقول هيت لكم .
محمد آل شرقي
الجمعة، 12-07-2019 06:08 ص
رابعة والقفز الى المجهول ـ رؤية مغايرة ( 3 / 4) أرى أن القدر الواجب القيام به من مفردات النشاط والعمل الدعوي في مجتمعاتنا التي يتحكم فيها أمن الأنظمة الحاكمة متقلب ومتغير بالضرورة استجابة لضغوط الأوضاع القائمة ، ويتأثر ذلك إلى حد بعيد بالقدر المتوفر من عناصر القوة المادية والناعمة لدى أطراف الصراع ، وفي الأخير يمكن القول بأن النشاط الدعوي يتحدد في ذلك القدر من المهام التي تستطيع طاقة أفراد وعناصر قوة العمل على تحملها واستيعابها والقيام بها في إطار الإمكانيات المعنوية والمادية المتاحة التي تساعد على القيام بتلك المهام بشكل منتج ومثمر وبمستوى مقبول من الجودة والتميز بحيث تعد إضافة حقيقية لرصيد الإنجازات التي يمكن البناء عليها . والسؤال المحير هنا ، كيف يفكر قادة العمل الإسلامي بهذا المستوى الصادم من التفكير والتقدير الذي يقفز على الكثير من حقائق و تعقيدات ومعضلات وإشكالات الواقع الموضوعي بهذه بسهولة ، ومن ثم يتم إتخاذ مواقف خطيرة بالإستناد على حسن الظن وبعض الرؤى المغرقة في الذاتية وأحيانا قد تكون بسبب مايمكن أن نسميه على خجل بالسذاجة الفكرية أو الاعتبارات العاطفية والأماني المجنحة البعيدة عن معطيات الواقع الصلب . والملاحظ أن الفصائل الإسلامية لاتهتم كثيرا باعتبارات موازين القوة بينها وبين الخصوم الذين تواجههم بشكل عام ، ولذلك لاتدقق كثيرا في الإحتمالات و المآلات والنتائج بشكل معتبر وشامل ومركز ، من هنا نجد أنها كثيرا ما تندفع تلك الفصائل للدخول في معارك خاسرة نتائجها معلومة سلفا في الغالب . وأحاول هنا أن أصل لتفسيرأعمق لهذه الظاهرة ولكني أتردد كثيرا هنا قبل الشروع في إطلاق بعض الأوصاف التي لا تليق . وكمدخل إلى شيء من التفسير لهذه الظاهرة يمكن القول بشكل عام بأن قوة وصلابة وثبات الجانب العقدي والايديولوجي لدى المسلمين قد يؤدي أحيانا إلى التقليل من التركيز والاعتماد على المقوم والعنصر المادي الذي يتمثل في الإمكانات والأدوات والوسائل والآليات التي لها دور كبير في المساعدة على تحقيق الأهداف والمرامي . والذي يجب أن يكون واضحا لدينا أن المقوم العقدي قاطع و حاسم ومهم بدون أى شك ولكنه للأسف الشديد ليس بديلا عن الإمكانات والمتطلبات والمدخلات المادية اللازمة للقيام بالأعمال المطلوبة للوصول إلى الأهداف المخططة ، فالعقيدة قوة دفع هائلة للعنصر البشري للصمود في وجه التحديات وبذل الجهود المضنية من أجل تحقيق الأهداف الكبرى ، ومن الطبيعي أن يتم ذلك ضمن شبكة القوانين والسنن الكونية التي تعتمد على مبدأ (وأعدوا لهم ماستطعتم من قوة ) فالعقيدة عنصر حاسم في تحقيق الأهداف ولكنها لبست بالعنصر بديل عن القوة المادية . الموقف الطبيعي المنطقي المفهوم والمقبول أن كل مستوى من الأهداف المطلوب إنجازها لها متطلباتها ومدخلاتها من الأدوات والآليات والمدخلات حتى يتم إنجازها على أرض الواقع . هذا هو النطاق الذي يجب أن يتم التركيز والاشتغال عليه كلما أمكن ذلك . أما ذلك القدر من الأهداف التي لا توجد إمكانات كافية لتحقيقها في مرحلة ما تؤجل بطبيعة الحال حتى تتوفر الإمكانات الإضافية الضرورية لتلك الأهداف . الأوضاع الاستفزازية الضاغطة التي تعاني منها الحركة الإسلامية تضع عناصرها في وضع دائم من الإستعداد نحو الاندفاع والاشتباك مع القوى المستبدة بسبب الحصار الكبير والضغوط الهائلة التي تتعرض لها عناصر الحركة الإسلامية بشكل خاص وكل قوى الممانعة بشكل عام ، ولكن المواقف التي تعتمد على الفورة العاطفية والرغبة المحمومة للتعبير والتنفيس عن تلك الضغوط خارج حسابات الممكن والممتنع سوف يؤثر على الرصيد الاستراتيجي المتراكم لقوى الممانعة ، ذلك الرصيد الذي يشكل المخزون الدائم الذي يجب الإعتماد عليه واللجوء إليه عندما يأتي الوقت والظرف المناسبين ، من هنا كان من الحزم والعزم التزام الحرص والحذر من أجل تجنب التعرض لما قد يتجاوز قدرتها على الحمل ……………………………………………………………………….. يتبع
محمد آل شرقي
الخميس، 11-07-2019 06:49 ص
رابعة والقفز الى المجهول ـ رؤية مغايرة ( 2 / 4) رابعة ولدت بشكل قسري دون أن يكون لدى الذين شاركوا في صناعتها وإخراجها أفق سياسي حقيقي وواقعي يمكن المراهنة عليه ، فقد إندفع الجمع نحوها كمجرد رد فعل عاطفي تلقائي ومباشر بدون أي تفكير في الخطوات التالية وبدون إستحضار النتائج المحتملة والمآلات التي يمكن أن تترتب على مثل هذه الخطوة الخطيرة ، ورغم أن كل المؤشرات في الواقع كانت تدل على أشد وأعتى درجات الخطورة والصعوبة في التعاطي و التعامل مع هذا الموقف الذي ليس له أدنى علاقة بعالم السياسة ، وأن الترتيبات التي كانت تتم من قبل القوى المضادة التي تتحكم في المشهد من بداية الأزمة وخلال مراحلها المختلفة كانت تدل على أنها تشكل جزء في ترتيبات أكبر وأوسع ليس لها علاقة بعالم السياسية وأنه سيتم اللجوء إليها في حينه لفرض واقع جديد بقوة الحديد والنار دون الخضوع لأي إعتبارات تتعلق بعالم السياسة . لم يكن هناك تصور واضح أو حل مقبول يمكن الإعتماد عليه واللجوء إليه لدى المنتمين للصف الثوري غير فكرة عدم التراجع خطوة للوراء مهما كانت الأسباب ، والتي كانت تسيطر على المشهد الثوري ، ولذلك لم تكن هناك فرصة من أجل التفكير بروية في الخطوات التالية التي يمكن اللجوء إليها عندما تستحكم الأزمة تشتعل الأجواء ، الإرادة الجماعية للصف الثوري انعقدت على هذا الإختيار المفتوح كان من الضروري اتخاذ بعض الترتيبات اللازمة من أجل المحافظة على الأوضاع عند نقطة محددة . والذي يبدو لي الآن أن من يملكون قرار التصعيد الثوري في ذلك الوقت بنوا رؤيتهم ببساطة شديد على إمكانية تكرار ما حدث في أعقاب 25 يناير من نجاحات ، وظنوا أن الاعتصام والضغط الشعبي المحدود المتواصل سوف يؤديان في النهاية الى نفس النتيجة التي أعقبت الأحداث الأولى للثورة ، فلن يكون أمام العسكر في النهاية إلا الرضوخ والاستلام والتراجع ، والحقيقة لم يكن هناك ما يدل على ذلك بل يمكن القول بشكل واضح بأن كل الدلائل والمؤشرات كانت تدل على عكس ذلك تماما ، بعد أن جرت مياه كثيرة في النهر خلال الفترة التي أعقبت الثورة وساهمت في إعادة ترتيب المشهد لصالح القوى المضادة . والسؤال الذي يفرض نفسه هنا ، هل يشرع من الوجهة الإسلامية القيام بأي عمل دون توفر الأدوات والوسائل والآليات والإمكانات التي لابد منها للقيام بمثل هذا العمل ؟، وهل يجوز الاندفاع والدخول في صراعات صفرية خطيرة مع قوة كبيرة ممكنة تملك كل أدوات القوة والجبر والقهر دون إجراء حسابات دقيقة تؤكد وتؤيد أو ترفض وتعارض مثل هذا الموقف من خلال تحليل مكوناته ومعرفة ما له وما عليه ، كثيرا ما يلاحظ أن الحركة الإسلامية تتعامل مع التحديات التي تواجهها من مدخل الورطة ، بمعنى أنها تندفع نحو التورط في القيام ببعض الأعمال حتى وإن كانت لاتملك الإمكانات والأدوات اللازمة والكافية للقيام بتلك الأعمال وذلك بسبب شعورها بعدم وجود بدائل إلا الاستسلام للأمر الواقع ، وأنه ليس أمامها من خيار إلا العمل بما هو متاح مهما كانت التحديات وبصرف النظر عن النتائج التي يمكن الوصول إليها . الحقيقة أن الجماعة تحديدا كانت تحاول بشكل دائم أن تمارس أنشطة وأعمال تتجاوز إمكاناتها وقدراتها بمراحل كبيرة في مجال العمل السياسي ، رغم أن الوقائع أثبتت خلال تجربتها الطويلة عدم جدوى الدخول في أعمال تتجاوز طاقتها الفعلية ، إلا أنها لم تكن تلتفت لذلك كثيرا ، وفي حالة رابعة فعلت الجماعة الشئ نفسه ، فقد أقنعت نفسها والمتعاطفين معها بهذه الخطوة رغم ضبابية الموقف وعدم وجود فرصة حقيقية لتحقيق أي شيء في صالح الحراك السياسي من خلال هذا الخيار .
محمد آل شرقي
الأربعاء، 10-07-2019 04:40 م
رابعة والقفز الى المجهول ـ رؤية مغايرة ( 1 / 4) محمد آل شرقي ـ الكتابة حول رابعة صعبة وثقيلة وجارحة ، وتعد ونوعا من السباحة ضد التيار، ويمكن أن تجر المتاعب والمصاعب والحرج والتهجم على من يتعرض لإعادة اكتشافها بسبب رمزيتها التي اكتسبتها ومكانتها الاستثنائية في النفوس ، فقد أضحت رابعة بؤرة إستقطاب و رمزا ساطعا كتبت حروفها بالدم والعرق وامتزج طيفها بالتحدي والثبات والتضحية والمعاناة ، وليس من السهل الاقتراب منها للوصول إلى نهاية الطريق من أجل الحصول على المزيد من الاكتشاف لطبيعة الحدث والوصول إلى فهم تلك الظاهرة التي حاولت أن تتجاوز المستحيل وتخترق القوانين والسنن ، ولكن لا مناص من التعرض للتجربة على حذر لوضع النقاط على الحروف والاقتراب من ملابسات الحالة التي أصبحت الى حد بعيد تشكل معضلة عصية ومنطقة محرمة لدى البعض بسبب صعوبة الاقتراب منها تحليلا وتقويما وترشيد وبيانا . من أشد وأصعب المواقف تلك التي تحاول من أجل الإقتراب منها أن تقاتل وتدفع اليها نفسك دفعا دون أن يكون هناك مؤشرات تقوى موقفك في ظل بروز إجماع هادر يقف دونك ودونها ، ومن أين لي أن أتخطى بحر الرمال المتحركة هذه دون أن أغرق ، قد يكون لدى البعض تصور شامل مبني على معلومات واضحة و دقيقة تعين على المزيد من الفهم لملابسات الموقف حتى يتسنى هضم كل الأسئلة التي يمكن أن ترد للذهن وأنت تفكر وتراجع وتدقق وتعالج هذا المشهد الأسطوري . في الوقت الذي كانت مصر تحاول فيه أن تلملم جراحها وتستأنف الخطو من نقطة البداية للشروع في عهد جديد ، بدأت خيوط المؤامرة تلتف من كل الإتجاهات على كل من له علاقة بالعهد الجديد ، وفي ظل هذه الأوضاع المعقدة خرجت رابعة الى النور من رحم الضرورة كرد فعل إضطراري وقهري حيث لم يكن هناك بدائل يمكن استدعاؤها في تلك المرحلة ، ومن ثم أصبحت رابعة لدى من يديرون المشهد الثوري هى المخرج المتاح والطريق الممكن رغم خطورة الأوضاع وضبابية وصعوبة الاختيار في ظل عدم وجود بدائل يمكنك الإختيار من بينها ويمكن المراهنة عليها بدلا من الاستسلام الكامل لإرادة الثورة المضادة وعرابيها . يحق لنا جميعا أن نناقش هذه المحطة الدموية المؤلمة ونرفض أي مبرر لتمرير مثل هذا العمل الخطير بدون أن يكون لدى القائمين عليه تصور واضح يؤيد الإصرار على الأقبال عليها بثقة ليس لها مثيل دون أى إعتبار للنتائج والتداعيات المرتقبه والمترتبة عليها . علم الإدارة الحديثة يقدم لنا ما يعرف بدراسات الجدوى التي يمكن اعتبارها مدخل معياري مهم يجب الاستعانة به عندما نفكر في تأسيس وعمل مشروع جديد ، تلك الدراسة تتناول كل مكونات وعناصر المشروع وتقدم إجابات واضحة لأصحابه يمكن الإعتماد عليها والرجوع إليها و تشمل جوانب القوة والضعف ودرجات ومستويات الفرص والتهديدات ونمط المتغيرات التي يمكن أن يتعرض له المشروع خلال فترات عمله ونشاطه حتى يتسنى لإدارة المشروع إتخاذ القرارات المناسبة ، وفق ما هو متوفر من معلومات . وبدون الحصول على تلكم المعلومات التي تتيحها تلك الدراسة فإن القرارات سوف تعتمد على العشوائية والارتجال والحدس والتنبؤ وعدم الوضوح وضعف الرؤية وغياب اليقين من هنا كانت ضرورة وأهمية هذه الخطوة من أجل المضي في مسار واضح يساهم في تحقيق الهدف .…….. يتبع .